في الظاهر، بدت حركة المجاهرة بالتصهين والتطبيع خلال العامين الماضيين وكأنها صادرة عن طرف نقيض لما يسمى "محور الممانعة". بيد أن التمعن بمواقف الطرفين، ومنها دعوة الإعلامية فجر السعيد التطبيعية، يعيدنا إلى كذبة تناقض "المحورين". وكغيرها ممن أطلوا علينا من الرياض وأبوظبي والقاهرة، ومن عواصم دول أخرى مرشحة قريباً، لم تخف السعيد، المعجبة ببشار الأسد وصديقة الديكتاتوريين والانقلابيين، أمنياتها لـ2019 بتطبيع مزدوج مع/ وبين الأسد ودولة الاحتلال.
ظاهرياً، تبدو تلك متناقضة عربية أخرى في التيه بين رغبات الآخرين لنا وعنا. قد يستغرب المتابع ركاكة وسطحية ما يمارس عربياً باسم "الواقعية السياسية"، بتناقض الزحف المزدوج انبطاحاً نحو تل أبيب وقصر المهاجرين المحمي إيرانياً في دمشق، بذريعة لجم النفوذ الإيراني، الذي لم يواجه جدياً مرة واحدة، رغم الفرص، إلا في أوهام القرصنة والشتم لمزيد من خسارة الحلفاء. وقد جربوا بالشيكات ذاتها مع حافظ الأسد ومع المحتل بـ"مبادرتهم العربية"، فلم يحصدوا سوى مزيد من الأوهام.
وإذا كان الزحف إلى دمشق، من المطبعين الخليجيين، المتهمين بتمويل "المؤامرة الكونية"، محيراً ومربكاً، أقله لتوابع "الممانعة"، من تونس إلى عمان والقاهرة ورام الله، فإن الأمر ليس بذلك التعقيد في سياق تسويق الاستبداد. تماماً كما الانفصام على الشاشات السيساوية (التابعة للرئيس عبد الفتاح السيسي)، تارة باتهام تل أبيب، وحتى واشنطن، بالتآمر على مصر و"زعيمها"، وفي أخرى اعتذار قائد عسكري مصري من "طلقات طائشة" وصلت إلى النقب المحتل. وبالمناسبة، هؤلاء التوابع هم من صفقوا لانقلاب العسكر في مصر، وأحدهم، مصطفى بكري، يمارس على الشاشة، حتى اليوم، فروض تغييب العقل باسم "الممانعة"، إعجاباً بالأسد وبالمطبعين في الخليج. ببساطة، طقوس توظيف المتناقضات لتوريث أبدية الحاكم العربي ليست جديدة. فقد خرج أحدهم ذات يوم على شاشة "سورية الأسد" محذراً دولة الاحتلال من انتصار الثورة السورية بأن "هؤلاء إن حكموا فسيتوجهون خلال سنوات لتحرير القدس". فالبوصلة واضحة، "أمنكم من أمننا". لا غرابة في التقاء من يُظَن أنهم "أضداد" السياسة والأيديولوجيا، ففي استبدال شعار "تدمير إسرائيل" بـ"لم نقل أبداً" تكمن حكاية الالتقاء في منتصف الطريق نحو تل أبيب، والعين على مراكمة نيل الإعجاب والرضا الغربي.