عن اليمن المخطوف

11 فبراير 2015
أدى المسار السياسي بعد 2011 إلى إعطاب الثورة (Getty)
+ الخط -

حين اندفع الشباب اليمني، قبل أربعة أعوام، إلى شوارع المدن المختلفة في انتفاضة مشهودة ضد نظام بدا أنه قدر لا فكاك منه على الشعب، لم يكن أحد منهم يُفكر في المآل الذي سينتهي إليه مصير "ثورتهم" الآن، حيث إن اليمن واليمنيين، دولة وشعباً، عرضة للتمزق والتفكك والصراعات كما هو الحال الآن. وبعد أن قامت ثورة فبراير/شباط في لحظاتها الأولى بترميم التصدعات في الهوية الوطنية، وخلقت حماسة عابرة للشروخ التي استحدثها صالح شمالاً وجنوباً، وشكلت فرصة لصياغة مستقبل أفضل، يبدو أن الوضع الآن نقيض لكل ما أُريد لليمن حينها!

يعود الشباب الآن إلى الشوارع في عدد من مدن اليمن، ولكن بمطالب أخرى لا تتعلق باستكمال الثورة، بل بتحرير عاصمة اليمن من مليشيات تستبيحها! انخفض السقف المطلبي، ولكن الباعث لا يغادر الدوافع الوطنية ذاتها، وهي إنقاذ المصير اليمني من مقدمات موحشة، رتبها الآن عنف الحوثيين وتقويضهم للدولة!

إن المآل الذي ينتهي إليه اليمن الآن، بما هو وحدة جغرافية وهوية وطنية تجمع اليمنيين، يضع أسئلة قاسية بخصوص مسؤولية ثورة 2011 عن مصير الكيان اليمني الذي أصبح عرضة لإعادة النظر ضمن تعريفات جهوية وطائفية استحدثت خطوط تماس خطيرة بين المكونات الأهلية.

هكذا تحميل للمسؤولية على ثورة 2011 من أطراف نظام صالح، ومن اليمنيين العاديين أيضاً، يسطح النظر للأمر، ويغفل عن المحركات والعوامل المختلفة التي أدت باليمن إلى هكذا وضع، حيث إن ارتدادات الثورة، وإن أضعفت الدولة بما هي سلطة ضامنة للاستقرار بسبب التجاذبات السياسية التي أعقبتها، إلا أنها ليست مسؤولة عن كونها كشفت الغطاء عن حجم الدمار الذي ألحقته دولة الاستبداد في اليمن على المستوى السياسي والاجتماعي، وكيف "خرّبت" علاقة اليمنيين ببعضهم، ليستكمل الأداء الانتهازي للقوى السياسية اليمنية، وعلى رأسها أحزاب المشترك التي انتحلت تمثيل الثورة، هذا التقويض لدولة اليمنيين، وتهشيم فرص نقل اليمن إلى المستقبل التي أتاح حراك 2011 التطلع إليها.

ما بين فبراير/شباط 2011 وفبراير/شباط 2015، كانت سنوات فاصلة تم فيها استيعاب فائض السياسة الذي أحدثه التحاق الشباب وفئات واسعة من المجتمع في المجال العام، وتم تصريف طاقة حضورهم التي كانت تقلق التوافقات السياسية التقليدية عبر تحفيز عوامل الانقسام الكامنة في المجتمع، وذلك بوضع مصير الدولة اليمنية محل النقاش! وليس الحكم خارج القانون وكل الاختلالات والفساد الذي كان سبباً في الانتفاضة على السلطة فيها، علاوة على ممارسة "إفساد" منظم للنخب والمثقفين بصفقات شراء ضخمة للضمائر، إن صح التعبير، عبر الإغراءات بالوظيفة العامة والانتفاع المالي وغير ذلك.

لقد أدى المسار السياسي ما بعد 2011 إلى إعطاب هذه الثورة، وحرف النتائج المتوخاة منها. وتتسع الآن دائرة المخاطر التي تهدد مسار المستقبل السياسي في اليمن الذي يتم جره قسراً إلى عنف متعاظم، ومع التطورات الانقلابية الأخيرة بسبب السلوك المسلح للجماعة الحوثية، والتي أغلقت الباب أخيراً أمام الخيارات السياسية بمواقفها الراديكالية التي لا تغذي سوى فرص تصاعد العنف والاقتتال. وفي المقابل، لا تبدو الأطراف الأخرى أكثر رشاداً ومسؤولية بالمعنى السياسي والوطني، ولا تتصرف بما يحول دون هدم المعبد على الجميع! وفي بيئة عامة تفتقد إلى مشروع وطني جامع ويُرجح فيها الفساد والصفقات السيئة تصعد الطائفية والمناطقية بسرعة كمنصة لإطلاق الحرب الأهلية.

(اليمن)

المساهمون