07 نوفمبر 2016
عن خان شيخون الكردية
شفان إبراهيم (سورية)
شكلَّ مشهدّ التضامن الكردي مع خان شيخون في قامشلو السورية وحلبجة في كردستان العراق وسردشت في كردستان إيران لوحة جديدة في نمط التعامل الكوردي العربي.
على الرغم من عدم تفعيل أو تجسيد هذه اللوحة بالشكل العملي المطلوب، ربّما لعدم رغبة الإعلام اللامحايد في تعميق أي صورة لأي تجسيد إنساني في علاقة الكرد والعرب، أو ربما لكبر حجم مأساة خان شيخون، أو لنقل لأسباب أخرى غير معروفة.
وعلى الرغم من قلّة عدد المشاركين، خصوصا في قامشلو، وتعدّد انتماءاتهم السياسية والقومية والدينية؛ لكنها كانت تأكيداً على وحدة الحال في القضايا الإنسانية. وكانت النقلة النوعية في مدينة سردشت تحديداً، من حيث نوعية العلاقة بين شريحتين من شرائح المجتمع الإنساني في الشرق الأوسط، فسردشت الكردية تبعد آلاف الكيلومترات عن خان شيخون، وأكاد أجزم أن لا أحد من أبناء المدينتين قد سَمِع بالأخرى، أو زارها. بل إنّ حجم الجهل بالقضية الكوردية في الأجزاء الأربعة، لدى شرائح واسعة من المجتمع السوري، دفع الموقف الكردي في إيران إلى صدارة المشهد الإنساني.
إن كانت السوشيال ميديا قد ألغت الحواجز والحدود بين الدول والمجتمعات وأذابتها، لتحمل هموم كلّ منطقةٍ إلى ضمائر العالم في الطرف الآخر من الأرض، فإنّ موقف أهالي العاصمتين، التونسية والأردنية، وبني وليد في ليبيا ومدن في فلسطين، المندّد بالقصف الأميركي على مطار الشُعيرات لم يأت بجديد لجهة عدم الاكتراث العربي بمأساة العصر الحديث، مأساة الشعب السوري منذ 2011.
اليوم، يمر أكثر من شهر على الذكرى الـ 29 لفاجعة حلبجة، الجريمة التي وقعت منتصف مارس/ آذار من عام 1988، والتي كان الموقف الرسمي، خصوصا الأميركي آنذاك، يمثل بحدّ ذاته جريمة تضاهي الجريمة نفسها، فالنفاق السياسي والإنساني الأوروبي والدولي تجاه حرق الأحياء بغاز الخردل والسيانيد في حلبجة في مقابل مُجاملة النظام العراقي في حربه ضد النظام الإيراني أوصل الكرد إلى جينوسايد (جريمة إبادة) القرن الماضي.
ولعل أكثر المستفيدين من الصحافة والإعلام في القرن الماضي كانوا أهالي حلبجة الذين تعرّف العالم على أندر المحارق بشاعة ونوعية، عبر بعض الصحفيين والإعلاميين اللذين لولاهم ربما ماتت القضية كغيرها ومثيلاتها الكثيرة.
اليوم، وبعد أكثر من ربع قرن، لا تزال العقلية نفسها، والنفسية عينها، والتصرّف نفسه يُعاد ومن جديد، وفي رقعة جغرافية متصلّة إنسانياً. ولا تزال المبادئ والخطوط الحمراء والحماية الإنسانية الدولية للمستضعفين هي نفسها، مجرّد هباء أو غطاء لمخططات أكبر، ولا تزال الحماية الدولية للمدنيين مُجرد تلاعب بهلواني بالألفاظ لا أكثر.
بعد أكثر من ربع قرن، تكرّرت الجريمة نفسها، أبيد أطفال خان شيخون، كما أبيد أطفال حلبجة بالأمس. وما كانت حلبجة ولا كانت خان شيخون في هذه الحالة، لولا التخاذل الدولي تجاه القضايا الإنسانية.
ربما الفرق بين حلبجة وخان شيخون أنّ الرد الأميركي جاء مباشرةً، وهي من المرجح أن "تكون رسالة" ترامبية إلى بوتين في عدم تخطيه الخطوط المرسومة في توزيع مناطق النفوذ بينهما في سورية. لكن، على الأرجح أنّ الأميركيين أنفسهم يتحملون مأساة حرق أطفال خان شيخون، فمنذ بدايات 2011 وإلى ما قبل مآساة خان شيخون كانت الخطوط الحمراء الأميركية تتكرّر دوما بمناسبة أو من دون مناسبة، من دون أي تنفيذ أو تهديد أو تشكيل خطر حقيقي على التجاوز المستمر، خصوصا وأنّ الطائرات الروسية كانت ولا تزال تشكل الخطر الأكبر على المدنيين والعزل، ولا تزال السيخوي نفسها تحصد أرواح المئات يومياً.
بالأمس، حاول مجلس الأمن حفظِ ماء وجهه، لكن المنشفة الروسية أبت إلا أن تُبقي وجه مجلس الأمن قبيحاً وكاشفاً عورته وحقيقته.
لا يزال التاريخ يُعيد نفسه، فما عاناه الكرد من أعتى الأنظمة العربية، باتت الشعوب العربية هي نفسها تتذوق من الكأس عينها، ومن كان بصمته وتجاهله (الأوروبيون وأميركا سابقاً) نتيجة أوجاع قلوب الكرد وأكبادهم، بات السوريون خصوصاً والعرب عموماً يذرفون الدموع ذاتها.
لا أتوقع أن تنكسر إرادة أهالي خان شيخون، ولا إرادة عموم السوريين، فالمسرح في حلبجة واضح، والإرادة في إقليم كردستان واضحة، بعد حرق مئات الآلاف من الأحياء ودفنهم، لا تزال الإرادة الكردية تتجه نحو مزيدٍ من الدفع باتجاه الاستقلال والحرية من الأنظمة المتشابهة فكرياً وعقائدياً. في خان شيخون، سيتكرّر مشهد المقاومة نفسها، وستنتصر الأنفاس الأخيرة للأطفال قبل وداعهم لهذا العالم السافل.
كما انتعشت حلبجة وأضحت قُبّة الشهداء فيها مربطاً لكل دول الغرب والشرق، ستتحول خان شيخون، هي الأخرى، إلى نقطة فارقة في الحدث السوري.
على الرغم من عدم تفعيل أو تجسيد هذه اللوحة بالشكل العملي المطلوب، ربّما لعدم رغبة الإعلام اللامحايد في تعميق أي صورة لأي تجسيد إنساني في علاقة الكرد والعرب، أو ربما لكبر حجم مأساة خان شيخون، أو لنقل لأسباب أخرى غير معروفة.
وعلى الرغم من قلّة عدد المشاركين، خصوصا في قامشلو، وتعدّد انتماءاتهم السياسية والقومية والدينية؛ لكنها كانت تأكيداً على وحدة الحال في القضايا الإنسانية. وكانت النقلة النوعية في مدينة سردشت تحديداً، من حيث نوعية العلاقة بين شريحتين من شرائح المجتمع الإنساني في الشرق الأوسط، فسردشت الكردية تبعد آلاف الكيلومترات عن خان شيخون، وأكاد أجزم أن لا أحد من أبناء المدينتين قد سَمِع بالأخرى، أو زارها. بل إنّ حجم الجهل بالقضية الكوردية في الأجزاء الأربعة، لدى شرائح واسعة من المجتمع السوري، دفع الموقف الكردي في إيران إلى صدارة المشهد الإنساني.
إن كانت السوشيال ميديا قد ألغت الحواجز والحدود بين الدول والمجتمعات وأذابتها، لتحمل هموم كلّ منطقةٍ إلى ضمائر العالم في الطرف الآخر من الأرض، فإنّ موقف أهالي العاصمتين، التونسية والأردنية، وبني وليد في ليبيا ومدن في فلسطين، المندّد بالقصف الأميركي على مطار الشُعيرات لم يأت بجديد لجهة عدم الاكتراث العربي بمأساة العصر الحديث، مأساة الشعب السوري منذ 2011.
اليوم، يمر أكثر من شهر على الذكرى الـ 29 لفاجعة حلبجة، الجريمة التي وقعت منتصف مارس/ آذار من عام 1988، والتي كان الموقف الرسمي، خصوصا الأميركي آنذاك، يمثل بحدّ ذاته جريمة تضاهي الجريمة نفسها، فالنفاق السياسي والإنساني الأوروبي والدولي تجاه حرق الأحياء بغاز الخردل والسيانيد في حلبجة في مقابل مُجاملة النظام العراقي في حربه ضد النظام الإيراني أوصل الكرد إلى جينوسايد (جريمة إبادة) القرن الماضي.
ولعل أكثر المستفيدين من الصحافة والإعلام في القرن الماضي كانوا أهالي حلبجة الذين تعرّف العالم على أندر المحارق بشاعة ونوعية، عبر بعض الصحفيين والإعلاميين اللذين لولاهم ربما ماتت القضية كغيرها ومثيلاتها الكثيرة.
اليوم، وبعد أكثر من ربع قرن، لا تزال العقلية نفسها، والنفسية عينها، والتصرّف نفسه يُعاد ومن جديد، وفي رقعة جغرافية متصلّة إنسانياً. ولا تزال المبادئ والخطوط الحمراء والحماية الإنسانية الدولية للمستضعفين هي نفسها، مجرّد هباء أو غطاء لمخططات أكبر، ولا تزال الحماية الدولية للمدنيين مُجرد تلاعب بهلواني بالألفاظ لا أكثر.
بعد أكثر من ربع قرن، تكرّرت الجريمة نفسها، أبيد أطفال خان شيخون، كما أبيد أطفال حلبجة بالأمس. وما كانت حلبجة ولا كانت خان شيخون في هذه الحالة، لولا التخاذل الدولي تجاه القضايا الإنسانية.
ربما الفرق بين حلبجة وخان شيخون أنّ الرد الأميركي جاء مباشرةً، وهي من المرجح أن "تكون رسالة" ترامبية إلى بوتين في عدم تخطيه الخطوط المرسومة في توزيع مناطق النفوذ بينهما في سورية. لكن، على الأرجح أنّ الأميركيين أنفسهم يتحملون مأساة حرق أطفال خان شيخون، فمنذ بدايات 2011 وإلى ما قبل مآساة خان شيخون كانت الخطوط الحمراء الأميركية تتكرّر دوما بمناسبة أو من دون مناسبة، من دون أي تنفيذ أو تهديد أو تشكيل خطر حقيقي على التجاوز المستمر، خصوصا وأنّ الطائرات الروسية كانت ولا تزال تشكل الخطر الأكبر على المدنيين والعزل، ولا تزال السيخوي نفسها تحصد أرواح المئات يومياً.
بالأمس، حاول مجلس الأمن حفظِ ماء وجهه، لكن المنشفة الروسية أبت إلا أن تُبقي وجه مجلس الأمن قبيحاً وكاشفاً عورته وحقيقته.
لا يزال التاريخ يُعيد نفسه، فما عاناه الكرد من أعتى الأنظمة العربية، باتت الشعوب العربية هي نفسها تتذوق من الكأس عينها، ومن كان بصمته وتجاهله (الأوروبيون وأميركا سابقاً) نتيجة أوجاع قلوب الكرد وأكبادهم، بات السوريون خصوصاً والعرب عموماً يذرفون الدموع ذاتها.
لا أتوقع أن تنكسر إرادة أهالي خان شيخون، ولا إرادة عموم السوريين، فالمسرح في حلبجة واضح، والإرادة في إقليم كردستان واضحة، بعد حرق مئات الآلاف من الأحياء ودفنهم، لا تزال الإرادة الكردية تتجه نحو مزيدٍ من الدفع باتجاه الاستقلال والحرية من الأنظمة المتشابهة فكرياً وعقائدياً. في خان شيخون، سيتكرّر مشهد المقاومة نفسها، وستنتصر الأنفاس الأخيرة للأطفال قبل وداعهم لهذا العالم السافل.
كما انتعشت حلبجة وأضحت قُبّة الشهداء فيها مربطاً لكل دول الغرب والشرق، ستتحول خان شيخون، هي الأخرى، إلى نقطة فارقة في الحدث السوري.
مقالات أخرى
21 ديسمبر 2014
06 نوفمبر 2014
14 أكتوبر 2014