08 نوفمبر 2024
عندما يتجدّد الصراع بين المغرب وإيران
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
تشهد العلاقات المغربية الإيرانية حالة نادرة من الصدام السياسي، بدأت مع القطيعة الأولى في العام 1980، ودامت أزيد من عشر سنوات، بعد اعتراف إيران بالجمهورية العربية الديمقراطية الصحراوية، في رد فعل على استضافة المغرب شاه إيران بعد الثورة، ووقوف الرباط إلى جانب بغداد في الحرب العراقية الإيرانية. ثم في بداية التسعينيات، فُتحت القنوات الدبلوماسية؛ بشكل تدريجي بين البلدين، قبل أن يتجدّد الصدام محدثا قطيعة ثانية؛ في مارس/ آذار عام 2009، بسبب تضامن المغرب مع مملكة البحرين. إضافة إلى وقوفه على أنشطة للبعثة الدبلوماسية الإيرانية، ترمي الإساءة إلى المقومات الدينية الجوهرية للبلاد، وتمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي ووحدة عقيدته. وفي عزّ استمرار الخناق على إيران، اتخذت الرباط أواخر سنة 2016 قرار استئناف العلاقات مع طهران، بعد سبع سنوات من القطيعة. وفق شروط متبادلة، أساسها احترام السيادة الوطنية لكل من البلدين، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، لكن الأمور سرعان ما ستعود إلى نصابها، والنصاب هنا عداء تاريخي ومذهبي، لم تزده السنوات والتطورات الإقليمية والدولية إلا استفحالا.
مطلع شهر مايو/ أيار الجاري، يقطع المغرب للمرة الثالثة علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ بعد أقل من عامين على استئنافها، بناءً على معلومات استخباراتية تفيد بأن إيران تخطت مسألة "الأمن الروحي" للمغاربة الذي كان خطا أحمر، نحو تهديد "الأمن القومي" للبلاد، في إقدام أعضاء من حزب الله على القيام بأنشطة ذات طابع عسكري لصالح جبهة بوليساريو، بتنسيق وتعاون مع السفارة الإيرانية في الجزائر. وقرار الرباط المفاجئ، بعد زيارة سريعة قام بها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لطهران، من دون أن يسبقه تشنج في العلاقات، أو أي مؤشر يدل على أزمة بين الطرفين.
يرى بعضهم أن الأمر مجرد تنفيذ تعليمات خارجية، من باب انخراط المغرب في الحملة
الدولية المحمومة ضد إيران، استعدادا لتنفيذ مخطط كبير في الشرق الأوسط، يتم تحضيره بتنسيق أميركي إسرائيلي بمعية دول خليجية. وفي المقابل، يعتبر كثيرون أن هناك معطيات صلبة وراء اتخاذ قرار من هذه الطبيعة، فالدبلوماسية المغربية تجاوزت مرحلة الإملاءات في السنوات الأخيرة. وخير دليل هو توقيت إعادة العلاقات بين البلدين (أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، في أثناء حملة مقاطعة عربية لإيران، بسبب اعتداء على السفارة السعودية في طهران.
ويفرض فهم أعمق لتطورات الأزمة الدبلوماسية المفاجئة بين الرباط وطهران استحضار جملة من الوقائع ضمن عناصر التحليل، منها: واقعة تسليم رجل الأعمال اللبناني/ السيراليوني المقرب من قيادة حزب الله، قاسم تاج الدين، إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد اعتقاله السنة الماضية في مطار محمد الخامس في الدار البيضاء؛ قادما من غينيا في طريقه إلى لبنان، بناء على مذكرة توقيف دولية صادرة عن الشرطة الدولية (الإنتربول). الصراع التجاري في منطقة غرب أفريقيا؛ التي تعد أحد معاقل إمبراطورية التجار الموالين والداعمين لحزب الله، ممن تكبدوا خسائر فادحة جرّاء الحضور الاقتصادي القوي والمتزايد للمغرب في هذه المنطقة التي احتكروها لأنفسهم عقودا. الصراع الديني والتنافس على الرمزيات دفع طهران إلى التعبير عن امتعاضها من السياسة الدينية للمغرب في العمق الأفريقي، بعد إنشاء مؤسسة محمد السادس لعلماء أفريقيا، والتي وضعت من أهدافها مقاومة التشيّع والتحول المذهبي الذي تشجعه مؤسسات إيرانية ولبنانية، تدفع أموالا وتقدم خدمات لاستمالة المسلمين الأفارقة الفقراء، وتشجيعهم على تغيير عقيدتهم السنية الأشعرية أو السلفية، وإعلان الولاء للمراجع الشيعية في قم.
دفعت هذه الوقائع إيران إلى تحريك حزب الله للعمل نيابة عنها في هذه المنطقة، مستغلة المستوى الجيد لعلاقاتها مع الجزائر، لكي تصنع لنفسها مكانا في شمال أفريقيا، بعدما قوّضت بأذرعها؛ ومن خلال وكلائها المحليين، أربع دول عربية في المشرق. بيد أنها منحت، من حيث لا تدري، الديبلوماسية المغربية التي أمضت شهرا على إيقاع الترقب والخوف من متغيرات
ملف قضية الصحراء في دهاليز مجلس الأمن، هدية نفيسة لا تقدّر بثمن. ما على المغرب سوى العمل على حسن استغلالها، وتسويقها وفق ما يخدم مصالحه على الصعيد الدولي.
تكشف رواية الخارجية المغربية عن خطورة تحركات حزب الله العسكرية التي تجاوزت حدود الشرق الأوسط (لبنان، سورية، العراق،...)، لتبحث لها عن موطئ قدم في شمال أفريقيا، عبر بوابة نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر. وبذلك ترفع الرباط من أسهمها في بورصة التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب والتطرّف، وتدعو ضمنيا شركاءها الدوليين؛ الأوروبيين خصوصا، للتصدّي لمشروع زعزعة الأمن القومي للمغرب، ومحاولة حزب الله (إيران) فتح ملحقة جديدة له على أبواب القارة العجوز.
تجد الجزائر نفسها في مأزق مزدوج، فلا هي قادرة على الإقرار بأنها سمحت لحزب الله بالدخول إلى منطقة شمال أفريقيا بموافقتها، لأن الأمر بمثابة محاولة لتغيير قواعد اللعب في المنطقة، وإضافة توتر جديد إلى القائم في ليبيا منذ سنوات، وفي ذلك مسٌّ خطير بمنظومة الأمن الإقليمي. وفي المقابل، ليس في وسع الجزائر نفي علمها بالوقائع، فذلك يحولها إلى "دولة مخترقة أمنيا"، ما يعني أن درجات الاستناد عليها إقليميا سوف تتقلص، وربما ينخفض التعاون الأمني الدولي معها إلى حدوده الدنيا. وهذا ليس في صالح دولة جامدة، تبحث عن تجديد الشرعية؛ في سياق إقليمي متغير، لم تقو على مسايرته منذ 2011.
تُتاح مجددا فرصة للمغرب قصد إقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيته، وضرورة إيجاد حل عاجل ونهائي للنزاع المفتعل في الصحراء، قبل أن تتحول المنطقة إلى بؤرة لاستقطاب وكلاء القوى الدولية، والتنظيمات المتطرّفة العابرة للحدود، الرامية إلى زعزعة استقرار منطقة حوض الأبيض المتوسط.
مطلع شهر مايو/ أيار الجاري، يقطع المغرب للمرة الثالثة علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ بعد أقل من عامين على استئنافها، بناءً على معلومات استخباراتية تفيد بأن إيران تخطت مسألة "الأمن الروحي" للمغاربة الذي كان خطا أحمر، نحو تهديد "الأمن القومي" للبلاد، في إقدام أعضاء من حزب الله على القيام بأنشطة ذات طابع عسكري لصالح جبهة بوليساريو، بتنسيق وتعاون مع السفارة الإيرانية في الجزائر. وقرار الرباط المفاجئ، بعد زيارة سريعة قام بها وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لطهران، من دون أن يسبقه تشنج في العلاقات، أو أي مؤشر يدل على أزمة بين الطرفين.
يرى بعضهم أن الأمر مجرد تنفيذ تعليمات خارجية، من باب انخراط المغرب في الحملة
ويفرض فهم أعمق لتطورات الأزمة الدبلوماسية المفاجئة بين الرباط وطهران استحضار جملة من الوقائع ضمن عناصر التحليل، منها: واقعة تسليم رجل الأعمال اللبناني/ السيراليوني المقرب من قيادة حزب الله، قاسم تاج الدين، إلى الولايات المتحدة الأميركية، بعد اعتقاله السنة الماضية في مطار محمد الخامس في الدار البيضاء؛ قادما من غينيا في طريقه إلى لبنان، بناء على مذكرة توقيف دولية صادرة عن الشرطة الدولية (الإنتربول). الصراع التجاري في منطقة غرب أفريقيا؛ التي تعد أحد معاقل إمبراطورية التجار الموالين والداعمين لحزب الله، ممن تكبدوا خسائر فادحة جرّاء الحضور الاقتصادي القوي والمتزايد للمغرب في هذه المنطقة التي احتكروها لأنفسهم عقودا. الصراع الديني والتنافس على الرمزيات دفع طهران إلى التعبير عن امتعاضها من السياسة الدينية للمغرب في العمق الأفريقي، بعد إنشاء مؤسسة محمد السادس لعلماء أفريقيا، والتي وضعت من أهدافها مقاومة التشيّع والتحول المذهبي الذي تشجعه مؤسسات إيرانية ولبنانية، تدفع أموالا وتقدم خدمات لاستمالة المسلمين الأفارقة الفقراء، وتشجيعهم على تغيير عقيدتهم السنية الأشعرية أو السلفية، وإعلان الولاء للمراجع الشيعية في قم.
دفعت هذه الوقائع إيران إلى تحريك حزب الله للعمل نيابة عنها في هذه المنطقة، مستغلة المستوى الجيد لعلاقاتها مع الجزائر، لكي تصنع لنفسها مكانا في شمال أفريقيا، بعدما قوّضت بأذرعها؛ ومن خلال وكلائها المحليين، أربع دول عربية في المشرق. بيد أنها منحت، من حيث لا تدري، الديبلوماسية المغربية التي أمضت شهرا على إيقاع الترقب والخوف من متغيرات
تكشف رواية الخارجية المغربية عن خطورة تحركات حزب الله العسكرية التي تجاوزت حدود الشرق الأوسط (لبنان، سورية، العراق،...)، لتبحث لها عن موطئ قدم في شمال أفريقيا، عبر بوابة نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة بوليساريو المدعومة من الجزائر. وبذلك ترفع الرباط من أسهمها في بورصة التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب والتطرّف، وتدعو ضمنيا شركاءها الدوليين؛ الأوروبيين خصوصا، للتصدّي لمشروع زعزعة الأمن القومي للمغرب، ومحاولة حزب الله (إيران) فتح ملحقة جديدة له على أبواب القارة العجوز.
تجد الجزائر نفسها في مأزق مزدوج، فلا هي قادرة على الإقرار بأنها سمحت لحزب الله بالدخول إلى منطقة شمال أفريقيا بموافقتها، لأن الأمر بمثابة محاولة لتغيير قواعد اللعب في المنطقة، وإضافة توتر جديد إلى القائم في ليبيا منذ سنوات، وفي ذلك مسٌّ خطير بمنظومة الأمن الإقليمي. وفي المقابل، ليس في وسع الجزائر نفي علمها بالوقائع، فذلك يحولها إلى "دولة مخترقة أمنيا"، ما يعني أن درجات الاستناد عليها إقليميا سوف تتقلص، وربما ينخفض التعاون الأمني الدولي معها إلى حدوده الدنيا. وهذا ليس في صالح دولة جامدة، تبحث عن تجديد الشرعية؛ في سياق إقليمي متغير، لم تقو على مسايرته منذ 2011.
تُتاح مجددا فرصة للمغرب قصد إقناع المجتمع الدولي بعدالة قضيته، وضرورة إيجاد حل عاجل ونهائي للنزاع المفتعل في الصحراء، قبل أن تتحول المنطقة إلى بؤرة لاستقطاب وكلاء القوى الدولية، والتنظيمات المتطرّفة العابرة للحدود، الرامية إلى زعزعة استقرار منطقة حوض الأبيض المتوسط.
محمد طيفوري
كاتب وباحث مغربي في كلية الحقوق في جامعة محمد الخامس في الرباط. عضو مؤسس ومشارك في مراكز بحثية عربية. مؤلف كتاب "عبد الوهاب المسيري وتفكيك الصهيونية" و "أعلام في الذاكرة: ديوان الحرية وإيوان الكرامة". نشر دراسات في مجلات عربية محكمة.
محمد طيفوري
مقالات أخرى
23 أكتوبر 2024
11 أكتوبر 2024
22 سبتمبر 2024