لم تمضِ أكثر من 24 ساعة على إعلان الحكومة السورية المؤقتة ووزارة الدفاع فيها عن دمج "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي تجمّع فصائل للجيش الحرّ في محافظة إدلب، بـ"الجيش الوطني السوري" الذي تدعمه تركيا في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، حتى خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات قوية صباح أمس السبت عن إعطائه توجيهات لـ"إطلاق عملية عسكرية وشيكة في شرق الفرات".
كلام أردوغان الذي جاء خلال الاجتماع التشاوري والتقييمي الدوري لحزب "العدالة والتنمية" في العاصمة أنقرة، يربطه بعضهم بالإعلان المفاجئ عن دمج القوتين العسكريتين الأكبر للمعارضة السورية المسلحة، وبأنّ تركيا تريد إيصال رسالة للأميركيين مفادها أنّ قواتٍ سورية هي من ستنفذ العملية على الأرض، وقد باتت في طور الجاهزية الكاملة.
وقال أردوغان خلال كلمته: "أجرينا استعداداتنا وأكملنا خطة العملية العسكرية في شرق الفرات، وأصدرنا التعليمات اللازمة بخصوص ذلك"، لافتاً إلى استعجال بلاده بشأن تنفيذ العملية، بقوله إنها "قريبة إلى حدّ يمكن القول إنها اليوم أو غداً". وأضاف "سنقوم بتنفيذ العملية من البر والجو".
ووجه أردوغان كلاماً شديد اللهجة للولايات المتحدة التي أقامت مع بلاده مركزاً لإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات، قائلاً: "نقول إنّ الكلام انتهى لمن يبتسمون في وجهنا ويماطلوننا بأحاديث دبلوماسية من أجل إبعاد بلدنا عن المنظمة الإرهابية". وتابع: "وجهنا كل التحذيرات إلى محاورينا حول شرق الفرات، لقد كنا صبورين بما فيه الكفاية، ورأينا أنّ الدوريات البرية والجوية المشتركة مجرّد كلام". وشكك أردوغان في تعامل الولايات المتحدة مع هذا الملف بتبنيها دعم أعدائه حين سأل: "سؤالنا واضح جداً لحلفائنا، أفصحوا لنا: هل تعتبرون تنظيم العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، الذي تحاولون التستر عليه تحت اسم قوات سورية الديمقراطية (قسد)، تنظيماً إرهابياً أم لا؟".
الردّ على هذه التصريحات من جهة "قسد" كان سريعاً، عبر الرئيسة المشتركة لمقاطعة ما تسمى "كري سبي" أو تل أبيض، هيفين إسماعيل، التي اعتبرت تهديدات أردوغان تأتي في سياق "رغبته بتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، وذلك عبر توطين اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا داخل مناطق شمال وشرق سورية".
وأضافت إسماعيل في معرض ردها على أردوغان عبر وكالة أنباء "هاوار" الكردية، أنّ "غاية تركيا هي إعادة أمجاد سلطنتها العثمانية المزعومة في المنطقة، من خلال تكرار ما حدث في عفرين والباب وجرابلس وإعزاز وإدلب، وهي تسعى إلى احتلال أكبر مساحة ممكنة من الأراضي السورية بشتى الوسائل والطرق".
وذكرت إسماعيل أنّ هناك اتفاقاً بين "قوات سورية الديمقراطية" وحكومة تركيا حول المنطقة، قائلةً: "نستنتج من التهديدات التي يطلقها أردوغان بين الحين والآخر أنه نادم بشدة على الاتفاقية المبرمة بين قوات سورية الديمقراطية والجانب التركي بوساطة الولايات المتحدة الأميركية". وأردفت في هذا الخصوص: "نحن كمجلس مقاطعة كري سبي وقوات سورية الديمقراطية نحترم الاتفاقيات التي من شأنها إحلال السلام في المنطقة. فقد نفّذ مجلس كري سبي العسكري الاتفاقية المبرمة من خلال ردم التحصينات العسكرية وانسحاب قوات سورية الديمقراطية إلى خارج المسافة المتفق عليها مع أسلحتها الثقيلة، واستلام قوات أمن الحدود التابعة لمجلس كري سبي العسكري نقاط الحدود، وتم تسيير دوريات مشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا".
وختمت كلامها باعتبار تصريحات أردوغان: "هباءً منثوراً في الرياح، ونحن باقون للحفاظ على أرضنا وكرامتنا وسلامتنا، وخيارنا النصر ثم النصر ثم النصر ولا تهمنا لغة التهديد".
من جهته، قال المتحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية"، مصطفى بالي، في تغريدات عبر حسابه بموقع "تويتر"، إنهم "ملتزمون بإطار آلية الأمن، ونقوم بالخطوات اللازمة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة"، فيما قابل تهديد أردوغان بتهديد مماثل، قائلاً إنهم مستعدون للقيام "بتحويل أي هجوم غير مبرر من جانب تركيا إلى حرب شاملة على الحدود بأكملها".
الربط بين هذا التصعيد على مستوى التصريحات بين تركيا و"قسد" من جهة، وبين عملية دمج "الجبهة الوطنية" بالـ"الجيش الوطني"، لا يندرج تحت إطار التكهن والتحليل فحسب، إذ أكّد مصدر عسكري مطلع على سير عملية الدمج لـ"العربي الجديد"، أنّ "تركيا سارعت في الأيام القليلة التي سبقت الإعلان عن الجسم العسكري، في التحضير له وإخراجه للعلن بأسرع ما يمكن".
وأوضح المصدر نفسه أنّ تركيا "استدعت قادة الفيالق التي تشكل الجيش الوطني والجبهة الوطنية على عجل، وطلبت منهم أن يضعوا أيديهم بأيدي بعضهم للخروج والإعلان عن التشكيل الجديد على وجه السرعة، على الرغم من أنّ هذا المشروع كان يحضّر له منذ تشكيل الحكومة المؤقتة برئيسها الجديد عبد الرحمن مصطفى ووصول وزير الدفاع سليم إدريس، إلا أنّ الإسراع جاء بناء على التطورات الميدانية والسياسية بما يخصّ المنطقة الآمنة وشرق الفرات بين الأتراك والأميركيين".
وأشار المصدر إلى أنّ "مكان الإعلان عن هذا التشكيل في مدينة شانلي أورفة التركية المحاذية لمنطقة شرق الفرات على الحدود من سورية، له دلالة حول وجهة هذه القوة العسكرية الكبيرة في الأيام المقبلة، وهي رسالة للولايات المتحدة، قبل أن تكون موجهة لأي جهة أخرى".
وعن نية تركيا توجيه هذا التشكيل العسكري مستقبلاً لإنهاء ملف "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) التي باتت تسبب لها حرجاً ضمن المسارات السياسية، ولا سيما مع شركائها من ضامني أستانة وسوتشي (روسيا وإيران)، رأى المصدر أنّ "تركيا لن تقدم على خطوة ضدّ هيئة تحرير الشام ما لم يتم حل ملف شرق الفرات والمنطقة الآمنة لصالحها، فعندئذ يتم التوجّه نحو إدلب وتحضيرها لتكون بيئة آمنة لأي تحرّك سياسي يلي نجاح اجتماعات اللجنة الدستورية".
اقــرأ أيضاً
وأضاف المصدر في هذا الإطار: "دخول تركيا إلى شرق الفرات سيكون سريعاً لإعادة جزء كبير من اللاجئين، وكل ذلك للتسريع بالتحضير لبيئة آمنة للانتخابات، بإدخال الحكومة المؤقتة وتجهيز مجالس محلية تحت إشراف هذه الحكومة. فتركيا لا تثق ولن تثق بأي جسم مدني جهزته قسد من قبل، وهذا الأمر سيكون مسحوباً على إدلب بعد شرق الفرات بالتأكيد".
وأشار المصدر إلى أنّ "اللجنة الدستورية هي المخرج الوحيد للسوريين للخروج من المعضلة، ويبدو أنّ الأتراك والروس جادين بإنهاء الملف من خلالها، والترتيبات العسكرية التي ترونها تأتي في هذا الإطار، أي تجهيز الأرض لجو سياسي تشرف عليه الأمم المتحدة، سواء كان من خلال إقرار الدستور الذي ستكتبه اللجنة، أو إجراء انتخابات بإشرافها، بعد التخلّص من كل التنظيمات المتطرفة سواء المحسوبة على المعارضة أو تلك المدعومة من إيران ومحسوبة على النظام". وتابع "أعتقد أنّ الوجود الإيراني في سورية بمجمله إلى زوال خلال فترة قريبة، وسنسمع في الأيام المقبلة أخباراً عن مجلس عسكري مشترك يكون بمثابة هيئة حكم انتقالي، وإن كان ببقاء النظام حتى إجراء انتخابات".
من جهته، أكّد مصدر عسكري آخر من "الجيش الوطني" المعلومات التي تشير إلى أنّ التشكيل العسكري الجديد وجهته شرق الفرات، وقال إنّ "تركيا ستنهي هذا الملف بأسرع ما يمكن"، وأضاف "فلنراجع سيناريو عفرين وغصن الزيتون، فقد انتظرت أنقرة أميركا حتى فرغ صبرها، ثمّ دخلت من دون إذن من أحد أو باتفاق ضمني، وهذا ما سيحدث في شرق الفرات".
ولفت المصدر إلى أنه "ليس من الضروري أن تتوجه القوات المنضوية تحت الجبهة الوطنية في إدلب للمشاركة في معركة شرق الفرات في حال اندلعت، وإنما سيكون وجودها كخط خلفي وعامل قوة مساعد للجيش الوطني وتركيا". وأشار إلى أنّ حالة الدمج في الوقت الحالي قائمة على التنسيق فقط بين "الجبهة الوطنية" و"الجيش الوطني" كل في مكانه، إلا أنّ الطرفين "سيكونان كتلة واحدة متى تطلب الأمر".
بدوره، قال المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" النقيب ناجي المصطفى، إنّ خطوة الدمج "جاءت بعد مباحثات استمرت لأكثر من شهر على مستوى قادة التشكيلين، ولا تقف وراءها تفاهمات الدول المتدخلة"، موضحاً أنّ "الهدف هو الانتقال من الحالة الفصائلية إلى حالة المؤسسة العسكرية ذات الكفاءة العالية لوضع الخطط العسكرية والقتال حسب مخططات استراتيجية".
ولم ينفِ المصطفى أنّ من "أحد أهداف هذا التشكيل قتال مليشيا قوات سورية الديمقراطية التي نعتبرها منظمة إرهابية، إلى جانب الدفاع عن أراضينا وشعبنا من هجمات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين وغيرهم، سواء في إدلب أو أي مكان".
وعن اختيار الحكومة المؤقتة والأركان للإعلان عن التشكيل الجديد من تركيا، ووضع العلم التركي إلى جانب علم الثورة على طاولة المؤتمر، على الرغم من أنّ التشكيل سوري خالص، أشار المصطفى إلى أنّ "هناك ترتيبات لوجستية لعقد المؤتمر بما يخصّ الإعلام"، موضحاً أنّ "الترتيبات الأمنية هي وراء عقد المؤتمر في تركيا". أمّا بخصوص العلم، "فإنّ الأتراك حلفاؤنا ويدعموننا لوجستياً وعسكرياً وسياسياً، وقد تشاركنا معهم في معركتين سابقتين، فمن الطبيعي أن تكون أعلامنا في مكان واحد وإلى جانب بعضها بعضا"، على حد تعبير المصطفى.
وفي السياق ذاته، رأى المحلل التركي إسلام أوزكان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "عملية دمج القوتين العسكريتين للمعارضة السورية، تأتي ضمن تحضيرات الجيش والأركان التركية لعملية شرق الفرات، وهذا أمر مفروغ منه، والتشكيل الجديد سيكون حاضراً بقوة في العملية".
وأضاف أوزكان "كل التجهيزات والتحركات العسكرية التركية على الحدود تشير إلى أنّ أنقرة جادة في تنفيذ العملية، لكن أودّ التنويه إلى أنّ هذا العمل سيكون محدوداً، كون تركيا ستراعي الوضع السوري الحالي، وموقفها من حكومات الدول المتدخلة في الملف السوري كروسيا والولايات المتحدة، وعلى وجه الخصوص الأخيرة، فلا تزال هناك دوريات مشتركة بين القوات التركية والأميركية، ما يعني أنّ الجنود الأميركيين موجودين في المنطقة، وأي تدخل واسع غير متفق عليه من قبل تركيا، سيضعها في مأزق مع الولايات المتحدة".
ورأى أوزكان، وهو كاتب محسوب على المعارضة التركية، أنّ "إقدام أنقرة على العملية بشكل واسع سيضعها أمام مأزق سياسي مع الولايات المتحدة، ربما لا يمكنها تحمل تبعاتها"، موضحاً أنّ "من السيناريوهات المطروحة أيضاً تأجيل العملية حتى الاتفاق مع أميركا بشكل أكبر على تفاصيلها وأهدافها".
واتفق الصحافي التركي هشام غوناي مع توقعات أوزكان بأنّ العملية "ستكون محدودة النطاق في شرق الفرات". وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الإسراع التركي يأتي "بعد زيارة أردوغان للولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً، وتواصله مع الإدارة الأميركية وعلى رأسها الرئيس دونالد ترامب، ولا شكّ في أنه حصل على تأييد للدخول في العملية، لكن كما أسلفت بنطاق محدود وغير واسع".
ورأى غوناي أنّ "دعم قوات المعارضة السورية للجيش التركي سيكون حاضراً خلال العملية، ولا سيما تكرار تأييد قادة الفصائل دعمهم لتركيا في مناسبات عدة، فيما تحاول الأخيرة الاستفادة من خبرة هذه الفصائل على الأرض بعد ثمان سنوات من تمرسهم على القتال في البيئات التي ينتمون إليها".
وسيتألف الجيش الجديد الذي لم يعلن له عن اسم بعد من سبعة فيالق، وسيكون بقيادة وزير الدفاع ورئيس الأركان اللواء سليم إدريس. وسينوب عنه العميد عدنان الأحمد قائداً للفيالق الأول والثاني والثالث، في كل من منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، فيما سينوب عنه العميد فضل الله الحجي، قائداً للفيالق الرابع الخامس والسادس والسابع التي ستنتشر في إدلب.
وكانت الولايات المتحدة وتركيا قد توصلتا إلى اتفاق في 7 أغسطس/آب الماضي يقضي بإنشاء "مركز عمليات مشتركة" في تركيا لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سورية، والتي يشار إليها بمنطقة "شرق الفرات". وقد نفّذ الطرفان إلى الآن دوريات جوية وبرية مشتركة عدة في المنطقة، إلا أنّ المماطلة الأميركية في تنفيذ كامل بنود الاتفاق دعت الأتراك لتنبيه الأميركيين إلى أنهم قادرون على التحرك العسكري خارج إطار الاتفاق.
اقــرأ أيضاً
كلام أردوغان الذي جاء خلال الاجتماع التشاوري والتقييمي الدوري لحزب "العدالة والتنمية" في العاصمة أنقرة، يربطه بعضهم بالإعلان المفاجئ عن دمج القوتين العسكريتين الأكبر للمعارضة السورية المسلحة، وبأنّ تركيا تريد إيصال رسالة للأميركيين مفادها أنّ قواتٍ سورية هي من ستنفذ العملية على الأرض، وقد باتت في طور الجاهزية الكاملة.
وقال أردوغان خلال كلمته: "أجرينا استعداداتنا وأكملنا خطة العملية العسكرية في شرق الفرات، وأصدرنا التعليمات اللازمة بخصوص ذلك"، لافتاً إلى استعجال بلاده بشأن تنفيذ العملية، بقوله إنها "قريبة إلى حدّ يمكن القول إنها اليوم أو غداً". وأضاف "سنقوم بتنفيذ العملية من البر والجو".
ووجه أردوغان كلاماً شديد اللهجة للولايات المتحدة التي أقامت مع بلاده مركزاً لإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شرق الفرات، قائلاً: "نقول إنّ الكلام انتهى لمن يبتسمون في وجهنا ويماطلوننا بأحاديث دبلوماسية من أجل إبعاد بلدنا عن المنظمة الإرهابية". وتابع: "وجهنا كل التحذيرات إلى محاورينا حول شرق الفرات، لقد كنا صبورين بما فيه الكفاية، ورأينا أنّ الدوريات البرية والجوية المشتركة مجرّد كلام". وشكك أردوغان في تعامل الولايات المتحدة مع هذا الملف بتبنيها دعم أعدائه حين سأل: "سؤالنا واضح جداً لحلفائنا، أفصحوا لنا: هل تعتبرون تنظيم العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، الذي تحاولون التستر عليه تحت اسم قوات سورية الديمقراطية (قسد)، تنظيماً إرهابياً أم لا؟".
الردّ على هذه التصريحات من جهة "قسد" كان سريعاً، عبر الرئيسة المشتركة لمقاطعة ما تسمى "كري سبي" أو تل أبيض، هيفين إسماعيل، التي اعتبرت تهديدات أردوغان تأتي في سياق "رغبته بتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، وذلك عبر توطين اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا داخل مناطق شمال وشرق سورية".
وأضافت إسماعيل في معرض ردها على أردوغان عبر وكالة أنباء "هاوار" الكردية، أنّ "غاية تركيا هي إعادة أمجاد سلطنتها العثمانية المزعومة في المنطقة، من خلال تكرار ما حدث في عفرين والباب وجرابلس وإعزاز وإدلب، وهي تسعى إلى احتلال أكبر مساحة ممكنة من الأراضي السورية بشتى الوسائل والطرق".
وذكرت إسماعيل أنّ هناك اتفاقاً بين "قوات سورية الديمقراطية" وحكومة تركيا حول المنطقة، قائلةً: "نستنتج من التهديدات التي يطلقها أردوغان بين الحين والآخر أنه نادم بشدة على الاتفاقية المبرمة بين قوات سورية الديمقراطية والجانب التركي بوساطة الولايات المتحدة الأميركية". وأردفت في هذا الخصوص: "نحن كمجلس مقاطعة كري سبي وقوات سورية الديمقراطية نحترم الاتفاقيات التي من شأنها إحلال السلام في المنطقة. فقد نفّذ مجلس كري سبي العسكري الاتفاقية المبرمة من خلال ردم التحصينات العسكرية وانسحاب قوات سورية الديمقراطية إلى خارج المسافة المتفق عليها مع أسلحتها الثقيلة، واستلام قوات أمن الحدود التابعة لمجلس كري سبي العسكري نقاط الحدود، وتم تسيير دوريات مشتركة بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا".
وختمت كلامها باعتبار تصريحات أردوغان: "هباءً منثوراً في الرياح، ونحن باقون للحفاظ على أرضنا وكرامتنا وسلامتنا، وخيارنا النصر ثم النصر ثم النصر ولا تهمنا لغة التهديد".
من جهته، قال المتحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية"، مصطفى بالي، في تغريدات عبر حسابه بموقع "تويتر"، إنهم "ملتزمون بإطار آلية الأمن، ونقوم بالخطوات اللازمة للحفاظ على الاستقرار في المنطقة"، فيما قابل تهديد أردوغان بتهديد مماثل، قائلاً إنهم مستعدون للقيام "بتحويل أي هجوم غير مبرر من جانب تركيا إلى حرب شاملة على الحدود بأكملها".
الربط بين هذا التصعيد على مستوى التصريحات بين تركيا و"قسد" من جهة، وبين عملية دمج "الجبهة الوطنية" بالـ"الجيش الوطني"، لا يندرج تحت إطار التكهن والتحليل فحسب، إذ أكّد مصدر عسكري مطلع على سير عملية الدمج لـ"العربي الجديد"، أنّ "تركيا سارعت في الأيام القليلة التي سبقت الإعلان عن الجسم العسكري، في التحضير له وإخراجه للعلن بأسرع ما يمكن".
وأوضح المصدر نفسه أنّ تركيا "استدعت قادة الفيالق التي تشكل الجيش الوطني والجبهة الوطنية على عجل، وطلبت منهم أن يضعوا أيديهم بأيدي بعضهم للخروج والإعلان عن التشكيل الجديد على وجه السرعة، على الرغم من أنّ هذا المشروع كان يحضّر له منذ تشكيل الحكومة المؤقتة برئيسها الجديد عبد الرحمن مصطفى ووصول وزير الدفاع سليم إدريس، إلا أنّ الإسراع جاء بناء على التطورات الميدانية والسياسية بما يخصّ المنطقة الآمنة وشرق الفرات بين الأتراك والأميركيين".
وأشار المصدر إلى أنّ "مكان الإعلان عن هذا التشكيل في مدينة شانلي أورفة التركية المحاذية لمنطقة شرق الفرات على الحدود من سورية، له دلالة حول وجهة هذه القوة العسكرية الكبيرة في الأيام المقبلة، وهي رسالة للولايات المتحدة، قبل أن تكون موجهة لأي جهة أخرى".
وعن نية تركيا توجيه هذا التشكيل العسكري مستقبلاً لإنهاء ملف "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) التي باتت تسبب لها حرجاً ضمن المسارات السياسية، ولا سيما مع شركائها من ضامني أستانة وسوتشي (روسيا وإيران)، رأى المصدر أنّ "تركيا لن تقدم على خطوة ضدّ هيئة تحرير الشام ما لم يتم حل ملف شرق الفرات والمنطقة الآمنة لصالحها، فعندئذ يتم التوجّه نحو إدلب وتحضيرها لتكون بيئة آمنة لأي تحرّك سياسي يلي نجاح اجتماعات اللجنة الدستورية".
وأضاف المصدر في هذا الإطار: "دخول تركيا إلى شرق الفرات سيكون سريعاً لإعادة جزء كبير من اللاجئين، وكل ذلك للتسريع بالتحضير لبيئة آمنة للانتخابات، بإدخال الحكومة المؤقتة وتجهيز مجالس محلية تحت إشراف هذه الحكومة. فتركيا لا تثق ولن تثق بأي جسم مدني جهزته قسد من قبل، وهذا الأمر سيكون مسحوباً على إدلب بعد شرق الفرات بالتأكيد".
وأشار المصدر إلى أنّ "اللجنة الدستورية هي المخرج الوحيد للسوريين للخروج من المعضلة، ويبدو أنّ الأتراك والروس جادين بإنهاء الملف من خلالها، والترتيبات العسكرية التي ترونها تأتي في هذا الإطار، أي تجهيز الأرض لجو سياسي تشرف عليه الأمم المتحدة، سواء كان من خلال إقرار الدستور الذي ستكتبه اللجنة، أو إجراء انتخابات بإشرافها، بعد التخلّص من كل التنظيمات المتطرفة سواء المحسوبة على المعارضة أو تلك المدعومة من إيران ومحسوبة على النظام". وتابع "أعتقد أنّ الوجود الإيراني في سورية بمجمله إلى زوال خلال فترة قريبة، وسنسمع في الأيام المقبلة أخباراً عن مجلس عسكري مشترك يكون بمثابة هيئة حكم انتقالي، وإن كان ببقاء النظام حتى إجراء انتخابات".
من جهته، أكّد مصدر عسكري آخر من "الجيش الوطني" المعلومات التي تشير إلى أنّ التشكيل العسكري الجديد وجهته شرق الفرات، وقال إنّ "تركيا ستنهي هذا الملف بأسرع ما يمكن"، وأضاف "فلنراجع سيناريو عفرين وغصن الزيتون، فقد انتظرت أنقرة أميركا حتى فرغ صبرها، ثمّ دخلت من دون إذن من أحد أو باتفاق ضمني، وهذا ما سيحدث في شرق الفرات".
ولفت المصدر إلى أنه "ليس من الضروري أن تتوجه القوات المنضوية تحت الجبهة الوطنية في إدلب للمشاركة في معركة شرق الفرات في حال اندلعت، وإنما سيكون وجودها كخط خلفي وعامل قوة مساعد للجيش الوطني وتركيا". وأشار إلى أنّ حالة الدمج في الوقت الحالي قائمة على التنسيق فقط بين "الجبهة الوطنية" و"الجيش الوطني" كل في مكانه، إلا أنّ الطرفين "سيكونان كتلة واحدة متى تطلب الأمر".
بدوره، قال المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" النقيب ناجي المصطفى، إنّ خطوة الدمج "جاءت بعد مباحثات استمرت لأكثر من شهر على مستوى قادة التشكيلين، ولا تقف وراءها تفاهمات الدول المتدخلة"، موضحاً أنّ "الهدف هو الانتقال من الحالة الفصائلية إلى حالة المؤسسة العسكرية ذات الكفاءة العالية لوضع الخطط العسكرية والقتال حسب مخططات استراتيجية".
ولم ينفِ المصطفى أنّ من "أحد أهداف هذا التشكيل قتال مليشيا قوات سورية الديمقراطية التي نعتبرها منظمة إرهابية، إلى جانب الدفاع عن أراضينا وشعبنا من هجمات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين وغيرهم، سواء في إدلب أو أي مكان".
وعن اختيار الحكومة المؤقتة والأركان للإعلان عن التشكيل الجديد من تركيا، ووضع العلم التركي إلى جانب علم الثورة على طاولة المؤتمر، على الرغم من أنّ التشكيل سوري خالص، أشار المصطفى إلى أنّ "هناك ترتيبات لوجستية لعقد المؤتمر بما يخصّ الإعلام"، موضحاً أنّ "الترتيبات الأمنية هي وراء عقد المؤتمر في تركيا". أمّا بخصوص العلم، "فإنّ الأتراك حلفاؤنا ويدعموننا لوجستياً وعسكرياً وسياسياً، وقد تشاركنا معهم في معركتين سابقتين، فمن الطبيعي أن تكون أعلامنا في مكان واحد وإلى جانب بعضها بعضا"، على حد تعبير المصطفى.
وفي السياق ذاته، رأى المحلل التركي إسلام أوزكان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "عملية دمج القوتين العسكريتين للمعارضة السورية، تأتي ضمن تحضيرات الجيش والأركان التركية لعملية شرق الفرات، وهذا أمر مفروغ منه، والتشكيل الجديد سيكون حاضراً بقوة في العملية".
وأضاف أوزكان "كل التجهيزات والتحركات العسكرية التركية على الحدود تشير إلى أنّ أنقرة جادة في تنفيذ العملية، لكن أودّ التنويه إلى أنّ هذا العمل سيكون محدوداً، كون تركيا ستراعي الوضع السوري الحالي، وموقفها من حكومات الدول المتدخلة في الملف السوري كروسيا والولايات المتحدة، وعلى وجه الخصوص الأخيرة، فلا تزال هناك دوريات مشتركة بين القوات التركية والأميركية، ما يعني أنّ الجنود الأميركيين موجودين في المنطقة، وأي تدخل واسع غير متفق عليه من قبل تركيا، سيضعها في مأزق مع الولايات المتحدة".
ورأى أوزكان، وهو كاتب محسوب على المعارضة التركية، أنّ "إقدام أنقرة على العملية بشكل واسع سيضعها أمام مأزق سياسي مع الولايات المتحدة، ربما لا يمكنها تحمل تبعاتها"، موضحاً أنّ "من السيناريوهات المطروحة أيضاً تأجيل العملية حتى الاتفاق مع أميركا بشكل أكبر على تفاصيلها وأهدافها".
واتفق الصحافي التركي هشام غوناي مع توقعات أوزكان بأنّ العملية "ستكون محدودة النطاق في شرق الفرات". وقال في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الإسراع التركي يأتي "بعد زيارة أردوغان للولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً، وتواصله مع الإدارة الأميركية وعلى رأسها الرئيس دونالد ترامب، ولا شكّ في أنه حصل على تأييد للدخول في العملية، لكن كما أسلفت بنطاق محدود وغير واسع".
ورأى غوناي أنّ "دعم قوات المعارضة السورية للجيش التركي سيكون حاضراً خلال العملية، ولا سيما تكرار تأييد قادة الفصائل دعمهم لتركيا في مناسبات عدة، فيما تحاول الأخيرة الاستفادة من خبرة هذه الفصائل على الأرض بعد ثمان سنوات من تمرسهم على القتال في البيئات التي ينتمون إليها".
وسيتألف الجيش الجديد الذي لم يعلن له عن اسم بعد من سبعة فيالق، وسيكون بقيادة وزير الدفاع ورئيس الأركان اللواء سليم إدريس. وسينوب عنه العميد عدنان الأحمد قائداً للفيالق الأول والثاني والثالث، في كل من منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، فيما سينوب عنه العميد فضل الله الحجي، قائداً للفيالق الرابع الخامس والسادس والسابع التي ستنتشر في إدلب.
وكانت الولايات المتحدة وتركيا قد توصلتا إلى اتفاق في 7 أغسطس/آب الماضي يقضي بإنشاء "مركز عمليات مشتركة" في تركيا لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمالي سورية، والتي يشار إليها بمنطقة "شرق الفرات". وقد نفّذ الطرفان إلى الآن دوريات جوية وبرية مشتركة عدة في المنطقة، إلا أنّ المماطلة الأميركية في تنفيذ كامل بنود الاتفاق دعت الأتراك لتنبيه الأميركيين إلى أنهم قادرون على التحرك العسكري خارج إطار الاتفاق.