عن السعادة... نبحث

05 ديسمبر 2016
+ الخط -

 

"صباح الورد" "صباح الجمال"..."يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم" نداءات تمزج كل صباح بصوت الطبلاوي، المنشاوي، عبد الباسط وشيء من خواطر الشعراوي، ثم الحصة اليومية لـ محمد قنديل "يا حلو صبح يا حلو طل يا حلو صبح نهارنا فل".


الفقرة السابقة كلها مليئة بسعادة الذكريات، وحيوية صباحات مصر. "سعادة الذكريات" تطاردنا في منامنا في أحلامنا وأحاديثنا، نشقى بحثا عنها لاسترجاعها، أو لتأمين بقائها، فنفقد سعادة اللحظة الآنية. فانتبه لا تنسَ لحظتك الآنية بحلوها ومرها، ستكون ذكرى، فاجعلها سعيدة. 



صباحك رضا

سعادة "القليل" الذي حرص والدي -75 عامًا- أن يكون حلالا، غير أن "قليله" الحلال نجده الآن "كثيرا" و "كثيرا جدا جدا". فانتبه لا تهتم بكم تملك بقدر اهتمامك ببركته، الرضا والصحة والأسرة، والوطن، وقدرتك على السير، وابتسامتك وطمأنينتك كلها أرزاق لا يشتريها المال... فهل تبيعني شيئا مما ذكرت وتحصد المال؟


سعادة أن يرزقك الله بمفتاح من مفاتيح البهجة اليومية، كأن تلتقي من يبتسم في وجهك، أو بفنجان من القهوة يمتزج فيها جودة المذاق وجمال روح من يقدمها، أن تستيقظ وتجد في نفسك حبا للحياة. فترى الفرحة في أعين من تحب، هي أكثر بهجة من انتظار من يرسمها على قلبك، فقط نقِّ روحك وابحث عن الفرحة في قلوب الناس تسعد.. حدثني عن شعورك وأنت تفاجئ عاملا بهدية غير متوقعة؟


أحدثكم عن السعادة، كانت بين يدي أمي وهي مريضة ليلة امتحان، فلا أدري كيف أصف مرارة التفات العين عنها لمراجعة بعض الأسطر، بينما تمنحني أنفاسها دعوات يمتد أثرها سنوات وسنوات، أنا الآن أشعر بسعادة تلك الدعوات.


وخبز جدتي "العيش الشمسي"، مذ لحظات صنعه الأولى وسعادتنا برؤيته يتخمر تحت شمس الصعيد الحارقة، ثم إحماء الفرن الطيني الصنع ببقايا أعواد الشجر والورق، ولحظات انتظار نضج الرغيف الساخن وتذوق السكر المذاب بين طبقاته، كلها سعادة.


دعوات أمي، ورؤية الخبز في يد جدتي، وطعم السكر في الرغيف الساخن، يخبرني أن السعادة وإن تعددت مصادرها فستنتهي إلى القلب.


سعادة القلب لا يمحوها الموت ولا تخفيها القضبان، فابتسامة عبد الجواد، شهيد مذبحة رابعة العدوية، ستظل كما هي وكأنه لم يغادرنا، وضحكة العادلي المحكوم بالمؤبد، قد يغتال سجن العقرب بعضها، غير أنه لا يملك انتزاعها من قلوبنا، وسيظل البربري، المحكوم بالإعدام، رغم "البدلة الحمراء"، يحمل تاريخا من السعادة لا نملك أن نوفيه حق ما أسعدنا، وهو محاط بقضبان الانقلاب.


نحن لا ندري أي شقاء كانت تخفيه بهجة هؤلاء وغيرهم، ولكننا نوقن أن بدايات السعادة ليست تلك الضحكة العالية من القلب، أو الابتسامة المطمئنة تتجاوز عتمة الزنزانة، أو تلك الرقصة المجنونة تحت زخات المطر، وإنما هي نتاج جهد من الرضا والصفاء والصبر. فكلنا نخفي بدايات من الشقاء قد تكون ألمًا أو فقدًا أو ابتلاء يُراد لنا به أن نضع أقدامنا على طريق لم نختره وكل السعادة فيه. أو أن تختم نهاياتنا بشيء من الشقاء، غير أن تسلحنا بالرضا يجعلنا نرحل في هدوء.


نحن نداوي جراحنا بالصبر، ونبلغ آمالنا بالتفاؤل، ونبتسم صمودا، وننتظر سعادة الرحيل، وجمال اللقاء، وذكريات مليئة بالبهجة لا تنتهي.


نحن نتمسك بالبقاء، بقاء لا يرتبط بجسد أو بمكان أو بزمان، بقاء لا تحده حدود، وإنما يسري كروح في قلوب من نلقى ونحب..  بقاء كما السعادة لا ينتهي.

دلالات
9DC91F88-1742-4645-8BFA-C3E9121DF94E
السيد خضري
صحافي مصري. من فريق "العربي الجديد"، قسم المجتمع.

مدونات أخرى