عن جدية الانسحاب الأميركي من سورية

22 ديسمبر 2018
يتعارض الانسحاب مع هدف القضاء على "داعش"(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

بدا القرار الأميركي بالانسحاب من سورية وكأنه مفاجئ لكل الأطراف الفاعلة في الموضوع السوري (الداخلية والدولية)، وحتى بالنسبة لجزء من الإدارة الأميركية ذاتها، لكنه من زاوية أخرى يبدو وكأنه استكمال لقرار مؤجل بالانسحاب أعلن عنه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ بضعة أشهر، وتم التريث بتطبيقه بشكل رسمي حتى الآن. كما يبدو منسجماً مع سياسة ترامب "أميركا أولاً". إلا أن هذا التناقض في رؤية القرار الأميركي يطرح سؤالاً كبيراً حول جدية وآلية تطبيقه، وهل هو قرار جدي بالانسحاب النهائي أم انه مجرد نوع من الابتزاز السياسي لبعض دول المنطقة، خصوصاً السعودية؟

فمن ناحية يتعارض هذا القرار مع كل التوجهات الأميركية التي كانت تعمل، طوال الفترة الماضية، على منع التمدد الإيراني في سورية، ويمنح الفرصة لإيران لاستكمال مخطط إنشاء خط طهران ــ بيروت عبر العراق وسورية. ومن ناحية أخرى يتعارض مع الهدف الأول المعلن للولايات المتحدة في سورية، وهو القضاء على تنظيم "داعش"، إذ يمنح تطبيق هذا القرار فرصة للتنظيم لإعادة تشكيل نفسه من جديد. طبعاً هذا عدا عن أنه يشكل انتصاراً للروس على الأميركيين في سورية، ويمنح موسكو الفرصة لتمكين النظام من مناطق الثروة في سورية. وفي المقابل يشكل خذلاناً لفصائل المعارضة التي تدعمها أميركا ومليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي اعتمدت فقط على الدعم والوجود الأميركي ويهدد وجود هذه الفصائل والتنظيمات، ويمنح الفرصة لمناوئيها، سواء قوات النظام، التي تستعد للقضاء على فصائل المعارضة جنوب شرق سورية، والتي يمكنها إنهاءها بشكل كامل في حال الانسحاب الأميركي، أو "المجلس الوطني الكردي" لطرح نفسه كبديل لـ"قسد" سياسياً وعسكرياً.

لكن عملياً يبدو قرار الانسحاب هذه المرة أكثر جدية من المرة السابقة، إلا أن آليات تطبيقه من المرجح ألا تسمح بالوصول إلى كل هذه النتائج، وذلك كون الانسحاب سيكون إلى منطقة قريبة جداً في العراق، وبالتالي يمكن العودة بكل سهولة عندما يتطلب الأمر. فبالنسبة لتنظيم "داعش"، منح القرار مهلة 60 إلى مائة يوم لتطبيقه، وهي المهلة التي قدرتها الإدارة الأميركية للقضاء نهائياً على التنظيم، إضافة إلى وجود الولايات المتحدة ضمن التحالف الدولي الذي لم ينه عملياته بعد. أما بالنسبة إلى "قسد"، التي بالتأكيد ستتراجع مكانتها في المنطقة، فقد تلقت تطمينات من معظم دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، كما لم يعرف بعد ما إذا كان الانسحاب سيترافق مع وقف الدعم الأميركي لها، الأمر الذي يجعل الخاسر الأكبر في هذه العملية هو فصائل المعارضة في جنوب شرق سورية، التي تم إبلاغها رسمياً بالانسحاب الأميركي من منطقة التنف ما يعني تركها لمصيرها أمام النظام وروسيا طبعاً، بالإضافة إلى المهجرين المدنيين في مخيم الركبان، الذين سيدفعون الثمن الأكبر في حال سيطر النظام على المنطقة.
المساهمون