عن الدولة كقاتل مأجور

02 ابريل 2015
+ الخط -

قد يبدو تجديد الحديث الآن عن ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام، ورفضها رفضاً مطلقاً وسط الأجواء المشحونة بهيستيريا الانتقام مستهجناً، ويوفر مناخاً مناسباً للمزايدات باسم الثورة والوطن والدين للبعض، ويراه البعض الآخر نوعاً من أنواع الرفاهية الزائدة وقضية خاسرة، لأن من تطبق بحقهم العقوبة هم القتلة والإرهابيون وعتاة الإجرام، وهو ما يظهرنا في مظهر المدافعين عنهم، وتعلو الأصوات المتسائلة عن حقوق الضحايا ومنادية بالقصاص والانتقام، لكن من قال إن عقوبة الإعدام تطبق على هؤلاء فقط؟ ومن قال إن حقوق الضحايا تأتي على حساب العدالة وحقوق الإنسان؟

دعني أخبرك، إذا كان تأييدك للإعدام نابعاً من فكرة القصاص بمفهومه الديني المقتصر على جرائم القتل، فإن القوانين المصرية فيها ما يزيد على التسعين جريمة موجبة لعقوبة الإعدام، كثير منها يصنف كجرائم سياسية، مثل التخابر والإرهاب، وأبرزها على الإطلاق التخطيط لقلب نظام الحكم.

كنت أود أن يكون كلامي عن رفض عقوبة الإعدام من منطلق إنساني بحت، كما أؤمن وأعتقد، وأن أسهب في الحديث عن تلك العقوبة اللاإنسانية التي تلعب فيها بعض الدول دور القاتل بالأجر، كنت أود أن أحكي لك عن عذاب المحكومين في انتظار الموت، ستفاجأ بأن المجرمين أيضاً بشر يحسون، لكني سأدعوك إلى قراءة المقصلة لألبير كامو، بالطبع هو أكثر قدرة مني على الإقناع، فهو ليس من ديني ولا من دينك.

هذا بافتراض أننا نعيش في بلد جذوره ضاربة وممتدة في الديمقراطية الشفافة، بلد فيه العدالة عمياء ولا ترتدي نظارات الشمس مثل السويد على سبيل المثال. لكن بما أننا نعيش في بلد من بلدان العالم الثالث، يحكم فيها القاضي بالإعدام على أكثر من ستمائة إنسان في جلسة واحدة، وفي نفس واحد، سأكون أكثر واقعية وأطلب فقط ألا يعدم أبرياء، سأنطلق من المبدأ أو القاعدة التي تقول أن يهرب مائة مجرم من العدالة خير من أن يدان بريء واحد، لأن عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة التي إذا نفذت فلن يكون من الممكن التراجع عنها، أو تعويض المحكوم بها، في حال ظهور أدلة لم تكن ظاهرة، فمن يملك أن يعيد الحياة إلى أصحابها؟

عقوبة الإعدام جريمة ترتكب ضد أبسط وأعظم الحقوق الإنسانية، وهو الحق في الحياة، لا مجال للحديث عن تطبيقها في بلد يحكم فيه بالإعدام على الأموات! في بلد يعتمد التعذيب كمصدر رئيسي لانتزاع اعترافات المتهمين وتلفيق التهم، ولا يوفر لهم محاكمات عادلة ويميز بينهم بحسب نفوذهم.

لا مجال لتطبيق عقوبة الإعدام في بلد تغيب عنه الديمقراطية، وليس فيه مجلس تشريع منتخب، وتتركز جميع السلطات فيه بيد الرئيس، وتتغول فيه السلطات الأمنية على القضائية حتى لا تستخدم في حسم صراعات سياسية قد يتصالح أطرافها لاحقاً أو تصبح سيفاً مسلطاً على رؤوس المعارضين للسلطة أو حتى للتخويف والعمل من المجرمين عبرة!

لا يجب أبداً، ولا يصح أن يكون الدافع من وراء العقوبة، أي عقوبة، هو الانتقام، فلسفة العقاب يجب ألا تكون قائمة على مواجهة الجريمة بجريمة مثلها، نقتل القاتل ونغتصب المغتصب ونسب الشاتم! بل يكون الهدف منها هو "التأديب والتهذيب والإصلاح". لا تبنى الدول وتستقر المجتمعات بتغذية روح الانتقام والإعلاء منها ونبذ قيم التسامح والحط منها ، تبنى الدول بالعدل وتستقر المجتمعات بالحفاظ على حقوق الإنسان.

أخيراً، إذا لم يكن بمقدورنا أن نلغي عقوبة الإعدام نهائياً في أوقات السلم والحرب، فلا أقل من تجميدها، ووقف العمل بها حتى يتوقف آخر قاض عن ارتداء نظارة الشمس، حتى يتوقف ضباط الشرطة عن العمل كقضاة، حتى يتوقف هذا الجنون.


(مصر)

المساهمون