عن حماس وإيران

19 ديسمبر 2014

خالد مشعل في طهران قبل الثورة السورية (28 فبراير/2010/أ.ف.ب)

+ الخط -

كما كان متوقعاً، فإن إشادة "أبو عبيدة"، الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد، عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية، حماس، بإيران، في كلمته في العرض العسكري الذي نظمته الحركة في غزة، يوم الأحد (14/12)، في الذكرى السابعة والعشرين لانطلاقتها، لم تمر من دون أن تثير ردود فعل ناقدة. وكان أبو عبيدة قد قال: "شكراً لكل أولئك من أفرادٍ وجماعات ودول، وعلى رأسهم جمهوريةُ إيرانَ الإسلامية، التي لم تبخل علينا بالمال وبالسلاح وبأمور أخرى، وأمدّتنا في المقاومة بالصواريخ التي دكّت حصون الصهاينة في صولات وجولات مضت مع المحتل".

مثار الاعتراضات، هنا، أن إيران، بسياساتها التخريبية في المنطقة، تماهت في العقل العربي الجمعي مع خانة الخصوم، لا الحلفاء. فمن لبنان إلى العراق إلى سورية فاليمن، تجدُّ أصابع العبث الإيرانية حاضرة.

ضمن السياق السابق، لعبت إيران، وما زالت، دوراً سيئاً جداً في بعض الفضاء العربي، خصوصاً بعد أن اختارت أن تقف إلى جانب نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، في حربه الوحشية على شعبه. وها هو الدور الإيراني التخريبي على دول الثورات العربية يصل إلى اليمن، أين تحالف وكيلها "الحوثي"، مع بؤر نظام الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، من أجل وأد الثورة اليمنية وتدمير اليمن، انتقاماً.

إذن، اختارت إيران، وبوضوح، أن تقدم مصالحها الاستراتيجية الضيقة، وحساباتها الطائفية فاقعة اللون، في المنطقة، على حرية الشعوب العربية ومصالحها. وهي، في سبيل ذلك، لم تتردد في التحالف ضمنيّاً، مع أنظمة عربية، تَعُدُّها خصماً لها، في مسعاهم المشترك إلى خنق الثورات العربية، ولا حتى مع الولايات المتحدة نفسها في حربها على "الإرهاب"، كما في العراق وسورية.

أبعد من ذلك، وحسب بعض قيادات حماس، والقريبين منها، فإن إيران قطعت جُلَّ، إن لم يكن كُلَّ، الدعم المالي والعسكري الذي كانت تقدمه للحركة، منذ أن افترقت مواقفهما حول الثورة السورية منذ مارس/آذار 2011. فقيادة حماس، والتي كانت تقيم في دمشق، رسميّاً، منذ مطلع القرن الحالي، وحتى عام 2012، رفضت أن تكون "مُحَلِّلَ زور" لصالح النظام في قمع شعبه، فكان أن اختارت لها، ولكوادرها، مَنَافيَ جديدة فوق المنفى الذي يعيشونه. وأي منصف يدرك أن حماس، بموقفها الرافض تأييد النظام السوري في بطشه، اختارت تجرع السمِّ على خيانة مبادئها. فليس سرّاً أن نظام الأسد قدم لحماس ميزات وتسهيلات، عقداً كاملاً، لم تعرفها من قبل، ولم تعرفها بعد مرحلة دمشق.

إيران، الغاضبة حينئذ، أرادت من حماس أن تسرع إلى نجدة نظام الأسد، والذي كان يصنف مع إيران وحزب الله وحماس ضمن "محور الممانعة". وإن كان دعم إيران وحزب الله لم يـتأخر، فإن دعم حماس التي حاولت، في البداية، التزام الحياد، لم يأت أبداً، وهو ما أفقد الأضلاع الشيعية لـ"محور الممانعة"، العمق السني، ممثلاً بحماس، لتعضيد زعم "المؤامرة القذرة" على "النظام الممانع". ولكن، إذا كان العامل الطائفي حاضراً في حسابات إيران وحزب الله، إلى جانب الحسابات الاستراتيجية والسياسية الأخرى، فإنه غير موجود في حالة حماس. بل إن تورط حماس في حسابات مثل تلك كان سيفقدها عمقها السني، فضلاً عن مصداقيتها في الشارع العربي المؤيد، في غالبه، ثورة الشعب السوري.

بعد خروجها من دمشق، بدا لحماس أنه يمكنها تعويض الدعم الإيراني-السوري. فالمنطقة العربية كانت تعصف بها رياح التغيير، ومصر كانت قد شهدت ثورة، والإخوان المسلمون، حاضنة حماس الفكرية والتنظيمية، كانوا يحققون الانتصارات الانتخابية، وصولاً إلى الفوز بالرئاسة، عبر الرئيس محمد مرسي. أيضا، كذلك كان الحال في تونس، فضلاً عن الدعم والرعاية اللتين تجدهما من قطر وتركيا.

غير أن إجهاض ثوراتٍ عربية كثيرة، واستعادة بنى النظم القديمة زمام الأمور، ضمن تحالف إقليمي ودولي واسعين، وضع حماس أمام معضلة حقيقية، خصوصاً بعد الانقلاب العسكري في مصر، وتعامل نظام الجنرالات معها عدواً، ضمن سياق حربه الأوسع على جماعة الإخوان المسلمين. وزاد من تعقيد الأمور احتضان دول عربية المقاربة المصرية في التعامل مع الإخوان، وحماس منهم، وكان ذلك أوضح ما يكون في أثناء العدوان الإسرائيلي، أخيراً، على قطاع غزة في الصيف الماضي. وهكذا، أضحت حماس، بين ليلة وضحاها، بحلفاء قليلين، فلا هي بقيت ضمن أضلاع "محور الممانعة" الإيراني، ولا هي مقبولة ضمن المحور المصري بعض الخليجي الجديد.

خلال العدوان الصهيوني على غزة، في ديسمبر/كانون أول 2008، يناير/كانون ثاني 2009، قدمت إيران عوناً لا ينكر لحماس، لكنها لم تفعل ذلك في عدوان نوفمبر/تشرين ثاني 2012، ولا عدوان الصيف الماضي، وبقيت العلاقة بين الطرفين فاترة. ولكن، إن كان لحماس حلفاء آخرون كثر في عدوان 2012، فإنه لم يكن لديها حلفاء كثيرون، في العدوان الأخير، وهي، اليوم، تعيش حصاراً خانقاً. في المقابل، تبدو إيران، والتي تفاوض الولايات المتحدة، اليوم، على ملفها النووي، وترسيم دائرة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، بحاجة إلى ورقة حماس بيدها. فحماس هي الفصيل الفلسطيني الأقوى، والأكثر تهديداً لإسرائيل، وإيران تأمل، عبر تفعيل العلاقة معها، بأن يساهم ذلك في تعزيز موقفها التفاوضي مع الولايات المتحدة، وضبط رد الفعل الإسرائيلي قدر الإمكان.

ضمن الإطار التحليلي السابق، تأتي إشادة "أبو عبيدة" بدور إيران في سياق الإزاحات الضرورية في المواقف السياسية، من دون أن يعني ذلك تنازلاً من طرف لآخر عن مواقفه ومبادئه. فلا إيران ستتخلى عن موقفها الداعم للنظام السوري، ولا حماس ستقبل أن تكون لعبة بيد إيران. ما جرى ليس أكثر من التقاء مصالح، في لحظةٍ معينة، وفي ظرف معين.

ما تريده حماس من طهران، هو دعم القضية الفلسطينية ودعم المقاومة، بعيداً عن الاشتراطات السياسية (وهو أمر مشكوك فيه)، وما تريده إيران، هو موقف تفاوضي أقوى في المنطقة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن تحسين صورتها المشوهة في المخيال العربي، وهي، في كل الأحوال، لن تنجح في ذلك. وحماس، في فعلتها هذه، ليست بدعاً في السياسة، فحتى بعض فصائل الثورة السورية وضعت يدها في يد أنظمة عربيةٍ تآمرت على ثورات العرب كلها، وساهمت في انقلاب مصر، كما أنها تحالفت مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهم ليسوا أقل إجراماً في حق الأمة العربية من إيران. وإذا كان أحد لم يلم الإخوة السوريين على ذلك، من زاوية تفهم ظرفهم، فإنه ينبغي للإخوة السوريين أن يتفهموا ظرف غيرهم.

كل ما سبق لا يمنع من القول، إن حماس ستغامر بصورتها ومصداقيتها وعمقها العربي والإسلامي، إن هي تورطت في مدِّ اليد من جديد إلى النظام السوري، قبل أن يحسم السوريون أمرهم حول مستقبل ثورتهم.