عن انتفاضة الصرخيين في العراق

03 يوليو 2014

صورة نشرها موقع الصرخي لقوة عسكرية في كربلاء

+ الخط -
حملت لنا الأنباء من العراق، مساء الثلاثاء، أن مجابهات حصلت في كربلاء، وانتشرت إلى بلدات وقرى الديوانية، بعد استهداف آية الله السيد محمود الحسني الصرخي، المرجع الشيعي المخالف لخط المرجعية الشيعية التقليدية في العراق والعالم.
وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف فيها الصرخيون، فقد سبق، واستهدفوا قبل أعوام في منطقة الزرقا، وهم متوجهون لأداء مراسيم زيارة مرقد الإمام علي في النجف والعتبات الأخرى في العراق، ولفّق الماسكون بالسلطة معلوماتٍ أن هؤلاء إرهابيون، يستهدفون الرموز الشيعية في النجف وكربلاء، وأقنعوا الأميركيين بقصتهم الملفقة، فتم ضرب هؤلاء المواطنين الأبرياء، شيباً وشباناً، نساءً ورجالاً وأطفالاً، وأزهقت أرواح المئات، ولفقت القضية أمام القضاء فيما بعد، للانتقام ممن نجا من أنصار التيار الصدري من هذه المذبحة. تم قتل هؤلاء بدم بارد من شيعةٍ مثلهم، من دون استهداف من "نواصب" أو قاعدة، أو صداميين، بل قتل شيعةٌ شيعةً، فقط لأنهم يخالفونهم في التوجه الحوزوي.
لإيضاح هذا الذي حصل، يكون مفيداً إلقاء الضوء على الحركة الصرخية، والتعريف بمحمود الحسني الصرخي الذي يقود هذه الشريحة من الشيعة، وأسباب انتشارها في مناطق معينة من العراق، مع أن الأفضل لشيعة العراق الالتفاف خلف المرجعية الحالية، ووجهها الماسك بالسلطة، المتمثل بالأحزاب السياسية الشيعية الموالية لإيران، والسائرة تحت لواء مرجعية السيستاني في العراق. فالصرخي، إذن، صدريّ التوجه، يدين بولائه لوجهَي الحركة الصدرية، السيد محمد باقر الصدر (الصدر الأول)، وأستاذه السيد محمد محمد صادق الصدر، (الصدر الثاني).
آية الله محمود الحسني الصرخي 

ولد السيد محمود الحسني الصرخي في الكاظمية ببغداد، لأسرة متوسطة الحال، كان والده السيد عبدالرضا محامياً، وبعد إتمام دراسته الثانوية، دخل كلية الهندسة في جامعة بغداد، فتخرج مهندساً مدنياً، لكنه اختار علم الأصول، فانضم إلى حوزة السيد محمد صادق الصدر في الكوفة عام 1994، وعرف عنه إخلاصه للصدريين، واتباعه مدرسة التعمق في الأصول التي كان رائدها السيد محمد باقر الصدر، على الضدّ من مدرسة التبسيط التي كان رائدها المرجع الأعلى في حينه السيد الخوئي.
وبرز من بين تلاميذ مرجعية السيد الصدر قارئاً متعمقاً نابغاً، وألّف، وردّ وفنّد ما كتب عن الصدريين، واتخذ لنفسه بعد الاحتلال موقفاً متميزاً يقف بالضد من تأييد المرجعية، أو سكوتها، على الأقل، على الاحتلال الأميركي للعراق، وما نجم عن ذلك. وكان في فكره الناقد (لسطحية) طروحات المدرسة الأصولية التبسيطية المتمثلة في المرجعية العليا، أن ألّب عليه مناوئيه الذين أصبحوا حكام العراق الآن، واستحوذوا على كل ما تجود به من خير عميم، مانعين الجماهير التي هي صاحبة الحق الطبيعي في ثروة بلدهم.

تميز موقف الصرخي عن المراجع الشيعية الأخرى التي تسكت عن ممارساتٍ، أحدثت شرخاً طولياً في جسم المجتمع العراقي، وهي المتعلقة بسبّ الصحابة، والنيل من أمهات المؤمنين، حيث يقول في محاضرته الرابعة في27 شعبان 1435 هجرية (27 حزيران/ يونيو 2014 ): "أقول للمرجع الفاسق على ماذا استندت بتجويزك سبّ ولع الصحابة والنيل من أمهات المؤمنين". أو بهذا المعنى، ونص المحاضرة منشور على الموقع الرسمي للسيد الصرخي على شبكة "الإنترنت". فضلاً عن ذلك، اتخذ الصرخي موقفاً مناوئاً للعملية السياسية، وشقّها المجتمع على أسس طائفية، وحذّر مما ستؤول إليه الأمور، إذا استمرت ممارسات الحكومة بهذا الشكل تجاه السنة في العراق، وأوصى الحكومة بأن تلبي مطالبهم درءاً لفتنةٍ، لن ينجو منها أحد. ثم تحدّى أنصار الحكومة الذين يتهمون السنة بالاستناد على داعش، مبيناً كيف، إذن، أتحتم لأنفسكم التعاون مع الشيطان "الأكبر"، ومساعدته على احتلال العراق، للتخلص من صدام حسين.

استحكم العداء بين مرجعية النجف التقليدية بقيادة السيستاني ومرجعية محمود الحسني الصرخي، نتيجة مواقفه الجدلية التي لا تجري في مجرى ما تهدف له المرجعية النجفية. ونتيجة ذلك أن قوات من الجيش استهدفته، يومي 30 يونيو/حزيران، و1 يوليو/ تموز، وتم الهجوم عليه، وعلى مسجد الصرخي وحسينيته في كربلاء. ودارت رحى معركةٍ، دافع أنصار الصرخي فيها عن مقر مرجعهم، فسقط نتيجة القتال ضحايا من الطرفين، وأحرقت عربة مصفحة حكومية، ثم هبّت جماهير الصرخي للدفاع عنه، وعن مقرّه، ليس في كربلاء فقط، بل في الديوانية والبصرة، ولا زال الموقف متوتراً ومتفجراً.

سيكون من السابق لأوانه استنتاج أن هذه الانتفاضة الصرخيّة ستنتشر في الجنوب الشيعي، حيث سينضم الجنوب للوسط والشمال في انتفاضة شاملة، تضع حداً لحكم الأحزاب السياسية الشيعية، المتحكمة بالسلطة في بغداد، من ناحية تمسّكها بموقع رئيس الوزراء الذي هو الشاه، أو القيصر الحاكم في العراق، المفتت طائفياً وإثنياً. لكن، الأكيد أن هذ الانتفاضة ستضيف إلى مشكلات هذه الأحزاب بعداً جديداً وعميقاً. التفّ الشيعة حول هذه الحكومة، بسبب أن الشيعة يحكمون، وأن الدفاع عن الحكم سيمنع الآخرين من اغتصاب الحكم منهم، والعودة إلى أيام (المظلومية)، فهنا هم بإزاء مظلومية أخرى للشيعة، حيث يقتل شيعةٌ بأسلحة شيعة مثلهم، وبإرادة وقرار من هؤلاء.
قد تتمكن الحكومة ومؤيدوها من قمع انتفاضة الصرخيين، لكن، كما قيل، هنالك عراق جديد يولد نتيجة ما جرى في 10 يونيو/حزيران 2014، وتداعياته وهذه الانتفاضة واحدة من هذه التداعيات. لننتظر ونرَ.

08A6C6A7-5596-4EDC-ACA9-A8FCF4C66DBF
عبد الوهاب القصاب

خبير عسكري، وكاتب وباحث، ضابط سابق برتبة لواء في الجيش العراقي