استباحة الكرد من جديد
كان مجرد التفكير بالرحيل عن قريتي في كوباني/ عين عرب من المستحيلات والممنوعات، ولم تكن سفرتي القصيرة إلى إحدى دول الجوار سوى للتمرس في كيفية التدريب على إغاثة الجرحى والمحتاجين، كانت سبع أيام كفيلة بأن تغير وجه العالم في مخيلتي، خرجت منها وهي تودعني بالأمان والاستقرار، لتستقبلني بركام بيوتها، وجراح أبنائها ونزيف شبابها، دخلت المدينة، أبحث عن شاب، عن امرأة، عن شيخ، أو عن رجل، ووحدها الطيور الجارحة كانت تحوم فوق المدينة، تقتنص جثة حر شهيد لتنهش به.
اليوم ها هي قريتي من جديد تناجي جميع السوريين، أنا أيضاً جزء من سورية هل تعلمون.
ليس في 250 قرية، اليوم، إلا بعض من شبانها الذين عادوا ليموتوا في مساقط رؤوسهم، وعانت القرى، منذ فترة قصيرة، حرباً ضروساً بين طرفين، يدعيان تمثيلهما الشعب والأرض والعرض، فتقسمت المدينة بينهما إلى قسمين، قسم يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وقسم آخر تحت سيطرة قوات الحماية الشعبية، مدعمة بكوكبة من شباب الكرد، وما بين هذا وذاك، القرى هدمت والأهالي هجروا والأطفال تيتموا. لكن، الملفت للانتباه أن مدينة كوباني نفسها كانت غير معروفة قبل الثورة، حتى أصر شبابها الكرد مع بعض من باقي المكونات على وضعها على خارطة الثورة السورية.
بحثت عن بيتي لم أجده، بحثت عن بيت عمي لم أجده، استمريت بالبحث عن بيت صديقي الأخر، فلم أجده أيضا، لم أجد سوى مجموعات ضخمة من الركام والخراب والدمار والمباني المدمرة، إلى درجة أنني لم أعرف أياً منها حجارة منزلي، وأيها حجارة منزل الآخرين. كان الصمت يسود المكان برمته، بسبب القصف بالأسلحة الثقيلة والمتطورة جداً بيد داعش!