عندما تتوه بين عَلَمين

01 يناير 2015
ومنهم من تهرّب من الرد (أ.ف.ب)
+ الخط -

كانت القضية الفلسطينيّة منذ 66 عامًا قضية العرب الأكبر والأعقد، لكن اليوم لم يقتصر الأمر عليها، بل استجدت قضايا عدة، سياسية واقتصادية واجتماعية نافست هذه القضية، وربما ساوتها ليس في خطورتها، بل في تأثيراتها النفسية والوجودية، وأقصد هنا أزمة الثورة السورية بالطبع، وما يحصل فيها من محو هوية لمجتمع بأكلمه وتشتيت ديمغرافي لملايين البشر.

إحدى الأزمات والنقاط الخلافية بين السوريين اليوم، هي حول عَلمهم، وهو ما يمكن القول على إثره إن نسيج الهوية السورية بات يعاني تشرذماً واضحاً. ومثالنا على ذلك ما حصل في برنامج الهواة "محبوب العرب" "Arab Idol"، خصوصاً بعد فوز المشترك السوري حازم شريف بلقب هذا الموسم، فلم نره يرفع علم بلاده، فتعدّدت الأسئلة عن السبب، وتعدّدت معها الأجوبة، وعلقت الصحافة في اليوم التالي أنّه على عكس المشتركين الآخرين، والفائزين في الموسمين الأول والثاني، لم يرفع شريف علم بلاده، وأي علم سيرفع؟ فهل علم النجمتان علم سورية اليوم؟ أم علم النجوم الثلاث؟ فأين دلالة العلم الوطنية وحُرمته ومكانته وقدسيته؟

قال شريف رداً على سؤال عن عدم رفع علم بلاده: "غنيت لسورية ولكل سوري، عمري 21 سنة، ولا أريد لفني أن يرتبط بالسياسة". وذكرت مصادر صحافية أيضاً أنّ الأمن في المسرح حرص على عدم إدخال أيّ علم إلى الاستوديو، خصوصاً السوري، منعاً لأيّ خلاف محتمل بين الجمهور المنقسم بين معارض وموال للنظام.

أما بالنسبة للشباب السوريين المهجرين في بيروت، فاختلفت الأجوبة وتعارضت، ومنهم من تهرّب من الردّ، باعتبارهم هذا الموضوع، بحسب رأيهم، أمراً سياسياً، لا يستطيعون البوح بأيّ رأي، وهم في ذلك صادقون، لأن ما أدراكم ما السياسة وتبعاتها ومشكلاتها في سورية مع نظام قمع السياسة طوال أربعين عاماً، فنشأ جيل كامل، أو أجيال سورية تخاف السياسة وتهرب منها، وكان سؤالنا لهم إن أنتم لم تتدخلوا في السياسة فلمن ستتركون أمر البلد والمجتمع؟

من جهته، أبدى الطالب عمران عبد الرازق الحبّال، طالب إدارة سنة ثانية في جامعة بيروت العربية، رأيه موضّحاً أنّ ما قام به حازم شريف "عمل صائب لا يشوبه أيّ عيب أو خطأ"، معلّلاً ذلك بأنّه "بسبب الأوضاع الحاليّة، ظهرت أعلام عدة في سورية، وأيّ علم سيرفعه المشترك من المحتمل أن يؤثّر في مسيرته الفنيّة لاحقاً"، وبهذا العمل، بحسب عمران، "التزم شريف الحياد ولم يدخل في مواضيع سياسيّة، ولم يؤثّر بالتالي في موضوع الانتماء أو الهويّة"، أي أن موقف الحياد السلبي والقضايا الشخصية والمسار الفني باتت اليوم أهم من الانتماء والهوية والوطنية والموقف الواضح من هذه المواضيع.

أما بالنسبة إلى بعض طلبة الحقوق الذين تردّدوا في البداية بالردّ على سؤالنا، فيبدو الأمر مختلفاً ومغايراً، وظهرت عليهم ملامح الخوف والارتباك من أن يصل كلامهم إلى النظام السوري وأجهزته الأمنية، معتبرين أنّ ما فعله حازم شريف عمل غير صائب، معلّلين ذلك بأنه "على الرغم من تعدّد الأعلام في سورية، إلا أنه كان من المستحب أن يعبّر المشترك عن انتمائه، ولن يؤثر ذلك في مساره الفني ومستقبله، بل على العكس اللاانتماء بالمطلق يدمر الفنان والإنسان بشكل عام ويشتته".

طلبة آخرون اعتبروا أن رفع العلم في الإجمال ليس مرتبطاً لا بالانتماء ولا بالهوية، ومنهم من لم ينتبه إلى عدم رفع شريف العَلم السوري.

ويبقى العلم ليس رهين لون أو تيار، ولا حتى متعلقا بمن حمله ومن عزف عن ذلك، بل وقبل أي شيء، العلم هو بما يحمل من دلالة وما يعني بالنسبة للناس.

المساهمون