عن العبودية

07 مايو 2016
+ الخط -
أحياناً، بعد قراءة موضوع عن نضال مارتن لوثر كينغ من أجل المساواة في الحقوق، أو عن عودة الممارسات القديمة للعبودية والاسترقاق في بعض الأماكن، أبدأ في التفكير حول العبودية ومعاناتها وممارستها. وبالتأكيد، يقود التفكير حول العبودية إلى تفكير آخر حول كلمة الحرية ومعانيها وممارساتها وأمثلتها وتطبيقاتها، وذلك بالتأكيد يقود نحو عدة أسئلةٍ، مثل هل العبودية نقيض الحرية؟ وهل الحرية عكس العبودية، وهل هناك حرية كاملة؟
منذ بداية التاريخ حتى عقود قريبة، كانت العبودية مقننة ومشروعة، وكلمة مشروعة، هنا، تعني المشروعية القانونية، وأيضا الأخلاقية والمجتمعية، فالمجتمعات كانت تقبل وجود سادة وعبيد، وكانت هناك قواعد، ثم قوانين، تنظم مسألة امتلاك العبيد أو بيعهم. وحتى بدايات القرن العشرين، أيضاً، كان هناك سادة أو عبيد، يتبع ملكيتهم لآخرين، لمجرد أن هذا ولد حرّاً أو هذا ولد عبداً. وكان هناك من ليست له أية حقوق، لمجرد أنه ولد عبداً. وإلى حد ما، حثت الأديان على "تقليل" أو تخفيف العبودية وآثارها، فالرق والاستعباد أفعال مذمومة، ولكن غير محرّمة أو مجرّمة، ولم يتم إلغاؤها أو تجريمها بشكل قاطع، إلا في العصور الحديثة، وبعد الحداثة وقيم الحرية والمساواة .
وقد نادى الإسلام بأن تكون العبادة لله، وأن يكون الإنسان عبد الخالق فقط، وأن تكون العبودية لرب العباد، بدلاً من أن تكون عبودية العباد للعباد. ولذلك، كان هناك حث وتشجيع على تحرير الرقاب، وكان الاسترقاق مكروهاً في الإسلام، والكل سواسية أمام الخالق، وكان هناك تحفيز على عتق الرقاب. ولكن أيضاً كان الرق معترفاً به، ولم يتم إلغاؤه بشكل كامل، ولكن التحفيز على عتق الرقاب نوع من الإلغاء التدريجي للعبودية. وحتى اليوم، هناك أديان لا تزال تقوم على فكرة التمييز بين البشر، سادة وعبيداً، والهندوسية أحد الأمثلة الحديثة على ذلك، فعلى الرغم من التقدم والحداثة، إلا أن هناك تقسيما للبشر، كطائفة أعلى وأخرى أدنى .
ولا يُغفل أنه، أيضاً، حتى اليوم توجد في العالم كله تجارة غير مشروعة للبشر وللرقيق الأبيض. وهناك عصابات دولية تخطف النساء والأطفال، لتشغيلهم في الأعمال والأنشطة غير المشروعة، فالمناطق التي تعاني من الحروب والتهجير، وكذلك البلدان والمناطق التي تعاني من الفقر الشديد، يتم استغلال أبنائها رقيقاً أبيض أو عبيداً للعمل في أماكن بعيدة في العالم، في أنشطة غير شرعية وغير مشروعة، مثل الدعارة أو التنقيب عن الثروات بشكل غير قانوني أو في مليشيات المرتزقة في بعض الأماكن. وهناك من يتم تقطيعهم وبيعهم أعضاء وقطع غيار بشرية، وربما يتم استغلالهم عبيداً للعمل في صناعات غير مشروعة. وهناك عشرات التقارير والموضوعات الصحافية والأبحاث عن حوادث مماثلة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا وأماكن النزاعات المسلحة، وهناك تقارير عن استغلال أزمات اللاجئين السوريين وانتشار عصابات التجارة في البشر.
ما زلت أتذكّر المعركة، التي أثارها السلفيون وحزب النور، في مصر، في تأسيسية الدستور
عام 2012، عندما رفضوا وجود مواد في الدستور، تجرّم تجارة بشر، بحجة أنه لا توجد تجارة للبشر في مصر، وأن تزويج القاصرات وبيعهن للأثرياء الخليجيين لا يعتبر تجارة في البشر وغير مجرم ولا محرّماً. وهناك قطاعات أخرى في مصر، غير السلفيين، لا يعترفون بوجود بعض أنواع تجارة البشر، أو عبورها على مصر، على الرغم من وجود عشرات التقارير الدولية عن وجود عصابات لبيع البشر وبيع الأعضاء البشرية في سيناء، وتعمل باتفاق مع عصابات تهريب الأفارقة إلى إسرائيل، منذ أكثر من 30 عاماً، وهناك شهادات عديدة لمن نجوا من البيع رقيقاً أبيض، أو قطعاً، بعد أن هربوا من الخطف الذي تعرّضوا له في سيناء، في أثناء رحلة الهجرة من إثيوبيا، أو جنوب السودان، إلى إسرائيل .
وأعود، مرة أخرى، إلى الإطار العام والتاريخي لفكرة العبودية، فهناك أيضاً تقارير دولية وصحافية عن استمرار الاسترقاق، بشكلٍ قد يكون معتاداً في دولٍ مثل موريتانيا، وبعض دول شرق آسيا، حيث يبيع الأهالي أطفالهم لعصابات الرقيق، الذين يستغلون الأطفال أسوأ استغلال .
ولعلنا نذكر، أيضاً، أنه اعترافاً بنظام الاسترقاق والعبودية كان في مصر والمنطقة، حتى أقل من مائة عام مضت، وكان من الطبيعي أن يكون لدى الأسر الثرية في مصر بعض الخدم والعبيد والجواري من السودان والحبشة، وكذلك كان لدى الأعيان وكبار رجال الدولة، والخديوي بالطبع، محظيات وملك يمين عديدات. ومع انتشار قيم الحداثة وبداية الفترة الليبرالية في مصر منذ نهاية القرن الـ 19، بدأت هذه الظواهر في الانحسار في مصر والمنطقة بشكل تدريجي. ومنذ قديم الأزل، كانت الحروب المصدر الرئيسي للاستعباد، فالأسرى يتحوّلون إلى عبيد وإماء وجوارٍ. وهكذا يتم توريث العبودية، كما يتم توريث الحرية. وهناك بعض كتب التاريخ التي تتحدّث عن نشاط تجارة الرقيق في أفريقيا، وجلبهم أطفالاً ونساء من السودان والحبشة، بعد هزيمة الثورة المهدية على يد الجيش المصري، لكن هذه الممارسات اندثرت مع الوقت، مع انتشار قيم الحداثة، ومع بدء ظهور الدول القومية .
ولكن، عادت هذه المنظومة على يد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فالأسرى من الأكراد والأزيديات والمسيحيين يباعون في أسواق هذه "الدولة" عبيداً، ويتم توزيع النساء الأسيرات هدايا على القادة والمقاتلين الدواعش. ولكن، هل منطقتنا وتاريخنا وتراثنا هو فقط الذي كانت فيه عبودية واسترقاق؟ بالتأكيد، هذا الكلام غير صحيح، فكما ذكرت، في البداية، هناك عصابات أوروبية وآسيوية، لخطف البشر وبيعهم عبيداً حتى اليوم. وفي التاريخ الأميركي القريب، لم تتحقق المساواة في الحقوق السياسية إلا منذ 70 عاماً تقريباً، بعد نجاح حركة الحقوق المدنية والمقاومة السلمية للتمييز العنصري. وقبل ذلك، لم يكن للسود حق التصويت في الانتخابات، وقبل ذلك، وفي القرن الـ 19، كان هناك صراع كبير بين الولايات الشمالية التي كانت أكثر ليبرالية، وألغت نظام الاسترقاق أمام الولايات الجنوبية التي كان يغلب عليها الطابع المحافظ "ولا تزال"، والتي لم تعترف بإلغاء نظام الرقيق، إلا بعد سنوات عديدة من الاستقلال وإنشاء الولايات المتحدة الأميركية، وقد استمر نظام الاستعباد "المقنن" في الولايات الجنوبية، إلا في بدايات القرن العشرين، وكانت هناك عصابات تخطف الزنوج الأحرار من الولايات الشمالية، أو الزنوج الهاربين من الاستعباد، ليتم بيعهم، مرة أخرى، في الولايات الجنوبية.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017