عملية شبعا تنهي تفاهمات 2006... وتكشف ضياع الاحتلال

29 يناير 2015
سيحول نتنياهو الكمين إلى سلاح إعلامي ودبلوماسي (فرانس برس)
+ الخط -
باغتت عملية شبعا التي نفذها حزب الله، أمس الأربعاء، وأسفرت عن سقوط عدد من الجنود الإسرائيليين (اعترف الاحتلال بمقتل اثنين فقط)، إسرائيل كلياً، وأثبتت خطأ التقديرات والتكهنات الإسرائيلية حول الرد الممكن من حزب الله واحتمالات قرب موعده، أو أن يكون بهذه القوة والقرب من الحدود الإسرائيلية.

وقد كسرت العملية، في واقع الحال، الوهم الإسرائيلي بردع قوي ومحصن تمكّن عدوان الاحتلال عام 2006 على لبنان من تثبيته على الأرض. كما بينت العملية أن الحسابات الإسرائيلية وركون الاحتلال إلى أن "انشغال حزب الله" في داخل الأراضي السورية من جهة، ورغبة إيران بالفصل بين الملف النووي وبين ما يحدث على الأرض السورية من جهة ثانية، سيحول دون إقدام الحزب على الرد على عملية القنيطرة بهذه القوة وهذه الجرأة، وخلال وقت قصير.

وعلى الرغم من أنه من المبكر الجزم، إلا أنه يمكن القول إن عملية إطلاق الصواريخ من هضبة الجولان الثلاثاء، شكلت أكبر عملية تمويه لما كان يخبئه حزب الله لإسرائيل. فقد جاءت التحليلات الإسرائيلية التي سبقت عملية شبعا لتحذر من أن إطلاق الصواريخ هو رسالة من حزب الله وإيران ينذران فيها إسرائيل من إنهاء مرحلة كون الجولان منطقة عازلة لا يطلق منها الرصاص باتجاه إسرائيل.

وقد يكون الرد الأولي على عملية القنيطرة، الذي جاء من حزب الله ومن إيران، بأنهما سيحددان الزمان والمكان المناسبين للرد على العملية، قد زاد في الوهم الإسرائيلي والتقديرات بأن الحزب غير معني بتصعيد خطير أو مواجهة في الوقت الحالي مع إسرائيل. كما عززت هذه التقديرات الاعتقاد الإسرائيلي بأن تورط الحزب في سورية، والمعارضة التي يلقاها في لبنان، لن يدفعاه إلى إطلاق عملية من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل. وهنا يبدو اختيار حزب الله لمزارع شبعا لإطلاق العملية، اختياراً موفقاً إذ يمكنه القول إنه يرد على انتهاك إسرائيلي من الأراضي اللبنانية بعد عملية تمويه شديدة الذكاء تمثلت بإطلاق الصواريخ من قلب الأراضي السورية.

وفي هذا السياق، كان لافتاً اعتراف المحلل العسكري لموقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، بأن عملية شبعا كانت في واقع الحال كميناً كلاسيكياً أعده حزب الله، لكن لم تتوفر حوله أية معلومات استخبارية. وهو ما يدلل عملياً على ضعف الادعاءات والتصريحات الإسرائيلية المتتالية بأن إسرائيل تتابع عن كثب وتراقب كل التطورات الجارية وراء الحدود.

لكن عملية شبعا من شأنها أيضاً أن تكون نقطة تحول مهمة، ليس فقط لإسقاطها كلياً تفاهمات أو "ميزان الردع" الإسرائيلي بعد العدوان على لبنان عام 2006 وصدور القرار الدولي 1701، وإنماً أيضاً لكونها تشكل تحدياً صارخاً لنتنياهو في أوج معركة انتخابية، من شأنها أن تضع الأخير أمام خيارات صعبة في كل ما يتعلق بالرد الإسرائيلي على العملية.

وعلى الرغم من أن نتنياهو اكتفى، أمس الأربعاء، بالقول إن من "تحدى إسرائيل عليه أن يتعلم مما حدث في قطاع غزة، حيث تلقت حركة حماس أقسى ضربة منذ تأسيسها"، إلا أنه لا يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يعتمد على هذه التصريحات، ولا سيما أن سقوط الجنود الإسرائيليين بعد عملية نفذها الحزب رداً على عملية القنيطرة يضع نتنياهو في موقف حرج للغاية. ويكفي هنا التذكير أن الجنرال المتقاعد، أفي غالانت، فضلاً عن عدد من ساسة إسرائيل، المنافسين لنتنياهو في المعركة الانتخابية، كانوا قد ربطوا بين عملية القنيطرة وبين الانتخابات الإسرائيلية. وذهبت تسيبي ليفني إلى حد القول إن نتنياهو مستعد لأن يخاطر ويقامر على إسرائيل مقابل ضمان بقائه في السلطة.

ومع أن الأحزاب الإسرائيلية، سارعت بعد عملية شبعا إلى إعلان تأييدها لحكومة نتنياهو، فيما استغل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان العملية للمطالبة برد حازم وقوي، تماماً كما فعل خلال العدوان على غزة، إلا أن ذلك لا يعني أن بمقدور نتنياهو الاعتماد على هذا التأييد التلقائي. فهو يعلم أن مثل هذا التأييد قد ينقلب في لحظة غضباً عليه في حال تورطت إسرائيل في مغامرة عسكرية لا يمكنها حسمها بسرعة وخلال وقت قصير.

ويمكن القول عملياً، إن حزب الله تمكن عبر العملية من أن يضع نتنياهو نفسه في موقف حرج للغاية لن يكون من السهل عليه الخروج منه. ففي حال اتجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى شنّ عدوان أو ردٍ قاس، فإن من شأن ذلك أن يصعّد من تدهور الأوضاع الأمنية والوضع الراهن إلى حرب لم يستعد لها الجيش الإسرائيلي، تماماً كما حدث في عام 2006 بعد عملية خطف الجنود الإسرائيليين من قبل حزب الله. وبالتالي أن يجرّ على إسرائيل ضغوطاً وانتقادات دولية، ولا سيما إذا ضرب الاحتلال أهدافاً مدنية. أما في حال اختار نتنياهو عدم التصعيد، فسيصوره ذلك أمم الناخب الإسرائيلي بأنه غير قادر على مواجهة حزب الله، تماماً كما فشل في المواجهة أمام حماس في عدوان الجرف الصامد.

ويعني هذا كله، أنّ ما كانت إسرائيل فعلته لحزب الله وسورية عبر سلسلة الهجمات وعمليات القصف قد ارتد في عملية شبعا على نتنياهو، وبات رئيس الوزراء الإسرائيلي في وضع لا يملك فيه مطلق الحرية في التصرف خوفاً من انفلات زمام الأمور في أوج معركة انتخابية. على الرغم من ذلك، وربما بفعل الظروف الانتخابية، فمن غير المستبعد أن يستغل نتنياهو الكمين الذي نصبه حزب الله لجنود الجيش الإسرائيلي ويحوله إلى سلاح ضد خصومه في الوسط واليسار، ويقدم على رد عسكري يحفظ له صورة "المدافع عن أمن إسرائيل وشعبها"، وسيربط نتنياهو كمين شبعا بالذكرى السنوية السبعين للمحرقة النازية التي صادفت أمس، بحسب قرار الأمم المتحدة.

وفي السياق، سيحول نتنياهو الكمين والرد على عملية القنيطرة إلى سلاح إعلامي ودبلوماسي ضد حزب الله وإيران وسورية، باعتبارهم يشكلون "المحور الشيعي المتطرف الموازي للمحور السني المتطرف الذي يمثله القاعدة وداعش".

المساهمون