عن "الطوارئ" الجديدة في مصر

23 ابريل 2017
+ الخط -
فوجئنا، ذات صباح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، بإقرار الحكومة المصرية للقانون سيئ السمعة الذي يطلق عليه قانون تنظيم التظاهر. اعترض معظم شباب ثورة 25 يناير على هذا القانون الذي صدر في ظروف مريبة. قلنا إننا اعترضنا، في وقت حكم "الإخوان المسلمين" عندما حاولوا تمرير قانون لمنع التظاهر بالحجج والذرائع نفسها التي تدّعي أن التظاهرات والإضرابات تعطل عجلة الإنتاج، فقالوا وقتها إن قانون التظاهر ليس بهدف القمع وإغلاق المجال السياسي، إنما هو لمواجهة التظاهرات المسلحة، وليس للتظاهرات السلمية، فقلنا إن هناك قوانين عديدة موجودة بالفعل لمواجهة العنف والتظاهرات المسلحة والبلطجة، ولن نقبل بمثل قانون التظاهر، فكانت النتيجة أحكاما بالسجن فترات طويلة وصلت، في أحيان، إلى السجن المؤبد لمجرد مشاركةٍ في وقفة رمزية، أو مسيرة صامتة، قام بها شبابٌ ينتمي إلى خلفية ليبرالية أو يسارية، وكانت التظاهرات المسلحة مجرّد ذريعة.
لم يكن الهدف هو التصدّي للتظاهرات المسلحة، أو حتى المسيرات التى يقوم بها أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي، بل كان الهدف فرض الاستقرار بالقوة لنظام عسكري شرعيّته منقوصة، كان الهدف هو القضاء المبكّر على أية معارضة مستقبلية، أو أية احتمالات لتحرّكات معارضة، قد تهدّد استقرار النظام العسكري الاستبدادي. ولذلك، تم التذرّع بالتظاهرات المسلحة، من أجل قمع مبكر لأي معارضة محتملة، خصوصا من الحركات الشبابية، غير الحزبية، غير المدمجة في النظام السياسي، وغير المسيطر عليها.
يتذرعون اليوم بالعمليات الإرهابية، من أجل فرض حالة الطوارئ، وكأن القانون والدستور والقضاء يعيقهم، وكأنهم يحترمون القانون المليء بالعقوبات المشدّدة والثغرات المتعمدة، وكأنهم يحترمون الدستور الموضوع على عجل، والمليء بالصلاحيات لرئيس الجمهورية والمؤسسة العسكرية، وكأنهم لا يكفيهم كل تلك الإجراءات الاستثنائية، بالمخالفة للدستور والقانون، ولا يكفيهم التنصت غير القانوني على المكالمات الشخصية، ولا إذاعتها وتحوير معناها، ولا يكفيهم الخطف والاختفاء القسري والاعتقال خارج القانون، ولا يكفيهم التعذيب والكهربة والتحرّش الجنسي، ولا يكفيهم القتل أحياناً، والإعدام والتصفية خارج إطار القانون.
إنهم يرغبون في مزيدٍ من الإجراءات الاستثنائية، ومزيد من الظلم والتضييق وكبت الحريات.
ولكن، هل يرغبون فعلاً في الحرب على الإرهاب؟ وهل ساعدت الطوارئ حسني مبارك، في القضاء على الإرهاب خلال 30 عاما، أم ترعرع الإرهاب في ظل الطوارئ؟ تقول الشواهد والتجارب إن الطوارئ والقمع وزيادة الظلم والقهر والكبت هي مغذّيات الإرهاب، فعندما يتم اعتقال شابٍ لمجرد الاشتباه، أو لمجرد أن اسمه مسجلٌ على هاتف أحد المشتبه بهم، ثم يمكث في السجون المصرية التي تعتبر من أسوأ السجون وأقذرها في العالم فترة غير محدّدة وسط الذل والإهانة، وربما التعذيب والاغتصاب، ماذا تتوقع أن تكون نوعية مشاعره تجاه النظام والدولة والمجتمع؟
فالإجراءات الاستثنائية غير المحدودة، وغير المقننة، وغير المنضبطة التي تمارسها السلطة في مصر ربما تساعد في الكشف عن بعض العمليات قبل حدوثها، لكنها في المقابل تزيد من حالات الظلم والقهر التي تولد المزيد من الرغبة في الانتقام، فما بالك إذا زادت الإجراءات الاستثنائية بقانون الطوارئ وسط غياب رقابة قضائية أو برلمانية، ووسط غياب قواعد العدالة ومعايير الانسانية. ولكن، لماذا لا تستطيع السلطات الحاكمة في مصر أن تحكم البلاد بدون طوارئ وإجراءات استثنائية؟
دعونا أولاً نلقي نظرةً على الصلاحيات الجديدة التى يدعي عبد الفتاح السيسي أن الأجهزة الأمنية تحتاجها من أجل مكافحة فعالة للإرهاب، وهي الصلاحيات الجديدة التي يتيحها قانون الطوارئ وتجعل الإجراءات التي كانت تمارس بالفعل، منذ 30 يونيو/ حزيران 2013، هي إجراءات مقننة بموجب حالة الطوارئ، وهي صلاحياتٌ كثيرة، أخطرها:
عودة العمل بمحاكم أمن الدولة العليا طوارئ، حيث سيكون من حق رئيس الجمهورية تخصيص دوائر للطوارئ في المحاكم الابتدائية والاستئنافية، وأيضا الاستعانة بالقضاء العسكري، ومن حقه كذلك إحالة أية قضايا يعاقب عليها القانون العام إلى محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، وهي المحاكم التي لا يستطيع أحدٌ الطعن على أحكامها في أي حال، وهو ما يفسّر رغبة السيسي في التسريع من وتيرة المحاكمات، ورغبته السابقة في تعديل قوانين الإجراءات القضائية.
ومن هذه الصلاحيات أيضا منح قانون الطوارئ رئيس الجمهورية سلطات واسعة في التدخل 
في أحكام محاكم الطوارئ، وتعديل الأحكام وإعادة المحاكمة. ونشر القوات المسلحة وتفويضها في تنفيذ الأوامر، على الرغم من كل ما تتمتع به بالفعل من تفويض في ارتكاب أي شيء بدون محاسبة أو مساءلة.
وإلى جانب ما سبق، يسمح قانون الطوارئ لرئيس الجمهورية بإصدار الأوامر التالية (كتابة أو شفاهية): الأمر بمراقبة الرسائل، أيًا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحرّرات والرسوم، وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها. تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، وكذلك الأمر بإغلاق هذه المحال كلها أو بعضها. الاستيلاء على أي منقول أو عقار، والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وكذلك تأجيل أداء الديون والالتزامات المستحقة، والتي تستحق على ما يستولى عليه، أو على ما تفرض عليه الحراسة. سحب التراخيص بالأسلحة أو الذخائر أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعات، على اختلاف أنواعها، والأمر بتسليمها وضبطها وإغلاق مخازن الأسلحة. إخلاء بعض المناطق أو عزلها، وتنظيم وسائل النقل، وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
وعلى الرغم من كل تلك الصلاحيات والإجراءات الاستثنائية بدون رقابة أو ضوابط، هل سيتمكنون فعلاً من القضاء على الإرهاب؟ وهل سيتم الاكتفاء بكل تلك الصلاحيات غير المحدودة، أم سيطلبون المزيد بعد فشل كل تلك الإجراءات؟
لا أعتقد أن قانون الطوارئ، أو غيره، سينجح في مواجهة الإرهاب، فهم لا يرغبون، من الأساس، في محاربة الإرهاب، فهم لا يستطيعون العيش بدون الإرهاب الذي يعتبر المبرّر الوحيد لشرعية الحكم. ما التفجيرات الأخيرة إلا ذريعة لمزيد من التضييق والقمع ضد أي نوع من أنواع المعارضة المدنية الحالية، أو المحتملة.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017