دخلت المنافسة بين الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، ورئيس أركان الجيش السابق، سامي عنان، مرحلة جديدة وفريدة من نوعها من صراع قيادات الجيش على المناصب والنفوذ، بعدما أعلن عنان في ساعة مبكرة من صباح أمس، رغبته في الترشح للرئاسة، بخطاب بثّه عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، وجّه فيه انتقادات لاذعة لتعامل السيسي مع الجيش واعتماده الكلي عليه، وإهمال القوة المدنية للدولة المصرية، وتعامله مع ملفات الأرض والثروة، في إشارة لتنازله عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ووصفه بأنه "مجرّد مرشح للرئاسة"، داعياً الأجهزة الحكومية لالتزام الحياد في المعركة الانتخابية.
وقبل إعلان عنان هذه الخطوة بساعات معدودة، كان السيسي قد تحدّث في ختام مؤتمر "حكاية وطن" الذي نظمته رئاسة الجمهورية والجيش والحكومة على مدار 3 أيام لإعلان ترشح السيسي لفترة رئاسية جديدة، عن أنه "سيمنع أي فاسد من الاقتراب من كرسي الحكم". وعلى الفور فسّر عدد من المسؤولين العسكريين والحكوميين الذين حضروا المؤتمر كلام السيسي أنه رسالة تهديد لعنان.
ولا يبدو عنان الشخص الذي يقبل بأداء دور "الكومبارس" في الانتخابات المقبلة ضد السيسي، فهو ما زال يرى أنه كان الأجدر منه بتولي منصب القائد العام للجيش في 2012، بعد الإطاحة بالمشير حسين طنطاوي، ويرى أن الأخير لعب دوراً سلبياً لتمكين السيسي من السيطرة على الجيش بعدما كان هو صاحب الكلمة الأولى عملياً فيه. كما أنّ السيسي لا يطمئن كثيراً لتحركات عنان واستعداده للتواصل مع تيارات ترى أنها تعرضت للظلم والاستبعاد بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، لا سيما السلفيين.
ويتكامل مشهد إصرار عنان على المنافسة مع مشهد تهديد السيسي العلني له للمرة الأولى، لتكوين صورة واضحة ونادرة الحدوث لصدام ظاهر للعيان بين أجنحة داخل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية في الدولة المصرية، وربما بين بعض تلك الأجهزة، مع الأخذ في الاعتبار حدوث ذلك كله بعد أقل من 24 ساعة من إعلان الرئاسة المصرية رسمياً عزل مدير الاستخبارات السابق خالد فوزي، وتكليف مدير مكتب السيسي اللواء عباس كامل بإدارة الاستخبارات، مما يعني تبعيتها المباشرة حالياً لرئيس الجمهورية.
وأكد هذا التتابع، الرواية التي أجمعت عليها مصادر "العربي الجديد"، والتي تفيد أنّ السيسي علم منذ فترة، بواسطة الاستخبارات الحربية، بتفاصيل اتصالات سرية بين عدد من وكلاء جهاز الاستخبارات العامة وعنان، لدفعه لإعلان ترشحه للرئاسة نكاية في السيسي، محاولين تكدير الوضع السياسي المستقر والانتخابات غير التنافسية المرتقبة، وذلك قبل إعلان أمين عام حزب عنان "مصر العروبة الديمقراطي" ترشيحه للرئاسة بأيام عدة. لكن عنان علم من وكلاء الاستخبارات الذين يتعامل معهم، أن السيسي رصد الاتصالات، مما جعله يختار طريقة الإعلان التدريجي و"التجريبي" لرغبته في الترشح، ليس على لسانه أو لسان نجله سمير، الذي يعتبر الذراع اليمنى له في العمل العام.
وقالت مصادر مقربة من عنان في القاهرة لـ"العربي الجديد" إن الأخير "ينوي منافسة السيسي فعلياً، وأجرى اتصالات بأجهزة ودوائر حكومية وأمنية، وكذلك بعض الأحزاب، لجسّ نبضها واستطلاع رأيها في ترشحه، قبل اتخاذ أي خطوة إجرائية للترشّح، وأنه حصل على تطمينات من أجنحة قوية داخل جهاز الاستخبارات العامة، ووعوداً من بعض القطاعات في الجيش، بالمساعدة. كما تحدث بشكل مباشر مع عدد من الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين الحاليين والسابقين وأطلعهم على خطته لمنافسة السيسي".
وأكدت المصادر أيضاً أن "اتصالات عنان بكل من الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، والكاتب الأكاديمي، حازم حسني، لضمهما لمشروعه الرئاسي، بدأت منذ 3 أشهر تقريباً، وأن كليهما قبل التعاون معه، رغم اعتراضهما السابق على ترشيح شخصيات عسكرية لرئاسة الجمهورية، نظراً لأنه بدا الشخصية الوحيدة القادرة على مزاحمة السيسي، خصوصاً بعدما تبيّن عدم جدية رئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، في منافسة رئيس الجمهورية الحالي".
وأوضحت المصادر أيضاً، أن "الأجنحة الاستخباراتية والحكومية الداعمة لعنان، تواصلت بالنيابة عنه مع عدد من رجال الأعمال الذين كانوا منتمين للحزب الوطني المنحلّ في محافظات الدلتا والصعيد، وطلبت منهم سرعة حشد المواطنين بواسطة الأموال، لاستكمال التوكيلات الشعبية اللازمة لترشح عنان للرئاسة"، مشددةّ على أن "رجال الأعمال هؤلاء ليسوا من رموز الصف الأول من فلول الوطني، ولكنهم من الصفين الثاني والثالث، وبعضهم كان متعاوناً مع رجل الأعمال أحمد عزّ، الممنوع، حتى الآن، من ممارسة حقوقه السياسية".
لكن المشاكل التي تنتظر عنان متنوعة، أبرزها أنه يعتبر، حتى الآن، ضابطاً عسكرياً تحت الاستدعاء، بموجب قرار أصدره طنطاوي عام 2011 ويقضي باستمرار اعتبار أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضباطاً تحت الاستدعاء في أي لحظة، باعتبارهم خبرات يمكن الاستفادة منها، وهو قرار كان يهدف في حقيقته لإضفاء حماية قانونية على أعضاء المجلس العسكري من أي محاسبة مستقبلية أمام القضاء العادي، ومن ثمّ إحالة كل المساءلات الممكنة ضدهم إلى القضاء العسكري.
وشرحت المصادر، أنه وفقاً لهذا القرار الساري على عنان وغيره من أعضاء المجلس العسكري السابقين والحاليين، فإنه لا بدّ من حصوله على إذن بالترشح لمنصب عام، من إدارة شؤون الضباط في وزارة الدفاع، أو من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يسيطر السيسي ووزير دفاعه، صدقي صبحي، عليهما بالكامل حالياً، بعد الإطاحة بجميع القادة الأكبر من السيسي سناً بحلول العام الماضي، عدا رئيس الأركان الحالي، محمد فريد حجازي، الموالي للسيسي. وكان آخر من تمت الإطاحة بهما الفريق عبد المنعم التراس، خليفة عنان في سلاح الدفاع الجوي.
وبالتالي، فإنّ عنان يرغب حالياً في الإسراع بجمع التوكيلات المطلوبة واستيفاء جميع شروط ترشحه، ثمّ إحراج وزارة الدفاع والمجلس العسكري بمطالبتهم رسمياً بإذن الترشح. فإذا تم قبول طلبه، فسيكون قاب قوسين من منافسة السيسي. أمّا إذا تم رفض الطلب – وهذا ما ترجحه المصادر القريبة من عنان نفسه - فسيؤدي ذلك لإحراج سياسي وعسكري غير مسبوق للوزير ورئيس الجمهورية، أمام قادة وأفراد الجيش قبل المواطنين المدنيين.
أما المشكلة الثانية، فهي استمرار تهديد عنان عبر بعض الإعلاميين من مغبة الترشّح في ظل وجود بلاغات قديمة ضده منذ كان عضواً بالمجلس العسكري، بشأن وقائع فساد مالي واتجار في أراضي الدولة وتربّح من عمليات تسقيع وبيع أراضي مميزة، كانت قد خصّصت له بصفته الوظيفية. وتوضح المصادر أنّ "بعض هذه البلاغات قدّمت ضد عنان، وهو في الخدمة، وأحيلت جميعها للقضاء العسكري. كما تمّ تقديم بلاغات بعد عزله من منصبه في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وأحيلت أيضاً للجهة نفسها".
وحتى الآن، لم يصدر أيّ حكم قضائي ضد عنان يمنعه من الترشح، بل ولم تفتح التحقيقات في أي من تلك البلاغات، إلاّ أنّ استغلالها إعلامياً قد يؤدي لإحراج عنان والإطاحة به، وهو ما يخشاه أيضاً. لكن على ما يبدو، فإنه يعقد العزم على عدم التراجع حتى في هذه الحالة، وأنه لم يعلن سلفاً نيته للترشح تخوفاً من فتح أي تحقيقات أو إحالته لأي محاكمة قبل ذلك، فتجهض تجربته، ويُحرم من مواجهة وزارة الدفاع بمطالبتها بإذن الترشح للرئاسة.
يذكر أن عنان قد أعلن نيته الترشح عام 2014، لكنه تراجع بتهديدات ووساطات قبيل خوض السيسي الانتخابات ضدّ المرشح الناصري حمدين صباحي وحده. إلاّ أنّ عنان لم يستفد عملياً بأي شيء من تراجعه عام 2014، لأن حزبه ظلّ مهمشاً كما بقي هو مهدداً من قبل أجهزة السيسي.
وفي خطاب إعلان ترشحه رسمياً، مساء الجمعة، هاجم السيسي، عنان، من دون أن يسميه، قائلاً "لن أسمح للفاسدين بالاقتراب من هذا المنصب، لأمانة المسؤولية، واللي هايقرّب منهم لكرسي الرئاسة يحذر مني... وأنا عارف الفاسد مين، وهاعرفكم كويس... يبقى أنا عارف إنه كان حرامي، وفاسد، وأسيبه... مصر أعزّ وأشرف وأكبر من أن يتولاها ناس فاسدون".
في المقابل، دعا عنان، في بيان ترشحه، مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، إلى الوقوف على الحياد في السباق الرئاسي، عازياً قراره بالترشح إلى تردي أوضاع الشعب المصري، والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، نتيجة سياسات خاطئة حمّلت القوات المسلحة وحدها مسؤولية الإدارة، من دون تمكين القطاع الخاص من القيام بدوره في تسيير أمور الدولة.
واشترطت الهيئة الوطنية للانتخابات، تقدّم راغب الترشح، إمّا بـ25 ألف توكيل شعبي من المواطنين، أو تزكية 20 برلمانياً، وإقرار أنه مصري، ولا يحمل هو أو أي من والديه، أو زوجه، جنسية دولة أجنبية، وشهادة بأنه أدى الخدمة العسكرية، أو أعفي منها طبقاً للقانون، وإقرار للذمة المالية، وهو ما لم يُعلن عنه السيسي منذ ترشحه للولاية الأولى، بالمخالفة للدستور.