عندما يساوي ماكرون معاداة الصهيونية بمعاداة السامية

14 اغسطس 2017

ماكرون ونتنياهو في مراسم ذكرى تسفير اليهود (16/7/2017/فرانس برس)

+ الخط -
دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وعلى غير المعتاد، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، إلى مراسيم خاصة بالدولة الفرنسية في ذكرى تسفير اليهود الفرنسيين إلى ألمانيا في أثناء الحرب العالمية الثانية. وألقى خطابا قال فيه إن معاداة الصهيونية اختراع لمعاداة السامية، منتقدا، ولأول مرة على لسان رئيس فرنسي، من يقف ضد الاحتلال في فلسطين، ومن يدعم القضية الفلسطينية، وخصوصا من الشباب الفرنسي من أصول عربية.
هذه المراسيم التي كان قد بدأها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران اعتراف من فرنسا بمشاركة حكومة فيشي تحت الاحتلال بتسفير اليهود من فرنسا. وفي كل مرة أقيمت فيها سنويا، تأتي الخطب على مسؤولية الدولة الفرنسية آنذاك، وكانت أصلا تحت الاحتلال الألماني النازي. ولم يخلط أي رئيس فرنسي سابق بين هذه المناسبة ونضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه، أو بينها وتضامن الشعب الفرنسي الواسع مع القضية الفلسطينية. ومن المستغرب جدا أن يبدر من الرئيس ماكرون، الذي قيل إنه مقرّب للمؤرخ الفرنسي بول ريكار، هذا الخطاب الذي ينم أولا عن عدم معرفه بالتاريخ، وبالذات تاريخ الحركة الصهيونية التي غادرها يهود كثيرون، بينهم حاخامات ومفكرون وأساتذه، بسبب نفيها الحق الفلسطيني، بعد أن أوجدت إسرائيل قسرا (وليد غير شرعي) كما يقول المؤرخ شلومو ساند. ليس ذلك فحسب، بل يعد هذا التصريح للرئيس الفرنسي، وهو سابقة، موقفا لا يحترم القانون الدولي، ولا قرارات الأمم المتحدة، ولا العلاقات الدولية ودبلوماسية فرنسا، لأن الرئيس يقفز على كل قرارات الشرعية الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وللأراضي العربية، وهو ما يتعارض تماما مع الموقع الرئاسي، بل يسيء إليه. ولم يتجنّ مؤسس صحيفة ميديا بارت ايدوي بلينيل، في قوله إن هذا التصريح خطأ. وتساءل: كيف لرئيس لم يمر على انتخابه ثلاثة أشهر ألا يراعي مشاعر نسبة كبيرة من الشعب الفرنسي الذي تهمه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني؟
ولكن أهم ما وجه للرئيس الفرنسي الجديد بشأن دعوة نتنياهو إلى هذه المراسيم وتشبيه المعاداة للصهيونية باللاسامية رسالة نشرها المؤرخ شلومو ساند، صاحب كتاب "كيف تم اختراع الشعب اليهودي"، كتب فيها إنه ممتن للاعتراف بمشاركة الدولة الفرنسية ومسؤوليتها في تسفير أشخاص يهود إلى معسكرات الموت. وأضاف: رأيت أن هذا الموقف هو استمرارية لشجاعتك، وما أعلنته في الجزائر أن الأستعمار جريمة ضد الإنسانية. وبصراحة، أنزعجت لدعوتك نتنياهو الذي يجب تصنيفه في خانة كل من يقمع، ولا يمكن أن يكون على لائحة من يمثل ضحايا الأمس. ربما تعتزمون نشر استراتيجية مهمة، لا تريدون الإفصاح عنها، تهدف إلى تحقيق تسوية عادلة في الشرق الأوسط. ويكتب ساند إنه توقف عن فهم إيمانويل ماكرون، حينما قال إن معاداة الصهيونية هي اليوم الشكل المخترع لمعاداة السامية. فيسأل ساند: هل يهدف هذا التصريح إلى إرضاء ضيفك (نتنياهو)، ويثير إعجابه، أم إنه علامة جهل سياسي؟ هل قرأ طالب الفلسفة السابق، ومساعد المؤرخ بول ريكار، قليلا من كتب التاريخ، لكي يجهل
العدد الكبير من اليهود الذين يعادون الصهيونية، من دون أن يكونوا معادين للسامية، منهم غالبية الحاخامات القدماء والأرثذوكسية اليهودية الحديثة، وأسماء كبيرة، مثل مارك إيدلمان، أحد قادة انتفاضة غيتو صوفيا ومن الناجين منها، والمقاوم مانوكيان، والأستاذ بيار فيدال ناكيه المؤرخ الفرنسي الكبير، وآخرون كبار من المؤرخين وعلماء الاجتماع مثل إيريك هوبزهاوم ومكسيم رودنسون وإدغار مورن. حقيقة أتساءل، يخاطب ساند الرئيس الفرنسي: هل تنتظر أن يكون الفلسطينيون غير معادين للصهيونية؟ أعتقد أنك لا تحب اليساريين، وربما لا تحب الفلسطينيين، وأنك عملت عند روتشيلد. لكن حتى روتشيلد قال إن دولة يهودية ستكون مغلقة على نفسها، ولن تقبل المسيحي ولا المسلم، فهل روتشيلد معاد للسامية؟ ثم يشرح المؤرخ الإسرائيلي كيف ولدت الدولة اليهودية من اغتصاب الأرض وطرد الغالبية العربية منها، ويقول للرئيس الفرنسي إن مسيرة هذه الدولة في خطى الوالد المغتصب، واليهودية ليست الصهيونية. ثم يأتي شلومو ساند إلى الأهم، ليقول للرئيس ماكرون إن حزبك جمهوري، وأنت وأنا. ولأنني جمهوري وديمقراطي، فأنا لا أدعم الدولة اليهودية التي تعتبر إسرائيل ملكا لكل يهود العالم فيما المواطنون العرب ليسوا مواطنين. إسرائيل هي دولة برنار هنري ليفي والآن فينكلكروت، أكثر من دولة طلابي الفلسطينيين حاملي الأوراق الإسرائيلية. إسرائيل، يكمل ساند رسالته، تأمل أن يهاجر كل منتسبي مجلس المؤسسات اليهودية في فرنسا، من الفرنسيين، إلى إسرائيل. لكن، لم نسمع، في المقابل، أي احتجاج على تصريحات وزراء بنيامين نتنياهو بشأن نقل العرب الإسرائيليين وطردهم، ولم يطالبهم أحد بالأستقالة. لهذه الأسباب، لا يمكنني أن أكون صهيونيا. أنا مواطن أرغب في أن أعيش في دولة جمهورية، وليس دولة يهودية. سليل يهود عانوا ظلما كثيرا. لا أريد العيش في دولة تعرف نفسها بامتيازات لليهود فقط. برأيك، أيها الرئيس: هل يجعل ذلك كله مني معاديا للسامية؟
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
065C781D-CEC8-48F5-8BB1-44AD7C46983D
ولاء سعيد السامرائي

كاتبة وصحفية عراقية مقيمة في باريس

ولاء سعيد السامرائي