04 أكتوبر 2024
عن التوسّع في تقييد الحريات في مصر
ربما تعجب بعضهم في مصر من تطبيق عقوبة المراقبة والحبس المسائي في قسم الشرطة يوميا، فقد كان هناك اعتقاد عند النطق بالحكم في قضايا التظاهر أنها مجرد صياغة روتينية، ولكن اتضح، مع الوقت، أنه توجُّه عام للسلطة، بغرض زيادة الأحكام والرقابة، وأحيانا للانتقام والتكدير والإذلال، وأحيانا بعرض الابتزاز، وأحيانا كل ما سبق.
بخلاف الحالات المحدودة المعروفة، لتطبيق عقوبة المراقبة على خلفية قانون التظاهر، وهي العقوبة التي تجبر المفرج عنه بقضاء نصف يومه في زنزانة، أو حجز طوال الليل في قسم الشرطة فترة مساوية لفترة السجن التي تم قضاؤها على خلفية قانون التظاهر والتجمهر، وهي العقوبة التي أقوم بقضائها يوميا منذ 14 شهرا، هناك أيضا مئات الحالات، وربما آلاف في بعض التقارير الحقوقية، التي تقضي ما يطلق عليها "إجراءات احترازية" أو "تدابير أمنية" بعد قضاء فترة من الحبس الاحتياطي، وهم من يتم إلزامهم بقضاء ساعتين أو ثلاث كل أسبوع في قسم الشرطة كنوع من أنواع المتابعة وتقييد الحركة.
ويعود تاريخ قوانين المراقبة والإجراءات الاحترازية إلى القرن الثامن عشر وبداية التأثر
بالقوانين الفرنسية، ونقلها تدريجيا إلى المصرية، حيث كان هناك مرسوم في عهد محمد علي لمراقبة (الفلاتية) أو من يغلب على حياتهم الانفلات الأخلاقي وحياة الليل، ويهددون حياة البشر وأمنهم عن طريق العربدة والبلطجة، ثم تطورت التشريعات والمراسيم الخاصة بالمراقبة في القرن التاسع عشر، لتشمل اللصوص وقطاع الطرق والأشقياء الذين يمارسون نشاطهم الإجرامي ليلا، ثم تمت إضافة أنشطة البغاء إلى تشريعات المراقبة في بدايات القرن العشرين، عندما بدأ تجريم أنشطة البغاء في مصر، إلى أن صدر القانون رقم 99 لسنة 1945 الخاص بتنظيم عقوبة المراقبة، وهو القانون الذي لا يزال ساريا.
وتنقسم فلسفة القوانين الخاصة بالمراقبة والتدابير الاحترازية في مصر إلى أكثر من نظرية، فهناك نظرية تعتبر تلك القوانين بمثابة عقوبة تكميلية لكل من قضى فترة من السجن في جرائم، مثل السرقة بالإكراه والبلطجة وتهديد حياة الآخرين، أو جرائم مثل النصب والتزوير، أو جرائم البغاء، والدعارة والتحريض على الرذيلة، وهناك من كان يعتبر أن فترة المراقبة بعد السجن انتقالية، تسمح لمن ارتكب جرما وأنهى فترة حبسه أن يندمج في المجتمع مرة أخرى بشكل متدرّج، وأن يتم منحه فرصة مرة أخرى للعيش بطريقة شريفة وسليمة، وكذلك تشجيعه على الالتزام بالقانون.
وهناك اتجاه ثالث يعتبر المراقبة بمثابة قيود وإجراءات احترازية لمراقبة من يوضع محل شك أو اشتباه في إمكانية العودة إلى الجرائم التي ارتكبها من قبل، وهو ما يجعل ممكنا استبدال التدابير الاحترازية بالحبس الاحتياطي، ولكن بشكل عام يغلب على السلطة التنفيذية في مصر الاتجاه الأول؛ وهو اعتبار المراقبة من أنواع العقوبات التكميلية التي تطبق بشكل روتيني وتعسفي، ما يؤدي إلى إفراغها من مضمونها.
وعلى الرغم من أن قانون المراقبة وسائر القوانين المقيدة للحرية وضعت، في الأساس، لمقاومة ومكافحة وتقليل نوعية معينة من الجرائم، مثل جرائم العنف والبلطجة والسرقة بالإكراه والنصب والتزوير والبغاء، إلا أن من الملاحظ ذلك التوسع في تطبيقه في عهد عبد الفتاح السيسي، على التهم المتعلقة بالنشاط السياسي وحرية الرأي والتعبير، اتهامات مطاطة، مثل تكدير الصفو العام أو التظاهر بدون تصريح، أو نشر أخبار كاذبة أو الانضمام لجماعة محظورة أسست على خلاف القانون، فأصبحت الأفعال ذات الطابع السياسي مجرّمة جنبا إلى جنب مع الجرائم الجنائية والمخلة بالشرف، بل يعتبر النظام الحاكم في مصر التظاهر بدون تصريح أو الانتماء لتنظيم أو حركة أو جماعة ذات خط معارض للسلطة أو كتابة الرأي المعارض على وسائل التواصل الاجتماعي جرائم أكثر خطورة على المجتمع والدولة من جرائم، مثل السرقة بالإكراه والبلطجة والنصب والتزوير. ولذلك، لا يتمتع المراقَب السياسي بامتيازات الجنائي من المرونة في الحضور والانصراف أو إمكانية الحصول على إجازات في المناسبات والأعياد أو الظروف الطارئة.
ولم يضع المشرّع المصري تعريفا محددا ودقيقا لنظام مراقبة الشرطة، كما أن هذا القانون لم يتم تحديثه منذ أكثر من 70 عاما، وهناك مواد عديدة في القانون تحمل عبارات مطاطة، كعادة القوانين المصرية، وهو ما يعطي صلاحيات كبيرة لوزارة الداخلية للتطبيق بشكل قاسٍ متعسف، خصوصا مع عدم وضوح الجهة التي يمكن اللجوء إليها للشكوى من انتهاكات، وهناك انتهاكات عديدة تحدث في حق من يقضي عقوبة المراقبة بعد فترة السجن، وكذلك من تطبق عليه الإجراءات الاحترازية، فبدايةً ينص قانون المراقبة على قضاء فترة المراقبة في المنزل في الأساس، ولا تكون المراقبة في قسم الشرطة إلا في حالات التشرد وعدم وجود مكان مناسب لتنفيذ عقوبة المراقبة. ولكن عند التطبيق، يتم اعتبار السماح بالمراقبة في المنزل ليلا رفاهية وامتيازات لا يتم منحها إلا لأصحاب الوساطات والاتصالات، ولذلك يتم الاستسهال وإجبار من ينفذ عقوبة المراقبة على المبيت في مكان مغلق في قسم الشرطة، أو البقاء ساعات كل أسبوع لمن تطبق عليه التدابير الأمنية بعد الحبس الاحتياطي. ولذلك تحولت إلى سجن متكامل نصف اليوم، وليست مجرد مراقبة أو فترة انتقالية، كما كان جوهر القانون.
واللافت هو التوسع في تطبيق هذه العقوبة، المقيدة للحرية، في كل ما يخص الأفعال التي
يعتبرها النظام الحاكم "جرائم سياسية"، فهناك عشرات يقضون هذه العقوبة التي تحولت إلى سجن لنصف اليوم بعد قضائهم فترة سجن كامل على خلفية قانون التظاهر، وهو ما يؤثر سلبا على إيجاد فرصة عمل مناسبة، ويعيق حرية السفر والتنقل داخل مصر، بالإضافة إلى التعرّض للتهديد المستمر بالعودة إلى السجن في حالة إغضاب السلطات أو التعبير عن الرأي، أو ما يطلق عليها العودة إلى الجريمة، وهناك إحصاءات عن عدة آلاف أيضا يقضون عدة ساعات أسبوعيا تحت مسمى الإجراءات الاحترازية والتدابير الأمنية، بعد إخلاء السبيل، وذلك بعد قضاء عدة أشهر، أو عدة سنوات، حبسا احتياطيا على خلفية قضايا التظاهر بدون تصريح، أو التعبير عن الرأي، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى مجرد الانتماء لمجموعة أو حركة أو جماعة مغضوب عليها.
ومن الملفت أيضا إدخال ذلك النوع من العقوبات في التعديلات الجديدة لقانون العقوبات، ليشمل كل شيء يمكن أن يقوم به الإنسان في حياته اليومية، بالتزامن مع القرارات الأخيرة للنائب العام، بتتبع كل ما تتم كتابته أو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتزامن أيضا مع قرارات الحبس التي طاولت أخيرا صحافية شابة تقوم بالتصوير في الشارع عن ترام الإسكندرية المتهالك، أو مخرجا وممثلين لمسرحية فنية أغضبت القوات المسلحة، أو شاعرا كتب قصيدة مثيرة للجدل، أو مخرجة ومونتيرا يعدّان فيلما وثائقيا يحلل أربع سنوات من حكم السيسي، وهناك الكثير والكثير من الحالات المماثلة التي تعد مؤشرا على ضيق السلطة والنظام بأي ثغرة للتنفيس والتنفس مهما كانت صغيرة.
بخلاف الحالات المحدودة المعروفة، لتطبيق عقوبة المراقبة على خلفية قانون التظاهر، وهي العقوبة التي تجبر المفرج عنه بقضاء نصف يومه في زنزانة، أو حجز طوال الليل في قسم الشرطة فترة مساوية لفترة السجن التي تم قضاؤها على خلفية قانون التظاهر والتجمهر، وهي العقوبة التي أقوم بقضائها يوميا منذ 14 شهرا، هناك أيضا مئات الحالات، وربما آلاف في بعض التقارير الحقوقية، التي تقضي ما يطلق عليها "إجراءات احترازية" أو "تدابير أمنية" بعد قضاء فترة من الحبس الاحتياطي، وهم من يتم إلزامهم بقضاء ساعتين أو ثلاث كل أسبوع في قسم الشرطة كنوع من أنواع المتابعة وتقييد الحركة.
ويعود تاريخ قوانين المراقبة والإجراءات الاحترازية إلى القرن الثامن عشر وبداية التأثر
وتنقسم فلسفة القوانين الخاصة بالمراقبة والتدابير الاحترازية في مصر إلى أكثر من نظرية، فهناك نظرية تعتبر تلك القوانين بمثابة عقوبة تكميلية لكل من قضى فترة من السجن في جرائم، مثل السرقة بالإكراه والبلطجة وتهديد حياة الآخرين، أو جرائم مثل النصب والتزوير، أو جرائم البغاء، والدعارة والتحريض على الرذيلة، وهناك من كان يعتبر أن فترة المراقبة بعد السجن انتقالية، تسمح لمن ارتكب جرما وأنهى فترة حبسه أن يندمج في المجتمع مرة أخرى بشكل متدرّج، وأن يتم منحه فرصة مرة أخرى للعيش بطريقة شريفة وسليمة، وكذلك تشجيعه على الالتزام بالقانون.
وهناك اتجاه ثالث يعتبر المراقبة بمثابة قيود وإجراءات احترازية لمراقبة من يوضع محل شك أو اشتباه في إمكانية العودة إلى الجرائم التي ارتكبها من قبل، وهو ما يجعل ممكنا استبدال التدابير الاحترازية بالحبس الاحتياطي، ولكن بشكل عام يغلب على السلطة التنفيذية في مصر الاتجاه الأول؛ وهو اعتبار المراقبة من أنواع العقوبات التكميلية التي تطبق بشكل روتيني وتعسفي، ما يؤدي إلى إفراغها من مضمونها.
وعلى الرغم من أن قانون المراقبة وسائر القوانين المقيدة للحرية وضعت، في الأساس، لمقاومة ومكافحة وتقليل نوعية معينة من الجرائم، مثل جرائم العنف والبلطجة والسرقة بالإكراه والنصب والتزوير والبغاء، إلا أن من الملاحظ ذلك التوسع في تطبيقه في عهد عبد الفتاح السيسي، على التهم المتعلقة بالنشاط السياسي وحرية الرأي والتعبير، اتهامات مطاطة، مثل تكدير الصفو العام أو التظاهر بدون تصريح، أو نشر أخبار كاذبة أو الانضمام لجماعة محظورة أسست على خلاف القانون، فأصبحت الأفعال ذات الطابع السياسي مجرّمة جنبا إلى جنب مع الجرائم الجنائية والمخلة بالشرف، بل يعتبر النظام الحاكم في مصر التظاهر بدون تصريح أو الانتماء لتنظيم أو حركة أو جماعة ذات خط معارض للسلطة أو كتابة الرأي المعارض على وسائل التواصل الاجتماعي جرائم أكثر خطورة على المجتمع والدولة من جرائم، مثل السرقة بالإكراه والبلطجة والنصب والتزوير. ولذلك، لا يتمتع المراقَب السياسي بامتيازات الجنائي من المرونة في الحضور والانصراف أو إمكانية الحصول على إجازات في المناسبات والأعياد أو الظروف الطارئة.
ولم يضع المشرّع المصري تعريفا محددا ودقيقا لنظام مراقبة الشرطة، كما أن هذا القانون لم يتم تحديثه منذ أكثر من 70 عاما، وهناك مواد عديدة في القانون تحمل عبارات مطاطة، كعادة القوانين المصرية، وهو ما يعطي صلاحيات كبيرة لوزارة الداخلية للتطبيق بشكل قاسٍ متعسف، خصوصا مع عدم وضوح الجهة التي يمكن اللجوء إليها للشكوى من انتهاكات، وهناك انتهاكات عديدة تحدث في حق من يقضي عقوبة المراقبة بعد فترة السجن، وكذلك من تطبق عليه الإجراءات الاحترازية، فبدايةً ينص قانون المراقبة على قضاء فترة المراقبة في المنزل في الأساس، ولا تكون المراقبة في قسم الشرطة إلا في حالات التشرد وعدم وجود مكان مناسب لتنفيذ عقوبة المراقبة. ولكن عند التطبيق، يتم اعتبار السماح بالمراقبة في المنزل ليلا رفاهية وامتيازات لا يتم منحها إلا لأصحاب الوساطات والاتصالات، ولذلك يتم الاستسهال وإجبار من ينفذ عقوبة المراقبة على المبيت في مكان مغلق في قسم الشرطة، أو البقاء ساعات كل أسبوع لمن تطبق عليه التدابير الأمنية بعد الحبس الاحتياطي. ولذلك تحولت إلى سجن متكامل نصف اليوم، وليست مجرد مراقبة أو فترة انتقالية، كما كان جوهر القانون.
واللافت هو التوسع في تطبيق هذه العقوبة، المقيدة للحرية، في كل ما يخص الأفعال التي
ومن الملفت أيضا إدخال ذلك النوع من العقوبات في التعديلات الجديدة لقانون العقوبات، ليشمل كل شيء يمكن أن يقوم به الإنسان في حياته اليومية، بالتزامن مع القرارات الأخيرة للنائب العام، بتتبع كل ما تتم كتابته أو نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتزامن أيضا مع قرارات الحبس التي طاولت أخيرا صحافية شابة تقوم بالتصوير في الشارع عن ترام الإسكندرية المتهالك، أو مخرجا وممثلين لمسرحية فنية أغضبت القوات المسلحة، أو شاعرا كتب قصيدة مثيرة للجدل، أو مخرجة ومونتيرا يعدّان فيلما وثائقيا يحلل أربع سنوات من حكم السيسي، وهناك الكثير والكثير من الحالات المماثلة التي تعد مؤشرا على ضيق السلطة والنظام بأي ثغرة للتنفيس والتنفس مهما كانت صغيرة.