14 ديسمبر 2017
عن تحلل المشروع المصري في ليبيا
نزار كريكش
ماذا يحدث في بنغازي هذه الأيام؟ طيران مكثف، وأرتال تنطلق في المدينة، محاولة اغتيال لوكيل وزير الداخلية فرج إقعيم، على خلفية القبض على أحد المتهمين بجريمة العثور على 36 جثة مقيدة، وعليها آثار تعذيب، في منطقة الأبيار، وقصف في درنة يطاول أطفالا ونساء. استنكر العالم الجريمة، فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ومصر كذلك صرحت عبر مؤسستها العسكرية أنها لا تقف وراء هذا القصف، حتى قوات عملية الكرامة التي تزعم السيطرة على الشرق الليبي، بره وبحره وسماه، قالت إنها لم تقم بهذه العملية التي ضجّ لها المجتمع الليبي؛ وخرجت على إثرها مظاهراتٌ في مصراتة وطرابلس وغريان والزاوية، وبالطبع درنة، حيث خرج المتظاهرون في شوارع درنة يهتفون ضد خليفة حفتر وعبد الفتاح السيسي. .. كيف يمكن قراءة هذه الأحداث، وعلاقتها بالمسارين، الإقليمي والدولي، للأزمة الليبية؟
عندما بدأت عملية الكرامة، تشكلت عبر سردية إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية في ليبيا. بدأ ذلك بانقلابٍ أعلن عنه عبر قناة العربية، وأعلنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر. كان ذلك في 14 فبراير/ شباط 2014؛ وأخذ ذلك الإعلان صبغة قانونية، حيث قام مجلس النواب باعتبار الجنرال حفتر قائداً عاماً للجيش الليبي. وهنا انقسم المشروع السياسي، المتمثل في الإعلان الدستوري الذي صدر بعد ثورة 17 فبراير، والذي مثل رؤية هذه الثورة للمرحلة الانتقالية، وهو الذي عرض على الدول العظمى، وعلى أساسه كان هناك انخراط في الأزمة الليبية من تلك الدول، على الأقل في الإطار النظري والفكري.
قسمت عملية الكرامة ذلك المشروع سياسياً وعسكرياً. وهكذا دخلت البلد في حرب داخلية، خصوصا في مدينة بنغازي، لكن الجنرال حفتر كان يتعامل كأنه رئيس دولة أو رجل قادر على السيطرة على أكثر من مليوني كيلومتر مربع. وقد تعزّز هذا الخيال الذي تكثف في ذهن الرجل بتدفق الأموال والعتاد من دولة الإمارات، وهو الأمر الذي تحدث عنه أكثر من مسؤول في عملية الكرامة، وكالوا المديح لرئيسها على هذا السخاء. ويمكن فهم آليات السيطرة في ثلاثة متسويات: تتعلق الأولى بالسردية أو الذريعة التي من أجلها قامت عملية الكرامة. الثانية
مجموع العلاقات البينية التي أقامها حفتر بين مجموعة من الزعامات المتعطشة للمال والسلطة، وجلّهم ممن كانوا يسمون القيادات الشعبية إبان حكم معمر القذافي. والثالثة هي المؤسسات التي أقامها الجنرال من بقايا الأجهزة الأمنية للنظام السابق؛ بالإضافة إلى استعانته بمجرمين من المناطق وتجار مخدرات، وعاطلين عن العمل، وتشكيل مجموعات مسلحة في المناطق المزدحمة والمتداخلة في بنغازي.
كتب الجنرال حفتر كتاباً في أثناء إقامته في أميركا، بعد هربه من تشاد بطائرة أميركية إلى أوغندا ومنها إلى الولايات المتحدة، عن التغيير الدستوري بالقوة. وطرح فيه منطق القوة وقدرته على تغيير الواقع. لذا فإن كل حسابات حفتر هي حسابات المال والقوة. ولذلك استمر في أثناء حرب بنغازي بتعزيز قواته بالسلاح والمال، ولم يتورع عن القتل في لحظة من اللحظات، بل حاول اغتيال أقرب المقربين من عملية الكرامة، ولا يزال العقيد فرج البرعصي والعريف محمد حجازي والعقيد المهدي البرغثي وعسكريون آخرون يحسبون حسابات دقيقة حين يتنقلون داخل ليبيا أو خارجها. والجديد محاولات اغتيال وكيل وزير الداخلية التابع للمجلس الرئاسي، فرج أقعيم، وهو الذي فضح أمر حفتر مرات، وتحدث عن مليشيات خاصة تقوم بالاغتيال داخل بنغازي.
أغرى هذا الصلف المشير عبد الفتاح السيسي في مصر، بخلفيته العسكرية، للاعتماد على قوة حفتر، وصار الإعلام الدولي يتحدث عن الرجل القوي في ليبيا، لكن هذه القوة أهملت السردية الأساسية التي استطاع من خلالها حفتر تحفيز الناس في بنغازي لمناصرته. لكنه وفي زخم المعركة ترك تلك السردية لمجموعات سلفية انتشرت في ليبيا، وهي المسؤولة عن محاولات اغتيال أقعيم، حسب مقرّبين من وكيل وزارة الداخلية، كما أن المتهم فرج الفاخري هو عضو كتيبة طارق بن زياد التابعة للتيار السلفي. بالطبع، لم ترضِ هذه السردية السلفية التي تصر على أنها بديل عن الإرهاب قبول الناس، فهي متحجّرة صامتة عنيفة، غير قابلة للحياة في مجتمع مثل ليبيا، تربى علي الفقه المقاصدي المالكي، وكذلك على حب الثقافة والحياة، لذا، فإن الذي تبقى لحفتر من آليات السلطة هي المؤسسات التابعة للنظام السابق، ولمجموعة من المنحرفين.
إذا صح هذا الإطار للفهم، نجد أن حفتر عاجز تماماً أمام هذا الواقع، وأن مزيدا من القوة يعني استمرار الفشل، وهذه هي دلالة القصف الوحشي على أطفال درنة، فالمشروع المصري المتمثل في الجنرال حفتر بين خيارين، إما أن يقرّ بفشله في إحلال الأمن، وأن الأجواء الليبية صارت كلأً مباحاً لكل المتدخلين، حين ينكر أنه المسؤول عن قصفة درنة، هو أو القوات المصرية، أو من الجانب الآخر سيكون صعبا عليه الاعتراف بقتل النساء والأطفال، وهذا ما ترفضه القوى الغربية التي تراه جزءاً من الحل. لذا سارعت فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في استنكار الحادثة، وجعلت كل من شارك في الجريمة أو لم يمنعها شريكا فيها، حسب تصريح مشترك من تلك الدول.
تجاوز مشروع مصر في ليبيا، وأيقونته خليفة حفتر، السردية التي قام من خلالها، وتعالى على حلفائه الذين ناصروه، واعتمد على القوة التي تدعمه بها دول، كمصر والإمارات، وبدأ في حالة من التحلل الذاتي. ولذلك، على مصر إما أن تستمر في مسلسل العنف الذي تنشره في الشرق، وبذلك ستخسر مصالحها في ليبيا، وتخسر الشارع الليبي، كما الحاصل الآن، أو أن تتجاوز مشروع الكرامة، وتدخل في معادلة الوفاق، ولكن هذه المرة من دون أن يكون لها الريادة؛ فإن الشرخ الذي أحدثه مشروع الكرامة في العلاقات الليبية المصرية سيستمر فترة طويلة، وهذا ما سيعتمد على قدرة صانع القرار المصري على فهم هذه الأبعاد وقيادة هذا التحلل.
عندما بدأت عملية الكرامة، تشكلت عبر سردية إعادة الاعتبار للمؤسسة العسكرية في ليبيا. بدأ ذلك بانقلابٍ أعلن عنه عبر قناة العربية، وأعلنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر. كان ذلك في 14 فبراير/ شباط 2014؛ وأخذ ذلك الإعلان صبغة قانونية، حيث قام مجلس النواب باعتبار الجنرال حفتر قائداً عاماً للجيش الليبي. وهنا انقسم المشروع السياسي، المتمثل في الإعلان الدستوري الذي صدر بعد ثورة 17 فبراير، والذي مثل رؤية هذه الثورة للمرحلة الانتقالية، وهو الذي عرض على الدول العظمى، وعلى أساسه كان هناك انخراط في الأزمة الليبية من تلك الدول، على الأقل في الإطار النظري والفكري.
قسمت عملية الكرامة ذلك المشروع سياسياً وعسكرياً. وهكذا دخلت البلد في حرب داخلية، خصوصا في مدينة بنغازي، لكن الجنرال حفتر كان يتعامل كأنه رئيس دولة أو رجل قادر على السيطرة على أكثر من مليوني كيلومتر مربع. وقد تعزّز هذا الخيال الذي تكثف في ذهن الرجل بتدفق الأموال والعتاد من دولة الإمارات، وهو الأمر الذي تحدث عنه أكثر من مسؤول في عملية الكرامة، وكالوا المديح لرئيسها على هذا السخاء. ويمكن فهم آليات السيطرة في ثلاثة متسويات: تتعلق الأولى بالسردية أو الذريعة التي من أجلها قامت عملية الكرامة. الثانية
كتب الجنرال حفتر كتاباً في أثناء إقامته في أميركا، بعد هربه من تشاد بطائرة أميركية إلى أوغندا ومنها إلى الولايات المتحدة، عن التغيير الدستوري بالقوة. وطرح فيه منطق القوة وقدرته على تغيير الواقع. لذا فإن كل حسابات حفتر هي حسابات المال والقوة. ولذلك استمر في أثناء حرب بنغازي بتعزيز قواته بالسلاح والمال، ولم يتورع عن القتل في لحظة من اللحظات، بل حاول اغتيال أقرب المقربين من عملية الكرامة، ولا يزال العقيد فرج البرعصي والعريف محمد حجازي والعقيد المهدي البرغثي وعسكريون آخرون يحسبون حسابات دقيقة حين يتنقلون داخل ليبيا أو خارجها. والجديد محاولات اغتيال وكيل وزير الداخلية التابع للمجلس الرئاسي، فرج أقعيم، وهو الذي فضح أمر حفتر مرات، وتحدث عن مليشيات خاصة تقوم بالاغتيال داخل بنغازي.
أغرى هذا الصلف المشير عبد الفتاح السيسي في مصر، بخلفيته العسكرية، للاعتماد على قوة حفتر، وصار الإعلام الدولي يتحدث عن الرجل القوي في ليبيا، لكن هذه القوة أهملت السردية الأساسية التي استطاع من خلالها حفتر تحفيز الناس في بنغازي لمناصرته. لكنه وفي زخم المعركة ترك تلك السردية لمجموعات سلفية انتشرت في ليبيا، وهي المسؤولة عن محاولات اغتيال أقعيم، حسب مقرّبين من وكيل وزارة الداخلية، كما أن المتهم فرج الفاخري هو عضو كتيبة طارق بن زياد التابعة للتيار السلفي. بالطبع، لم ترضِ هذه السردية السلفية التي تصر على أنها بديل عن الإرهاب قبول الناس، فهي متحجّرة صامتة عنيفة، غير قابلة للحياة في مجتمع مثل ليبيا، تربى علي الفقه المقاصدي المالكي، وكذلك على حب الثقافة والحياة، لذا، فإن الذي تبقى لحفتر من آليات السلطة هي المؤسسات التابعة للنظام السابق، ولمجموعة من المنحرفين.
إذا صح هذا الإطار للفهم، نجد أن حفتر عاجز تماماً أمام هذا الواقع، وأن مزيدا من القوة يعني استمرار الفشل، وهذه هي دلالة القصف الوحشي على أطفال درنة، فالمشروع المصري المتمثل في الجنرال حفتر بين خيارين، إما أن يقرّ بفشله في إحلال الأمن، وأن الأجواء الليبية صارت كلأً مباحاً لكل المتدخلين، حين ينكر أنه المسؤول عن قصفة درنة، هو أو القوات المصرية، أو من الجانب الآخر سيكون صعبا عليه الاعتراف بقتل النساء والأطفال، وهذا ما ترفضه القوى الغربية التي تراه جزءاً من الحل. لذا سارعت فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في استنكار الحادثة، وجعلت كل من شارك في الجريمة أو لم يمنعها شريكا فيها، حسب تصريح مشترك من تلك الدول.
تجاوز مشروع مصر في ليبيا، وأيقونته خليفة حفتر، السردية التي قام من خلالها، وتعالى على حلفائه الذين ناصروه، واعتمد على القوة التي تدعمه بها دول، كمصر والإمارات، وبدأ في حالة من التحلل الذاتي. ولذلك، على مصر إما أن تستمر في مسلسل العنف الذي تنشره في الشرق، وبذلك ستخسر مصالحها في ليبيا، وتخسر الشارع الليبي، كما الحاصل الآن، أو أن تتجاوز مشروع الكرامة، وتدخل في معادلة الوفاق، ولكن هذه المرة من دون أن يكون لها الريادة؛ فإن الشرخ الذي أحدثه مشروع الكرامة في العلاقات الليبية المصرية سيستمر فترة طويلة، وهذا ما سيعتمد على قدرة صانع القرار المصري على فهم هذه الأبعاد وقيادة هذا التحلل.
مقالات أخرى
04 أكتوبر 2017
26 سبتمبر 2017
14 سبتمبر 2017