18 اغسطس 2020
عندما ينتحر أصحاب مؤامرة المنامة
يقولُ كتّابٌ من المتصهينين العرب الجدد إنّ القيادات الفلسطينية، المُتعاقبة منذ النكبة، ضيّعتْ فرصا عديدة لحلِّ القضية الفلسطينية، وإنّهم اليوم في رفضهم صفقة القرن، يُضيّعون فرصةً جديدة من تلك الفرص النادرة! وحتّى لا يشطح المرء في تخيّل ما "ضيّعتهُ" القيادات الفلسطينية، يتم التذكير هنا بأنّ مُنظمة التحرير الفلسطينية قَبلتْ في اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) التنازل عمّا نسبته 78% من أرض فلسطين التاريخية لكيان الصهاينة، واعترفتْ بحقِّ إسرائيل في الوجود على أرض فلسطين، ووافقت أن تُقيم دولة فلسطينية على 22% فقط من الأرض الفلسطينية، وهي تلك المُحتلّة عام 1967. إذن، بعد كلّ هذا التنازل، ما هي الفُرص الّتي ضيّعتها القيادات الفلسطينية؟ والآن، ما هي هذه الفُرصة الجديدة الّتي يدّعون أنّ الفلسطيني على وشكِ تضييعها، وقد أصبحتْ بنودها واضحة، وما الشقّ الاقتصادي الّذي أعلن في ورشة المنامة التطبيعية، إلّا الشق النهائي منها؟
اعترفت إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، بالقدس الموحّدة؛ الشرقية والغربية، عاصمةً لدولة الاحتلال، وأقامتْ احتفالًا رسميًا لذلك. وبحسب تعبير ترامب، تمّت إزالة القدس من أي مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية مُستقبلية، وتمّ إلغاء قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة 194، من جدول المفاوضات، على اعتبار أنّ من تمّ إدراجهم في كشوف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) منذ عام 1948 ليسوا لاجئين، ولذلك ألغتْ الولايات المتحدة دعمها المالي للمنظمة الأممية، ما هدّدها بالانهيار. بينما يعتبرُ سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان (أحد أفراد الثلاثي الصهيوني مُقترح الصفقة)، أنّ لكيان الصهاينة الحق في ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل. وكذلك صرّح صهر ترامب الصهيوني، جارد كوشنير، أنّ الصفقة لا تتضمن حل الدولتين، وكذلك يجب أن يبقى
الفلسطينيون تحت الاحتلال، لأنهم لا يستطيعون حكم أنفسهم بأنفسهم! وغيرها من خساراتٍ باتتْ واضحة. إذن، ما الذي تُضيّعه القيادات الفلسطينية هنا؟ وبماذا تُخطئ التقدير؟ ولِماذا كان على الفلسطينيين الذهاب إلى مؤتمر المنامة التطبيعي؟ ولماذا ذهب إليه بعض العرب؟
لنتخيّل، كما يكتب الباحث الفلسطيني، علاء أبو عامر، لو ذهبَ الفلسطينيون، مثلًا، للمشاركة في مؤتمر يُعزز احتلال إيران جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، أو مؤتمر لتعزيز احتلال إسبانيا مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين، أو أي أرض عربية أخرى، هل كان الإماراتيون والمغاربة، أو غيرهما، سيصفون الفلسطينيين بغير الخونة؟ هذا فيما يتعلّقُ بدولهم القُطرية، فما القولُ عندما يتعلّقُ الأمر بفلسطين والقدس؛ الأرض المُقدّسة عربيًا وإسلاميًا؟ من تهون عليه مقدّساته يخسرُ كرامته وشرفه، بل بالأحرى؛ لا يمتلك أيا منهما.
خاضَ الشعب الفلسطيني نضالًا طويلًا، قاربَ عمره القرن منذ عام 1917، حين أطلقَ الصهيوني البروتستني، آرثر بلفور، وعدهُ لصديقه الصهيوني اليهودي، اللورد روتشيلد، بمنح اليهود الصهاينة وطنًا في فلسطين. قاسى الفلسطيني في سبيل قضيته وحقوقه، وعلى الرغم مما ارتُكِب بحقهِ من مجازر، وعلى الرغم من تهويد أغلب مدنه وقراه في فلسطين ما قبل عام 1948، إلّا أنّه ما زال يحلُم ويسعى إلى العودة، وما أن يمسّ الأقصى أي تحرّش صهيوني، أو أدنى تدنيس، إلّا ويثور، مُقدّمًا مزيدا من القرابين البشرية.
مهما حَدثَ في ورشة المنامة، فإن مؤامرةً كهذه لن تمُر، وهذا ما أصبح مقتنعًا به صنّاع الصفقة/ المؤامرة، ومُعدّو برامجها من أمثال جيسون غرينبلات الّذي اتّهم حركة فتح بتخريبها وإفشالها، من خلال تغريدة عبر "تويتر"، جاء فيها: "فتح تُفشل فرصة أخرى للتعايش، وما يجب أن يكون أمرًا طبيعيًا. لا يُمكن بناء السلام على قاعدة أسستها فتح.. ومن أجل تحقيق السلام يجب تسوية القضايا العديدة.. ويجب تشجيع التعايش". هذا التشاؤم من نجاحها يقابله آخر إسرائيلي أيضًا، لكن من صهاينة "عقلانيين"، حيث حذَّر رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، عامي أيالون، من أنّ ورشة البحرين الّتي ستُخصّص لترويج الشق الاقتصادي من الخطّة/ الصفقة، ستُفضي إلى "كارثة استراتيجية"، تتمثّل في انفجار انتفاضةٍ شعبيةٍ فلسطينية جديدة. وأوضح أيالون، في مقالٍ في "يديعوت أحرونوت" يوم 21/6/2019، أنّ كل محاولة لمعالجة الواقع الاقتصادي، قبل معالجة القضايا السياسية للصراع، سيُحكم عليها بالفشل، وستُفضي إلى تداعياتٍ أمنيةٍ خطيرة. كما لفتَ إلى أن الإصرار على تقديم القضايا الاقتصادية على حلِّ المُركبات السياسية للصراع يعكس جهل طاقم مستشاري الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعمق التزام الفلسطينيين بحقوقهم الوطنية.
تُخصِّص خطة "صفقة القرن" الاقتصادية خمسين مليارًا من الأموال العربية، أو يبدو أنهم
سيجمعونها خلال السنوات العشر المقبلة، كي يشتروا بها أرض العرب والمسلمين والمسيحيين ومقدّساتهم، فيما تبقّى من فلسطين التاريخية، لصالح الصهاينة. ولكن هل فعلًا هكذا أموال ستصلُ إلى الشعب الفلسطيني؟ يقولُ عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف، يائير ليبيد، مستهزئا بالعرب وورشة المنامة: "إن حكومة ترامب لن تلتزم باستثمار أموال منها في البرنامج، لكنّها ستحاول تحفيز الدول العربية على استثمار معظم الخمسين مليار دولار"! وعلى الرغم من هذا القول الصريح، إنّ الصهاينة سيشترون حقوق الشعب الفلسطيني بأموال العرب الخليجيين، في أكبر مهزلة عرفها التاريخ البشري، من إذعان وذل وهوان رسمي عربي لإرادة الغاصب المُحتل، وحليفته الكبرى أميركا، يُضيف ليبيد: "من تجربتي: سيقول العرب نعم، ثمّ سيختفون".
مؤامرة تطبيعية جديدة، غرضها إنهاء الصراع العربي الصهيوني، من دون الحصول على الحقوق الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، كل من يُشارك فيها لن يناله سوى الخزي، لأنّه خان واحدةً من أقدس القضايا وأعدلها، يخون العربي شقيقه العربي، لا لشيء إلا لأنّ بعض هؤلاء تعوّد على خدمة حُماة عرشه الاستبدادي، والآخر تعوّد أن يقبض مالًا ثمن خيانته.
يقولُ مارتن لوثر كنغ: "أسوأ مكان في الجحيم محجوز للّذين يقفون على الحيادِ في المسائل الأخلاقية الكبرى"، فما القولُ فيمن يوغلُ في مُناصرة كفِّ الشّر؟ هُم بذلك ينتحرون، فالمؤكّد أن هذه المؤامرة ستسقُط، كما سقطَ غيرها من قبل، لكنّ الألم الذي يُسبّبه خذلان بعض العرب الفلسطينيين، من الصعب زواله، سيحفُر في ذاكرة الفلسطيني أخاديد الأسى والحزن، ستُضاف إلى ما تجمّع فيها خلال قرن، ومقصلةُ التاريخِ لا ترحم، تُخلّد المجد والبطولة، وتُعلِّقُ الخيانة والعمالة والتخاذل على بابها.
اعترفت إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، بالقدس الموحّدة؛ الشرقية والغربية، عاصمةً لدولة الاحتلال، وأقامتْ احتفالًا رسميًا لذلك. وبحسب تعبير ترامب، تمّت إزالة القدس من أي مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية مُستقبلية، وتمّ إلغاء قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفق قرار الأمم المتحدة 194، من جدول المفاوضات، على اعتبار أنّ من تمّ إدراجهم في كشوف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) منذ عام 1948 ليسوا لاجئين، ولذلك ألغتْ الولايات المتحدة دعمها المالي للمنظمة الأممية، ما هدّدها بالانهيار. بينما يعتبرُ سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ديفيد فريدمان (أحد أفراد الثلاثي الصهيوني مُقترح الصفقة)، أنّ لكيان الصهاينة الحق في ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل. وكذلك صرّح صهر ترامب الصهيوني، جارد كوشنير، أنّ الصفقة لا تتضمن حل الدولتين، وكذلك يجب أن يبقى
لنتخيّل، كما يكتب الباحث الفلسطيني، علاء أبو عامر، لو ذهبَ الفلسطينيون، مثلًا، للمشاركة في مؤتمر يُعزز احتلال إيران جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، أو مؤتمر لتعزيز احتلال إسبانيا مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين، أو أي أرض عربية أخرى، هل كان الإماراتيون والمغاربة، أو غيرهما، سيصفون الفلسطينيين بغير الخونة؟ هذا فيما يتعلّقُ بدولهم القُطرية، فما القولُ عندما يتعلّقُ الأمر بفلسطين والقدس؛ الأرض المُقدّسة عربيًا وإسلاميًا؟ من تهون عليه مقدّساته يخسرُ كرامته وشرفه، بل بالأحرى؛ لا يمتلك أيا منهما.
خاضَ الشعب الفلسطيني نضالًا طويلًا، قاربَ عمره القرن منذ عام 1917، حين أطلقَ الصهيوني البروتستني، آرثر بلفور، وعدهُ لصديقه الصهيوني اليهودي، اللورد روتشيلد، بمنح اليهود الصهاينة وطنًا في فلسطين. قاسى الفلسطيني في سبيل قضيته وحقوقه، وعلى الرغم مما ارتُكِب بحقهِ من مجازر، وعلى الرغم من تهويد أغلب مدنه وقراه في فلسطين ما قبل عام 1948، إلّا أنّه ما زال يحلُم ويسعى إلى العودة، وما أن يمسّ الأقصى أي تحرّش صهيوني، أو أدنى تدنيس، إلّا ويثور، مُقدّمًا مزيدا من القرابين البشرية.
مهما حَدثَ في ورشة المنامة، فإن مؤامرةً كهذه لن تمُر، وهذا ما أصبح مقتنعًا به صنّاع الصفقة/ المؤامرة، ومُعدّو برامجها من أمثال جيسون غرينبلات الّذي اتّهم حركة فتح بتخريبها وإفشالها، من خلال تغريدة عبر "تويتر"، جاء فيها: "فتح تُفشل فرصة أخرى للتعايش، وما يجب أن يكون أمرًا طبيعيًا. لا يُمكن بناء السلام على قاعدة أسستها فتح.. ومن أجل تحقيق السلام يجب تسوية القضايا العديدة.. ويجب تشجيع التعايش". هذا التشاؤم من نجاحها يقابله آخر إسرائيلي أيضًا، لكن من صهاينة "عقلانيين"، حيث حذَّر رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، عامي أيالون، من أنّ ورشة البحرين الّتي ستُخصّص لترويج الشق الاقتصادي من الخطّة/ الصفقة، ستُفضي إلى "كارثة استراتيجية"، تتمثّل في انفجار انتفاضةٍ شعبيةٍ فلسطينية جديدة. وأوضح أيالون، في مقالٍ في "يديعوت أحرونوت" يوم 21/6/2019، أنّ كل محاولة لمعالجة الواقع الاقتصادي، قبل معالجة القضايا السياسية للصراع، سيُحكم عليها بالفشل، وستُفضي إلى تداعياتٍ أمنيةٍ خطيرة. كما لفتَ إلى أن الإصرار على تقديم القضايا الاقتصادية على حلِّ المُركبات السياسية للصراع يعكس جهل طاقم مستشاري الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بعمق التزام الفلسطينيين بحقوقهم الوطنية.
تُخصِّص خطة "صفقة القرن" الاقتصادية خمسين مليارًا من الأموال العربية، أو يبدو أنهم
مؤامرة تطبيعية جديدة، غرضها إنهاء الصراع العربي الصهيوني، من دون الحصول على الحقوق الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، كل من يُشارك فيها لن يناله سوى الخزي، لأنّه خان واحدةً من أقدس القضايا وأعدلها، يخون العربي شقيقه العربي، لا لشيء إلا لأنّ بعض هؤلاء تعوّد على خدمة حُماة عرشه الاستبدادي، والآخر تعوّد أن يقبض مالًا ثمن خيانته.
يقولُ مارتن لوثر كنغ: "أسوأ مكان في الجحيم محجوز للّذين يقفون على الحيادِ في المسائل الأخلاقية الكبرى"، فما القولُ فيمن يوغلُ في مُناصرة كفِّ الشّر؟ هُم بذلك ينتحرون، فالمؤكّد أن هذه المؤامرة ستسقُط، كما سقطَ غيرها من قبل، لكنّ الألم الذي يُسبّبه خذلان بعض العرب الفلسطينيين، من الصعب زواله، سيحفُر في ذاكرة الفلسطيني أخاديد الأسى والحزن، ستُضاف إلى ما تجمّع فيها خلال قرن، ومقصلةُ التاريخِ لا ترحم، تُخلّد المجد والبطولة، وتُعلِّقُ الخيانة والعمالة والتخاذل على بابها.
دلالات
مقالات أخرى
19 اغسطس 2019
16 يوليو 2019
16 يونيو 2019