08 نوفمبر 2024
عناق الدب الأوحد
لم يعد الحديث، الآن، مجرد تكهنات أو تسريبات أو تلميحات. بات حقيقة ملموسة، لن يكون ما بعدها مماثلا ما قبلها. ليس على الصعيد السوري فحسب، بل على مستوى توازنات القوى الدولية. لم يعد التدخل العسكري الروسي في سورية مجرد فرضيات، فها هي الطائرات الروسية تصول وتجول في الأجواء السورية، وتقصف ما طاب لها من الأهداف أمام أنظار الولايات المتحدة وتحالفها الدولي الذي أطبق عامه الأول في محاربة داعش، من دون أن يحقق أي نتيجة، لا في العراق ولا سورية.
استغل الروس بالتأكيد هذه الرمزية في هذا التوقيت، للدخول على خط الحرب العالمية السورية، وليلعبوا دوراً طال انتظاره بالنسبة لهم، تحت مسمى "محاربة داعش". وهو عنوان عريض جديد ومطاط، ومفتوح على احتمالات نسبية، وتأويلات لا تعد ولا تحصى، خصوصاً بالنسبة إلى موسكو التي تتبنى، بشكل كامل، رواية النظام السوري وحلفائه. ومن هنا، تكون من السذاجة الإشارة الأميركية والفرنسية، وغيرهما من الإشارات إلى أن الغارات الروسية لم تستهدف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية، بل ضربت أهدافاً للمعارضة السورية والجيش الحر. من قال إن الروس يفرّقون بين هذا وذاك، طالما أنهم يسيرون وفق التعريف السوري الرسمي لـ "داعش". فبحسبه، كل معارض للنظام يطالب بالتغيير هو من "الإرهابيين" الذين يستحقون القتل والسحق. كان هذا الكلام قبل ظهور داعش بكثير، وحتى قبل بروز قطعة سلاح في يد أي معارض سوري. كل من يعارض إرهابي ويستحق القتل؛ كانت هذه التعليمة السورية للأنصار الإعلاميين وغيرهم من الحلفاء، ولا تزال قائمة، وبالنسبة إلى الروس هذا هو المنهج الحق الذي يجب السير عليه، أي قتل كل من هو معارض للنظام، كان من داعش أو غيرها، لا فرق، فهذه هي رؤية النظام السوري التي يطبقها الروس بحذافيرها.
ثم من كان يتوقع دقةً من الروس في غاراتهم على الأراضي السورية، ومن قال إن الروس حريصون على أرواح الأبرياء السوريين أو المقاتلين المعارضين غير المنتمين إلى داعش. هم على أراضيهم لا يقيمون وزناً لهذه المعايير، فما بالك في الأراضي الخارجية. لنتذكّر، على سبيل المثال لا الحصر، حادثتي مسرح موسكو في 2002 ومدرسة بيسلان في 2004. في الأولى، وأثناء التعاطي مع أزمة احتجاز مسلحين شيشان رهائن، أطلقت الشرطة الروسية غازاً ساماً في المسرح للانتهاء من القضية بعد مفاوضات عقيمة، فقتلت القوات الروسية 39 من المهاجمين، وما لا يقل عن 129 من الرهائن، معظمهم بفعل المادة السامة. وفي الثانية، أيضاً بعد ثلاثة أيام من المفاوضات مع مسلحين اقتحموا مدرسة في مدينة بيسلان الروسية واحتجزوا أكثر من 1100 شخصٍ. اقتحمت القوات الروسية المدرسة، مستخدمة الدبابات والأسلحة الثقيلة، وانتهت العملية بمقتل 396 رهينة على الأقلّ، من بينهم 186 طفلاً.
هذا هو المنطق الروسي في التعاطي مع الأزمات، وهو شبيه، إلى درجة كبيرة، بما يقوم به النظام السوري منذ أربع سنوات. وإذا كان هذا أسلوب موسكو في الداخل، وفي زمن "الانكفاء إلى الداخل" الذي كان قائماً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام نظام القطب العالمي الأوحد، فكيف من الممكن أن تكون عليه الأمور، بعدما وجدت موسكو الفرصة سانحة، ليس لاستعادة مرحلة الحرب الباردة والقطبين فحسب، بل ولعب دور القطب الأوحد، بعدما أخذت السياسة الأميركية في عهد باراك أوباما بالانسحاب تدريجياً من الصراعات والنزاعات الخارجية؟ هي فرصة موسكو التي لا تعوّض لإثبات أن في مقدورها ملء الفراغ الأميركي، والنجاح حيث فشل الآخرون، سواء في محاربة داعش أو في إنهاء الأزمة السورية التي تثير قلق الدول الغربية التي باتت تبحث عن حل بأي ثمن، وليكن على الطريقة الروسية.
عناق الدب الروسي كان مكلفاً داخلياً في مراحل الصعود الجديد للدولة الاتحادية، وسيكون مكلفاً جداً في زمن التمدد الإمبراطوري الساعي إلى البروز قطباً عالمياً وحيداً، لا حل من دونه.
استغل الروس بالتأكيد هذه الرمزية في هذا التوقيت، للدخول على خط الحرب العالمية السورية، وليلعبوا دوراً طال انتظاره بالنسبة لهم، تحت مسمى "محاربة داعش". وهو عنوان عريض جديد ومطاط، ومفتوح على احتمالات نسبية، وتأويلات لا تعد ولا تحصى، خصوصاً بالنسبة إلى موسكو التي تتبنى، بشكل كامل، رواية النظام السوري وحلفائه. ومن هنا، تكون من السذاجة الإشارة الأميركية والفرنسية، وغيرهما من الإشارات إلى أن الغارات الروسية لم تستهدف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية، بل ضربت أهدافاً للمعارضة السورية والجيش الحر. من قال إن الروس يفرّقون بين هذا وذاك، طالما أنهم يسيرون وفق التعريف السوري الرسمي لـ "داعش". فبحسبه، كل معارض للنظام يطالب بالتغيير هو من "الإرهابيين" الذين يستحقون القتل والسحق. كان هذا الكلام قبل ظهور داعش بكثير، وحتى قبل بروز قطعة سلاح في يد أي معارض سوري. كل من يعارض إرهابي ويستحق القتل؛ كانت هذه التعليمة السورية للأنصار الإعلاميين وغيرهم من الحلفاء، ولا تزال قائمة، وبالنسبة إلى الروس هذا هو المنهج الحق الذي يجب السير عليه، أي قتل كل من هو معارض للنظام، كان من داعش أو غيرها، لا فرق، فهذه هي رؤية النظام السوري التي يطبقها الروس بحذافيرها.
ثم من كان يتوقع دقةً من الروس في غاراتهم على الأراضي السورية، ومن قال إن الروس حريصون على أرواح الأبرياء السوريين أو المقاتلين المعارضين غير المنتمين إلى داعش. هم على أراضيهم لا يقيمون وزناً لهذه المعايير، فما بالك في الأراضي الخارجية. لنتذكّر، على سبيل المثال لا الحصر، حادثتي مسرح موسكو في 2002 ومدرسة بيسلان في 2004. في الأولى، وأثناء التعاطي مع أزمة احتجاز مسلحين شيشان رهائن، أطلقت الشرطة الروسية غازاً ساماً في المسرح للانتهاء من القضية بعد مفاوضات عقيمة، فقتلت القوات الروسية 39 من المهاجمين، وما لا يقل عن 129 من الرهائن، معظمهم بفعل المادة السامة. وفي الثانية، أيضاً بعد ثلاثة أيام من المفاوضات مع مسلحين اقتحموا مدرسة في مدينة بيسلان الروسية واحتجزوا أكثر من 1100 شخصٍ. اقتحمت القوات الروسية المدرسة، مستخدمة الدبابات والأسلحة الثقيلة، وانتهت العملية بمقتل 396 رهينة على الأقلّ، من بينهم 186 طفلاً.
هذا هو المنطق الروسي في التعاطي مع الأزمات، وهو شبيه، إلى درجة كبيرة، بما يقوم به النظام السوري منذ أربع سنوات. وإذا كان هذا أسلوب موسكو في الداخل، وفي زمن "الانكفاء إلى الداخل" الذي كان قائماً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام نظام القطب العالمي الأوحد، فكيف من الممكن أن تكون عليه الأمور، بعدما وجدت موسكو الفرصة سانحة، ليس لاستعادة مرحلة الحرب الباردة والقطبين فحسب، بل ولعب دور القطب الأوحد، بعدما أخذت السياسة الأميركية في عهد باراك أوباما بالانسحاب تدريجياً من الصراعات والنزاعات الخارجية؟ هي فرصة موسكو التي لا تعوّض لإثبات أن في مقدورها ملء الفراغ الأميركي، والنجاح حيث فشل الآخرون، سواء في محاربة داعش أو في إنهاء الأزمة السورية التي تثير قلق الدول الغربية التي باتت تبحث عن حل بأي ثمن، وليكن على الطريقة الروسية.
عناق الدب الروسي كان مكلفاً داخلياً في مراحل الصعود الجديد للدولة الاتحادية، وسيكون مكلفاً جداً في زمن التمدد الإمبراطوري الساعي إلى البروز قطباً عالمياً وحيداً، لا حل من دونه.