29 سبتمبر 2017
عندما ترفع الكنائس الأذان
منذ أن أصبح الأذان تقليداً إسلامياً، وصل إلى اعتباره سنةً، جرت نقاشات حول الوسيلة التي يُرفع بها لإقامة الصلوات، فقد ذكرت أخبار الأولين أن المسلمين فكّروا، في أيام الرسول، في استخدام الناقوس الذي استخدمه المسيحيون. وكان حلماً لأحد الصحابة قصّه على الرسول، عن رؤيته راهباً مسيحياً يحمل ناقوساً، وطلب الصحابي منه شراء الناقوس، لاستخدامه للدعوة إلى الصلاة، فنصحه الراهب بالنداء بالصوت بدلاً من الناقوس. واستحسن الرسول الفكرة، وطلب من الصحابي أن يدعو بلالاً الحبشي لرفع الأذان، لأن صوته أندى وأعذب. وهكذا، جرت السنة لإقامة الصلاة برفع الأذان. وكان الرسول وأصحابه، فيما لحق من الزمان، يعبرون عما هو مستحب، وما هو مكروه، في رفع الأذان، ومن ذلك أن لا يعلو الصوت لكي لا يؤذي النائمين من المرضى والعجائز والأطفال، وأن لا يتضارب رفع الأذان في مسجد مع رفعه في مساجد أخرى قريبة في المنطقة الواحدة. واليوم ومع تطور الحياة البشرية، وانتشار التكنولوجيا التي تسمح للناس بمعرفة مواقيت الصلاة من غير حاجةٍ ملحةٍ لرفع الأذان من المساجد، عبر المكبرات المضخمة للصوت، بشكلٍ قد ينفر الناس من الأذان، صار لزاماً على المسلمين أن يجدوا الوسائل التي تجعل الأذان مقبولاً للسمع وللنفوس.
لا يأتي القرار الذي أرادت إسرائيل، أخيراً، أن تجعله قانونياً، لمنع مساجد المسلمين في القدس، وغيرها من المدن الفلسطينية داخل الدولة، من رفع الأذان، من الحيثيات التي كانت موضع جدل لدى المسلمين، بقدر ما تنطلق من دوافع عنصرية دينية وقومية، وتعبّر تعبيراً واضحاً عن سياسةٍ استبداديةٍ ضد ثقافة غير اليهود في فلسطين، وحريتهم في التعبير عن ثقافتهم وتقاليدهم الدينية. والتحالف الذي أظهره الفلسطينيون المسيحيون مع أبناء وطنهم من المسلمين برفع الأذان من الكنائس، ورفع أعضاء عرب فلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي الأذان من على منبر الكنيست تبدو مثيرةً للضحك، ولا تتجاوز التضامن ذا الطابع الفولكلوري السطحي الذي لم يتطوّر، ليبلغ عمقاً سياسياً، يتطور إلى حملة حقيقية في الصراع مع عنصرية الدولة التي تعمل على تأكيد يهوديتها، وإقصاء الأطياف الأخرى من مسلمين ومسيحيين.
تبقى المواجهة الفلسطينية قاصرة في التعاطي مع هذا القانون الإسرائيلي، وكشف أبعاده العنصرية ضد ما تسمى الأقليات غير اليهودية داخل دولة إسرائيل. تضعنا ردة الفعل الفلسطينية اليوم أمام مشهد ركيك السيناريو والإخراج، ويذكّرنا دائماً بالمشهد الركيك الذي طالما تكرّر في الأفلام الوثائقية الفلسطينية، والأفلام العربية عموماً، التي لم يخل شريط الصوت فيها من تسجيلات الأذان، وقرع أجراس الكنائس في نهايات الأفلام، لإظهار وحدة الشعب أمام العدو القومي الخارجي، خصوصاً العدو الإسرائيلي، في الوقت الذي يعلم الناس أن المجتمعات تلك تنخرها مخاوف الإقصاء فيما بينها، فقد أصبح المسيحيون في فلسطين اليوم أقلية بالفعل والواقع، بسبب الرعب الذي يحمله انبعاث الأصولية الإسلامية في فلسطين والمحيط العربي ودول الجوار في إيران وتركيا.
في فلسطين يوجد يهود لا تربطهم علاقة لا فقهية ولا فكرية بدولة إسرائيل، فالسامريون الذين يعيشون في نابلس جزء من النسيج المجتمعي الفلسطيني، ويحملون هويات السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أنهم أصغر أقلية دينية في العالم، إلاّ أنهم جزء من هذا الشعب، وكذلك الأمر في القدس الغربية، فإن طائفة ناتوري كارتا من اليهود لا يعترفون بدولة إسرائيل، فقهياً وسياسياً، ويعتبرون أنفسهم فلسطينيين، ويعترفون بمنظمة التحرير والسلطة الوطنية ممثلاً لهم، فلماذا لم يأخذ القائمون على حملة التصدّي للقرار الإسرائيلي منع الأذان هؤلاء الفلسطينيين اليهود بالحسبان، ليكونوا جزءاً من حملة التصدي، لكي تأخذ طابعاً وطنياً وليس دينياً، تعمل إسرائيل، بسياستها المبرمجة جدياً، لجعله يبدو كذلك؟
لا يأتي القرار الذي أرادت إسرائيل، أخيراً، أن تجعله قانونياً، لمنع مساجد المسلمين في القدس، وغيرها من المدن الفلسطينية داخل الدولة، من رفع الأذان، من الحيثيات التي كانت موضع جدل لدى المسلمين، بقدر ما تنطلق من دوافع عنصرية دينية وقومية، وتعبّر تعبيراً واضحاً عن سياسةٍ استبداديةٍ ضد ثقافة غير اليهود في فلسطين، وحريتهم في التعبير عن ثقافتهم وتقاليدهم الدينية. والتحالف الذي أظهره الفلسطينيون المسيحيون مع أبناء وطنهم من المسلمين برفع الأذان من الكنائس، ورفع أعضاء عرب فلسطينيين في الكنيست الإسرائيلي الأذان من على منبر الكنيست تبدو مثيرةً للضحك، ولا تتجاوز التضامن ذا الطابع الفولكلوري السطحي الذي لم يتطوّر، ليبلغ عمقاً سياسياً، يتطور إلى حملة حقيقية في الصراع مع عنصرية الدولة التي تعمل على تأكيد يهوديتها، وإقصاء الأطياف الأخرى من مسلمين ومسيحيين.
تبقى المواجهة الفلسطينية قاصرة في التعاطي مع هذا القانون الإسرائيلي، وكشف أبعاده العنصرية ضد ما تسمى الأقليات غير اليهودية داخل دولة إسرائيل. تضعنا ردة الفعل الفلسطينية اليوم أمام مشهد ركيك السيناريو والإخراج، ويذكّرنا دائماً بالمشهد الركيك الذي طالما تكرّر في الأفلام الوثائقية الفلسطينية، والأفلام العربية عموماً، التي لم يخل شريط الصوت فيها من تسجيلات الأذان، وقرع أجراس الكنائس في نهايات الأفلام، لإظهار وحدة الشعب أمام العدو القومي الخارجي، خصوصاً العدو الإسرائيلي، في الوقت الذي يعلم الناس أن المجتمعات تلك تنخرها مخاوف الإقصاء فيما بينها، فقد أصبح المسيحيون في فلسطين اليوم أقلية بالفعل والواقع، بسبب الرعب الذي يحمله انبعاث الأصولية الإسلامية في فلسطين والمحيط العربي ودول الجوار في إيران وتركيا.
في فلسطين يوجد يهود لا تربطهم علاقة لا فقهية ولا فكرية بدولة إسرائيل، فالسامريون الذين يعيشون في نابلس جزء من النسيج المجتمعي الفلسطيني، ويحملون هويات السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أنهم أصغر أقلية دينية في العالم، إلاّ أنهم جزء من هذا الشعب، وكذلك الأمر في القدس الغربية، فإن طائفة ناتوري كارتا من اليهود لا يعترفون بدولة إسرائيل، فقهياً وسياسياً، ويعتبرون أنفسهم فلسطينيين، ويعترفون بمنظمة التحرير والسلطة الوطنية ممثلاً لهم، فلماذا لم يأخذ القائمون على حملة التصدّي للقرار الإسرائيلي منع الأذان هؤلاء الفلسطينيين اليهود بالحسبان، ليكونوا جزءاً من حملة التصدي، لكي تأخذ طابعاً وطنياً وليس دينياً، تعمل إسرائيل، بسياستها المبرمجة جدياً، لجعله يبدو كذلك؟