"لا يمكنني التنفس، أرجوك لا يمكنني التنفس. ركبتك فوق رقبتي". هي الكلمات الأخيرة التي نطق بها المواطن الأميركي جورج فلويد، في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية، وهو يموت مختنقاً على "يد" واحد من رجال الشرطة. لقد قضى بينما كان الشرطي يدوس على رقبته رافضاً الإنصات لاستغاثاته المتكررة. وكان للواقعة/الجريمة أن تمر من دون أن يلحظها أحد، لولا أن عدسة قامت بالتقاط المشهد وتوثيقه تمّ بثه على قنوات التواصل الاجتماعي، وصار مرئياً لعيون الملايين. هي ليست المرّة الأولى، لكنها الأحدث.
كان من الطبيعي أن تثور المدينة وتنطلق مشاعر الغضب وتلحقها مدن أميركية أُخرى لا تزال مُشتعلة حتى اللحظة، مع إعلانات رسمية لحالات منع التجوال لم يتم احترمها من قِبل المحتجيّن. أما رئيس بلاد "العمّ سام"، فكان حاضراً، كعادته، بأقوال تصبّ الزيت في النار، واصفاً الذين خرجوا إلى الشوارع بأنهم "همج ولصوص وعصابات سرقة ونهب". ما قاله ترامب ليس مستغرباً في مسيرته الطويلة.
لعلّها مناسبة هنا للعودة إلى سيرة هذا الرئيس قبل أن يصل إلى البيت الأبيض بسنوات. حين كان مجرد رجل أعمال فقط. رجل ثري للغاية ويقدر أن يدفع ثمن بيان في أربعة من أشهر الصحف، على صفحة كاملة، للمطالبة بإعدام خمسة من الفتية من ذوي البشرة السوداء اتُّهموا ظُلماً في قضية اغتصاب فتاة بيضاء. لقد طالب ترامب بتفعيل قانون الإعدام من أجل التخلّص منهم. لقد حصلت الواقعة في 1989 في "سنترال بارك" في مدينة نيويورك. لعبت المُصادفة حركتها العجيبة حين حصلت جريمة اغتصاب لفتاة بيضاء هي تريشا ميلي في الـ29 من عُمرها كانت تمارس رياضة الجري في الوقت نفسه حيث كانت مجموعة من الفتية في المتنزه، بينهم خمسة فتية اتهموا بالجريمة وحوكموا وأدينوا.
هذا ما سنراه مُخرَجاً في مسلسل تلفزيوني مُختصر في أربع حلقات من تنفيذ إيفا ديفورني حمل اسم "عندما يروننا" When They See Us (2019- نتفليكس). ولا يمكن العبور بشكل مجاني على إصرار هذا العمل على إيضاح الدور الإعلامي الذي لعبه ترامب في التحريض على أولئك الصبية الخمسة السود والمطالبة بإعدامهم يومها.
تبدو كأنها مسألة مرتبطة بقراءة أصحاب المسلسل للدور الذي يلعبه هذا الرئيس في تفكيك الرابط الاجتماعي بين كيان هذه الأُمّة. كما أنه في العام الماضي، ومع عودة القضية إلى الأضواء، عقب عرض المسلسل، رفض الاعتذار عن موقفه السابق عندما سأله أحد الصحافيين ما إذا كان سيتخذ موقفاً مماثلاً.
لعبة المُصادفة الظالمة ضد أصحاب البشرة السوداء، وكأنهم ضحايا دائمون والحياة لا تأتي إلا عليهم، تظهر موثقة في وضوح في المسلسل تماماً، مثل ما يظهر كيف أن ضباط شرطة وتحقيق لا يبحثون سوى عن كائنات يمكن وضعها في السجون ولا أحد يسأل عنها، حتى لو تطلب ذلك تجاهل نقاط بديهية في الواقعة، وأهمها كون هؤلاء "الضحايا" تتراوح أعمارهم ما بين الـ13 و 16 عاماً، ما يتنافى مع كمّية العنف التي حصلت أثناء الاغتصاب، هذا إضافة إلى ما سيكشفه التحقيق لاحقاً، لكن كل شيء تمّ رميه في سلّة الإهمال.
لقد تمّ القبض على عشرات الأطفال قبل أن يقع الاختيار على فتيان خمسة لتحميلهم وزر جريمة لا يعرفون عنها شيئاً، وجرى نقلهم إلى الغرف السوداء المُقفلة. لم تكن هناك كاميرا لتنقل كل هذه التفاصيل كما حدث مع جريمة قتل فلويد.
وبعد القبض على الفتية، أتت لعبة الترهيب. الدخول في ملعب الإغراءات وتقليب كل واحد على صديقه. إنها مسألة الدخول في ملعب الوشايات. إذا قلت الحقيقة ضد صديقك فستخرج سالماً والعكس. هي مسألة إغراء تُلعب دائماً وعلى وجه الخصوص مع الناس من ذوي البشرة السوداء. وتصل مرحلة الإغراء أو الضغط إلى حدود الأهل وتهديدهم بفقدان لقمة عيشهم إن لم يجبروا أولادهم على الاعتراف بشيء لم يفعلوه. لكن هناك الأُمهات من جهة أُخرى، القوّة الضاربة. واحدة منهن وقفت مع ابنها إلى النهاية وهي تندد وتطلب العون برفع صوتها كون ما جرى في حق ابنها خارج القانون حيث حدث كل شيء على نحو غير قانوني والفتية بلا محام واحد يدافع عنهم وكل التحقيقات تحصل خارج القانون نفسه. لكن لا أحد سيخرج منهم. سارت عملية التحقيق، ولعلّ من أبرزها عملية المونتاج التي حصلت في تسجيل الاعترافات تحت الضغط والترهيب، مسلمة بالإدانة وساعية إلى تثبيتها حصراً. حتى أن فرق التحقيق لم تجد من الوقت ما يكفي كي يتم التنسيق بينها كي تتخلّص من ذلك التشويش الذي من شأنه أن يضرب أي قضية في مقتل. كان الجميع قد قرّر أن يذهب الضحايا السود إلى السجن. وهو ما حصل.
اقــرأ أيضاً
كان من الطبيعي أن تثور المدينة وتنطلق مشاعر الغضب وتلحقها مدن أميركية أُخرى لا تزال مُشتعلة حتى اللحظة، مع إعلانات رسمية لحالات منع التجوال لم يتم احترمها من قِبل المحتجيّن. أما رئيس بلاد "العمّ سام"، فكان حاضراً، كعادته، بأقوال تصبّ الزيت في النار، واصفاً الذين خرجوا إلى الشوارع بأنهم "همج ولصوص وعصابات سرقة ونهب". ما قاله ترامب ليس مستغرباً في مسيرته الطويلة.
لعلّها مناسبة هنا للعودة إلى سيرة هذا الرئيس قبل أن يصل إلى البيت الأبيض بسنوات. حين كان مجرد رجل أعمال فقط. رجل ثري للغاية ويقدر أن يدفع ثمن بيان في أربعة من أشهر الصحف، على صفحة كاملة، للمطالبة بإعدام خمسة من الفتية من ذوي البشرة السوداء اتُّهموا ظُلماً في قضية اغتصاب فتاة بيضاء. لقد طالب ترامب بتفعيل قانون الإعدام من أجل التخلّص منهم. لقد حصلت الواقعة في 1989 في "سنترال بارك" في مدينة نيويورك. لعبت المُصادفة حركتها العجيبة حين حصلت جريمة اغتصاب لفتاة بيضاء هي تريشا ميلي في الـ29 من عُمرها كانت تمارس رياضة الجري في الوقت نفسه حيث كانت مجموعة من الفتية في المتنزه، بينهم خمسة فتية اتهموا بالجريمة وحوكموا وأدينوا.
هذا ما سنراه مُخرَجاً في مسلسل تلفزيوني مُختصر في أربع حلقات من تنفيذ إيفا ديفورني حمل اسم "عندما يروننا" When They See Us (2019- نتفليكس). ولا يمكن العبور بشكل مجاني على إصرار هذا العمل على إيضاح الدور الإعلامي الذي لعبه ترامب في التحريض على أولئك الصبية الخمسة السود والمطالبة بإعدامهم يومها.
تبدو كأنها مسألة مرتبطة بقراءة أصحاب المسلسل للدور الذي يلعبه هذا الرئيس في تفكيك الرابط الاجتماعي بين كيان هذه الأُمّة. كما أنه في العام الماضي، ومع عودة القضية إلى الأضواء، عقب عرض المسلسل، رفض الاعتذار عن موقفه السابق عندما سأله أحد الصحافيين ما إذا كان سيتخذ موقفاً مماثلاً.
لعبة المُصادفة الظالمة ضد أصحاب البشرة السوداء، وكأنهم ضحايا دائمون والحياة لا تأتي إلا عليهم، تظهر موثقة في وضوح في المسلسل تماماً، مثل ما يظهر كيف أن ضباط شرطة وتحقيق لا يبحثون سوى عن كائنات يمكن وضعها في السجون ولا أحد يسأل عنها، حتى لو تطلب ذلك تجاهل نقاط بديهية في الواقعة، وأهمها كون هؤلاء "الضحايا" تتراوح أعمارهم ما بين الـ13 و 16 عاماً، ما يتنافى مع كمّية العنف التي حصلت أثناء الاغتصاب، هذا إضافة إلى ما سيكشفه التحقيق لاحقاً، لكن كل شيء تمّ رميه في سلّة الإهمال.
لقد تمّ القبض على عشرات الأطفال قبل أن يقع الاختيار على فتيان خمسة لتحميلهم وزر جريمة لا يعرفون عنها شيئاً، وجرى نقلهم إلى الغرف السوداء المُقفلة. لم تكن هناك كاميرا لتنقل كل هذه التفاصيل كما حدث مع جريمة قتل فلويد.
وبعد القبض على الفتية، أتت لعبة الترهيب. الدخول في ملعب الإغراءات وتقليب كل واحد على صديقه. إنها مسألة الدخول في ملعب الوشايات. إذا قلت الحقيقة ضد صديقك فستخرج سالماً والعكس. هي مسألة إغراء تُلعب دائماً وعلى وجه الخصوص مع الناس من ذوي البشرة السوداء. وتصل مرحلة الإغراء أو الضغط إلى حدود الأهل وتهديدهم بفقدان لقمة عيشهم إن لم يجبروا أولادهم على الاعتراف بشيء لم يفعلوه. لكن هناك الأُمهات من جهة أُخرى، القوّة الضاربة. واحدة منهن وقفت مع ابنها إلى النهاية وهي تندد وتطلب العون برفع صوتها كون ما جرى في حق ابنها خارج القانون حيث حدث كل شيء على نحو غير قانوني والفتية بلا محام واحد يدافع عنهم وكل التحقيقات تحصل خارج القانون نفسه. لكن لا أحد سيخرج منهم. سارت عملية التحقيق، ولعلّ من أبرزها عملية المونتاج التي حصلت في تسجيل الاعترافات تحت الضغط والترهيب، مسلمة بالإدانة وساعية إلى تثبيتها حصراً. حتى أن فرق التحقيق لم تجد من الوقت ما يكفي كي يتم التنسيق بينها كي تتخلّص من ذلك التشويش الذي من شأنه أن يضرب أي قضية في مقتل. كان الجميع قد قرّر أن يذهب الضحايا السود إلى السجن. وهو ما حصل.
لا ضير هنا من قول إن لا أحد سيخرج منهم إلا بعد قضاء سنوات طويلة في السجن وصلت إلى 12 سنة، وكانت في حق أكبرهم سنّا (كوري وايز 16 عاماً). سيخرجون من السجن فقط عندما يعترف مرتكب الجريمة نفسه، وهو مُغتصب متسلسل، بتنفيذها ويتم التأكد من ذلك بعد مقارنه حمضه النووي. خرجوا من السجن وقد تغيّرت حياتهم إلى الأبد ومليئة بالجراح. صحيح أن الضحايا الخمسة رفعوا قضية تعويض وحصلوا من بعدها على مبلغ يوازي 41 مليون دولار، لكن أي مبلغ من شأنه أن يعمل على تعويضهم على سنوات السجن القاسية والعُمر الذي مضى؟