شئنا أم أبينا، فإن تغيراً يطرأ منذ أعوام في أوروبا. بات من الصعب ألّا يلحظ المرء غياب فوارق بين نخب اليسار ويمين الوسط في قضايا عدة، ليس فقط فيما يخص الهجرة واللاجئين.
على مستوى السياسات الداخلية، يتذمر الناخبون الأوروبيون من تشابه برامج الأحزاب ووعودها، سواء أكانت حاكمة أم معارضة. في حين يراهن البعض على تحول فضيحة "أوراق بنما" إلى ربيع غربي بوجه الرأسمالية المتوحشة.
التحول الذي شهدته أوروبا منذ عام 2014، وتعزز في 2015 مع تدفق المزيد من المهاجرين واللاجئين، تكشف عنه انتقادات أوروبية خالصة بأنه "غياب للمسحة الإنسانية" عن وجه القارة.
جدران وسياج شائك بات يحيط بقلعة أوروبا التي يتسابق فيها يمين متشدد مع يمين وسط ليبرالي، وينجر إليها معظم الاجتماعيين الديمقراطيين. بالإضافة إلى أن أجنحة يسارية باتت تعتبر أن زيادة الشعبية والبرلمانية السياسية أهم بكثير مما كانت تبشر به قبل عقدين على الأقل.
لا يمكن لمراقب لسياسات بلد إسكندنافي كالسويد، أن يأمل خيراً مع وصول اليسار ويسار الوسط إلى الحكم في 2014، خاصة مع التغيير الذي يتبنى تشدداً تغيب عنه المسحة الإنسانية. ويستعاض عن ذلك بلغة سياسية جافة وقاسية تنعكس على الجمهور بتضخيم سلبيات لا علاقة لأكثرية اللاجئين بها.
صار قبول الجمهور الأوروبي لمصطلحات لم يكن ليقبلها سابقاً شبه اعتيادي مثل:" تشديد القوانين للحد من تدفق اللاجئين"، وهو أقل المصطلحات استخداماً للنكوص بالتزامات دولية، يبدو أن فئة معينة غير مشمولة بها.
في المقابل، ثمة تغير آخر مسكوت عنه بقصد أو بغير قصد، يتمثل في انتشار ما يمكن تسميته "غربفوبيا". ويغيب عن بال الكثيرين أن المهاجرين باتوا وسط ثقافة مجتمعات أخرى، لا يتحملون مسؤولية اقتلاعهم من جذورهم. كما تغيب عن هؤلاء أبسط عمليات التوازن والانسجام، فيأخذ تقوقعهم أحياناً طابعاً "قروياً ومخيمياً وقبلياً ومذهبياً" في تكتلات تزيد في الغربة اغترابا.
هذه الممارسة تحمل نكوصاً مؤسساتياً وفردياً تخص عرب المهجر، فيصبحون مادة للسياسة وليسوا جزءاً منها.
يفضح اليمين الغربي، مع الانقياد السابق ليسار الوسط، عمق أزمة الهوية نفسها في الغرب. فيستشهد هؤلاء بمن يحملون فكر "غربفوبيا" كدلالة على استحالة تلاقي الثقافات والحضارات.
ويصدق بعض المسلمين في الغرب بأنهم حقاً يقومون بعملية أسلمة لأوروبا، انطلاقاً من منعزلات على أطراف المدن، يعتاش عليها يمين قومي متطرف هش.
في حادثة استقالة وزير سويدي من أصل مهاجر ومسلم، لأنه عبر عن رأيه في تشبيه ممارسات الاحتلال بالنازية، ينكشف التغير الذي تشهده أوروبا. فتصبح الرسائل: ما يصلح لنا لا يصلح لكم.
كثيرة هي القضايا التي أسقطتها عملية ترجمة النظريات عن حرية التعبير والديمقراطية وقيم احترام حقوق الإنسان بفعل الكثير من الشطط الذي يقع ضحيته ساسة مرعوبون من لوبيات الاحتلال. يخسر هؤلاء مرة أخرى مئات آلاف المواطنين لنيل رضا وعطف تلك اللوبيات. لكن سؤالاً جوهرياً يظل كما هو منذ عقود: لماذا لا يكون لعرب المهجر، في أوروبا تحديداً، لوبياتهم الجماعية وليست الفردية؟