عن بغلة العراق وصيام الحر وكلمة بابا وسفاسف أخرى

28 مايو 2019
+ الخط -
ـ عن ذلك السعي لإثبات قوتك بشكل منضبط وسريع، عن ذلك الحرص على ألا تخذل من يثق فيك، عن ذلك الأمل في أن تظل إلى الأبد مصدراً يعتمد عليه، عن لحظة التوتر التي تعيشها كأب حين تطلب منك ابنتك فتح "برطمان المربى".

ـ منذ أن حكم "السيسي" مصر، لم يعد أحد من شيوخ الأزهر وخطباء الجمعة يتذكر "بغلة العراق" التي كانت حيوانهم المفضل أيام مرسي.

ـ أنا معك في أن شهر رمضان بيجري، لكني أعتقد أنه يمكن أن يجري "أسرع من كده".

ـ من دعاء الصالحين: روح يا شيخ ربنا يفرّحك فرحة التخين بنزول مقاس في اللبس.

ـ لا أفهم المبالغات التي أقرأها لكثير من الصائمين عن صعوبة أدائهم لفريضة الصيام في لهيب الحر، صدقني يا أخي الكريم، الصيام ليس صعبا في الحر، طالما التزمت بالنوم بعد السحور بنصف ساعة، وبالصحيان قبل أذان المغرب بساعة، وقبعت على الدوام في ظلال التكييف، وتمضمضت كل ربع ساعة، أما إذا رأيت أن المضمضمة المتكررة قد لا تريح ضميرك المثقل بالذنوب، فلماذا لا تغير متعتك الملتبسة هذا العام وتجرب الشطّاف؟

ـ إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت، لا تقلق، قضاؤنا شامخ.

ـ قلتها من زمان ولم يصدقني أحد: لو استمرت درجات الحرارة في التصاعد بهذا الشكل المخيف، ستكون علياء المهدي صاحبة الاتجاه الفكري الأكثر شيوعا في المنطقة.

ـ مع دخول موسم انقطاع الكهرباء المتكرر: بدلاً من أن تلعن الظلام، البس الشمعة، فلسعتها وحدها ستنسيك الظلام.

ـ يقدم شهر رمضان لك ثلاثين فرصة أو تسعة وعشرين فرصة حسب الظروف الفلكية لكي تتأكد عقب كل إفطار من أن الإنسان أغبى من أن يتعلم من أخطائه التي ارتكبها بالأمس. ولذلك كان ينبغي أن يضعوا على "ضهر" الكتب الدراسية عبارة أهم من ذلك الهراء المعتاد عن غسيل اليد قبل الأكل وبعده، عبارة تقول "يلعن أبو أم الطفاسة".

ـ بمناسبة تعدد جهات الفتوى، استفتِ جوجل وإن أفتاك الناس وأفتوك.

ـ خاطرة إيمانية: من قال إن الإنسان لا بد أن يرى كل حقائق الحياة بعينيه، هل نسيت أنك لا تستطيع أن ترى إلا بصعوبة شديدة أهم فتحة في جسمك.

ـ يا عزيزي، لا تدع إحساسك برداءة كتابتك يوقفك أبداً عن استمرارك فيها، وتذكر أنه لو كانت الكتابة العبقرية هي التي تغير العالم حقاً، لكانت روسيا البلد التي أنجبت ديستويفسكي وتشيكوف وتولستوي وبوشكين وجوجول قد أصبحت أسعد بلاد العالم على الدوام وأكثرها تقدماً ورخاءً. اكتب ولا تتردد، "ماجتش عليك يعني".

ـ كم هو مؤلم أن تنحصر أمنيات الإنسان لوطنه، في أن يتباطأ إيقاع تدهوره، ويهدأ رتم انحطاطه، حتى لا يضطر بعد أن تجاوز الأربعين من عمره، إلى مكابدة حنينه إلى الماضي القبيح، خوفا من عناء المستقبل الأشد قبحاً.

ـ ليس هناك في الدنيا ما هو أجمل ولا أحلى ولا أروع من كلمة "بابا" لما ما بتبقاش مصحوبة بعبارة "عايزين نشتري".

ـ حين توافق على حق السلطة في منعك من التفاهة التي تستفزك، لن يكون من حقك أن تعترض على حقها في تحديد شكل ونوع الجدية الذي يناسبك.

ـ يحدث في مصر فقط، أن تجد صورة لفتاة بوصفها مخطوفة، ثم تقرأ بعد ساعات تعليقا يقول "الحمد لله طلعت مش مخطوفة، وإنما متصابة في حادثة عربية"، ويرد الناس على ذلك التعليق بإبتهاج حقيقي، لأنهم يعلمون أنه حين تغيب الدولة، يكون قضاء المرض بكل عواقبه المعلومة، أهون من قضاء الخطف بكل عواقبه المجهولة.

ـ لعلك لا تحتاج إشارة إلى مدى قبح الحياة، أكثر وضوحا من المنظر الذي يكون عليه الأطفال فور خروجهم من بطون أمهاتهم، ومع ذلك لا يرى أهلهم ذلك القبح الذي يخرج أطفالهم به إلى الدنيا، ويتبارون في الحديث عن جمال ملامح أطفالهم، ويتنافسون في تقرير ما إذا كان الأطفال طالعين للأب الوسيم أو للأم الحسناء أو للخالة الجذابة أو للعم اللطيف، وبالطبع لا يجرؤ أحد على أن يصارحهم بقبح أطفالهم، على أمل أن تتحسن الأحوال، حين يكبر الأطفال، ويكتسبون مظهرا حسنا، يخفي قبح نفوسهم.

ـ الكراهية ممتعة، لكن ما يجعل ممارستها على الملأ أمرا صعبا على العاقل، أن تبعات إعلان الكراهية وتفشيها بين الناس معذبة ومؤلمة وستجعلك إن عاجلا أو آجلا تلعن كل متعة شعرت بها وأنت تمارسها، إطمئن، لست أحمق لكي أدعوك إلى المحبة في مثل ظروف مهببة كالتي نعيشها، فلا أنا وأنت قادرون على تحمل عناء المحبة وسط كل ما نحمله بالفعل من عناء، لذلك عندي حل وسط أتمنى أن يعجبك: استمتع بالكراهية بينك وبين نفسك، لا تعلنها على الآخرين، فبذلك تنال متعة الشعور بها وتنجو من الكثير من تبعات إعلانها، وذلك أفضل جدا.

ـ دعك من كل النظريات والفلسفات والتنظيرات، في نهاية المطاف، السعادة الحقيقية هي أن ينام الإنسان سريعاً وعميقاً، ثم يستيقظ غير "مأريف" أو "خريان في نفسه.

ـ حين يستفزك رأي مندفع يكتبه صديق لك، لا تبدأ بالرد والتعليق قبل أن تسترجع شريط ذكرياتك معه، ستدرك حينها أن صديقك أتفه من أن تناقشه، وأجمل من أن تخسره.

ـ الوقت المتاح لك في الحياة يكفي لأحد مهمتين، الأولى: تكوين آرائك الخاصة والتعبير عنها، والثانية: إقناع الآخرين بها والجدال معهم حولها، ولأنك تدرك ضيق الوقت المتاح لك، فأنت تقرر أن تختار بين إحدى المهمتين، وفي العادة تفضل أن تشغل وقتك بتكوين آرائك والتعبير عنها، لكن المعضلة أنك لن تستطيع تطوير آرائك الخاصة ولا بلورتها، بدون أن تسعى لإقناع الآخرين بها وتجادلهم حولها، وهي معضلة لم يحلها حتى الأنبياء، لكن ذلك لا يعني أن تحاول.

ـ الطيور التي تفقس في القفص تعتقد خطئاً أنها أفلتت من فرصة حشوها بالفريك.

ـ أن تصل متأخراً مثل ألا تصل أبداً.

ـ أقرأ كثيرا من الأكاذيب التي تُنشر عني، أحبها إلى قلبي الأكاذيب التي تصفني بالثراء الفاحش، لأنني أدرك أنني سأحتاج إليها في محاولتي لتحقيق حلمي في أن أكون "مستوراً والحمد لله".

ـ أنت الآن في عرض المحيط، لا مجال للتوقف عن السباحة أملاً في بر قريب، لا مجال للاستسلام لليأس أو الأمل، لا جدوى من التذاكي بمحاولة مقاومة الدوامات، لأنها ستعبر وستتركك سالماً حين تتحلى بالهدوء وضبط النفس، لو قدرت عليهما، ربما كان عليك أن تعتبرها فترة راحة، لكي تواصل السباحة بعد انتهاء الدوامة بحثاً عن بر مفترض، كلنا نحلم به، ومنا من يصله سالماً غانماً، ومنا من لا يبلغه، وهؤلاء أحسن حالاً ممن لا يجدون الراحة، حتى بعد بلوغهم ما تصوروا أنه بر السلامة. حظاً سعيداً.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.