عن أنظمة تسبب أمراضاً خطيرة ومميتة

16 فبراير 2015
تسليع قطاع الصحة في الدول العربية (فرانس برس)
+ الخط -
ارتبط مفهوم الحق في الصحة بعدة حقوق أخرى مكملة له، حيث لا يمكن اختصاره فقط بالحق في العلاج وما يستلزمه من الخدمات الصحية والعلاجية، من توفير الدواء إلى تحسين كفاءة المنشآت العلاجية.
إذ إن الحق في الصحة كمفهوم وكحالة متجسدة، يتضمن سلامة الجسد والنفس، ومدى توافر الظروف الاقتصادية والاجتماعية المؤهلة لذلك. وشكل توزيع الثروة ومستوى الدخول وقيمة ما يصرف في الميزانيات العامة للدول على الخدمات العامة وخدمات الصرف الصحي وإيجاد مياه شرب وبيئة نظيفة، المحصلة النهائية للوضع الصحي للمواطنين، إضافة إلى ميزانية خدمات الصحة والعلاج. وأوضحت العديد من الدراسات والمسوح الصحية والسكانية الترابط ما بين تلك المؤشرات الاقتصادية والحالة الصحية.
ويمكن النظر إلى خريطة عدد من الدول العربية وأغلب دول القارة الأفريقية، كمثال واضح على ذلك الترابط ما بين مؤشرات الاقتصاد ومؤشرات الصحة العامة، بما فيها السلامة والصحة النفسيّة. ويجد الناظر إلى هذه الخريطة انتشاراً لما يسمى بـ "أمراض الفقر". وتعرف أمراض الفقر بأنها تلك الأمراض المتعلقة بمستوى معيشة الناس، وما يتوافر لديهم من خدمات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أمراض النحافة وسوء التغذية ومشاكل الجهاز الهضمي والتنفسي المنتشرة خصوصاً في البيئات الأكثر تلوثاً وفقراً...
واتسعت المشكلة الصحية في مصر مع كل انتهاك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لأنه انتهاك للحق في الصحة في ذات الوقت. وشهدت مصر من الفترة الممتدة من عام 2005 وحتى الآن، مشاريع قوانين وقرارات أثرت بشكل سلبي على الصحة العامة لأغلب المصريين. بل مثلت بعض هذه القرارات جرائم مباشرة تمس الحق في الصحة، كان منها قراران أساسيان، ففي عام 2005، أعلنت السلطات المصرية عن رغبتها في تحرير وهيكلة المؤسسات العلاجية، وأيضاً تحرير أسعار الدواء. وقد ترافق هذان القراران، مع محاولات مستمرة لتصفية مصانع الأدوية.
وعللت الدولة سياستها في مجال الصحة ذلك الوقت، برغبتها في تحسين الخدمات الصحية، فقامت بإصدار قرار بتحويل هيئة التأمين الصحي إلى شركة قابضة، وهو الأمر الذي يعني في محصلته النهائية، تقديم الخدمة الصحية والعلاجية العامة، بمقابل يقترب من سعر الخدمات الصحية الخاصة. وقد تصدى العديد من القوى الاجتماعية لهذا القرار. ورفعت دعوة قضائية ضد قرار إنشاء الشركة، وقد استطاعت هذه القوى إيقاف القرار عبر صدور حكم قضائي برفض إنشاء الشركة. بل إن المحكمة أوردت القول التالي في حيثيات حكمها: "إنّ التأمين الصحي على رأس وسائل الحق في الصحة، والذي بات بدوره يمثل حقاً من الحقوق الإنسانية في القوانين والتشريعات المنظمة لحقوق الإنسان، وكفالة الدولة للرعاية الصحية تحول دون أن يكون الحق في الصحة محلاً للاستثمار أو المساومة أو الاحتكار".
ولم تتوقف محاولات تسليع الحق في العلاج والصحة، بل امتدت إلى محاولة خصخصة المستشفيات الجامعية تحت زعم تطويرها، وهو ما قدم عبر مشروع قانون جديد طرح مؤخراً لتنفيذ ذات السياسة التي تسعى إلى تسليع الخدمات الصحية، وهو الأمر الذي يعني حدوث كارثة حقيقية على شعب أغلبه من المفقرين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف وأعباء العلاج في القطاع الخاص.
وفي ذات السياق، تم إصدار قرارين بإلغاء تسعير الأدوية خلال عامي 2009 و2012، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من الأدوية. وإذا أضفنا إلى ما سبق مخططات تصفية الشركات المصرية المنتجة للدواء بسعر مناسب، يمكن أن تتضح جرائم انتهاك الحق في الصحة.
ورغم أن الدستور قد أقر كفالة الدولة للحق في الصحة، إلا أن هذا الحق وغيره من الحقوق، ليس محكوماً بالنص الدستوري، لأنه ليس الأداة الناجزة لحفظ الحقوق في ظل تضارب المصالح. علماً أن القطاعات المكونة لسلطة اتخاذ القرار، هي ذاتها القطاعات المستفيدة من تسليع الخدمات الصحية، وما ينتج عنه من مزيد من تراكم الأرباح للمستثمرين في هذا القطاع.
باختصار، هناك أنظمة، كما التدخين تماماً، تسبب أمراضاً خطيرة ومميتة.
المساهمون