عمال غير رسميين يهدّدون مصر

27 سبتمبر 2014
ارتفاع عمالة القطاع غير الرسمي بمصر(أرشيف/getty)
+ الخط -

ترتفع في مصر العمالة لدى القطاع غير الرسمي، لأسباب عديدة، أبرزها أن الاقتصاد المصري يعاني من أزمة في إيجاد فرص عمل حقيقية للعمال، نظراً للبيئة التشغيلية.
وجاء تقرير البنك الدولي الأسبوع الماضي، ليتناول حقيقة تزايد العمالة في القطاع غير الرسمي، ملقياً الضوء على حجم تمددها داخل مؤسسات القطاع الرسمي، مما يشير إلى أوضاع خاطئة في سوق العمل في مصر.
ويقول مراقبون، إن استيعاب القطاع غير الرسمي لمزيد من العمالة، أو وجود عمالة غير رسمية في القطاع الرسمي، لا يعني إلا تعرض هذه العمالة لإهدار حقها في الحصول على العمل اللائق، والأجر العادل.
ورصد التقرير الحديث للبنك الدولي أن 56% من العاملين الذكور في غير القطاع الزراعي يعملون في القطاع غير الرسمي، في حين تصل هذه النسبة في تركيا إلى 30%.
وتنذر الدلالات السلبية لهذه الظاهرة بحالة التشاؤم لدى الشباب المصري، حيث ذهب التقرير إلى أن 42% من الفئة التي اعتمد عليها المسح الخاص في التقرير، وهي القوى العاملة (15-65 عاماً) يرون أن الوضع لن يتحسن قبل خمس سنوات، في حين ذهب 11% إلى أن الوضع لن يتحسن.
ولا توجد شروط الأمن الصناعي داخل مؤسسات العمل غير الرسمي، مما يجعل هذه العمالة معرضة بشكل كبير لمخاطر الحريق، أو انهيار المباني، وهو ما نلحظه بشكل كبير على مدار السنوات الخمس الماضية.
ولا تقتصر الجوانب السلبية لوجود القطاع الاقتصاد غير الرسمي، على جانب العمالة فقط، بل تمتد إلى نواحي أخرى، تصيب المجتمع.
وتبدو ثمة تقديرات مختلفة لمساهمة القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المصري، فهناك من يقدر مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي بـ 30%، وهناك من يقدرها بـ 42%.
وكلا التقديرين يعتمد على مسوح ميدانية، وليس إحصاءً شاملاً لبيئة الاقتصاد المصري، لكن على كل الأحوال فهي مساهمة لها دلالاتها السلبية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وقد تبلورت هذه المساهمة على مدار عدّة عقود، وتعددت أسبابها.

المفهوم الخاطئ للقطاع الخاص

منذ اتجاه مصر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لتبني ما عرف بالانفتاح الاقتصادي، ثم برنامج الإصلاح الاقتصادي في مطلع التسعينيات من خلال اتفاق مع صندوق النقد الدولي، تولد مفهوم خاطي لتصور دور القطاع الخاص ودوره في المجتمع.
ويقول خبراء إن الدولة اكتفت أن ترفع يدها عن مساحة كبيرة من النشاط الاقتصادي تاركة الأمر للقطاع الخاص، بدعوة ريادة التنمية.
وتناست الدولة أنها المسؤولة عن تنظيم النشاط الاقتصادي ومراقبته، فانطلق القطاع الخاص غير المنظم ليعمل في كافة المجالات دون استيفاء شروط ممارسة الأنشطة الاقتصادية، سواء على الجانب الإداري والفني، أو شروط الصحة والسلامة، أو اعتبارات حقوق العمال.

البيروقراطية

بطبيعة الحالة بعد تخلي الدولة بشكل كبير عن ممارسة النشاط الاقتصادي، لن ينمو دور المؤسسات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتحت دعاوى ضغط التكاليف تقوم هذه المؤسسات بالعمل دون الحصول على التراخيص، أو مراعاة المواصفات القياسية للإنتاج السلعي أو تقديم الخدمات.
ولم تراع الحكومات المتعاقبة في مصر، إزالة المعوقات البيروقرطية، وشروط التأمينات الاجتماعية، وتكلفة الخدمات الإنتاجية لهذه المشروعات، أو منحهم الأراضي بأسعار مناسبة في المدن الجديدة كما حدث مع المؤسسات الكبيرة، كما أن الجهاز المصرفي ظل معرضاً عن التعامل مع هذه المؤسسات لفترة طويلة، ولم يقبل التعامل معها إلا من خلال منح ومساعدات خارجية، بدعوى ارتفاع تكاليف التمويل لهذه المؤسسات.
ولم يكن الفساد ببعيد عن أسباب اتساع رقعة النشاط الاقتصادي غير الرسمي، فموظفي المؤسسات الحكومية المعنية بمراقبة هذه الأنشطة، كانوا يغضون الطرف عن ممارساتها نظير الحصول على رشاوي، وهو ما أكدته نتائج مسح ميداني عن الفساد في عام 2009، ليجيب 42% من العينة من أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بأنهم اضطروا لدفع رشاوى أو تقديم هدايا بشكل غير قانوني للحصول على تراخيص بدء النشاط، كما أجاب 29% من العينة بأنهم اضطروا لدفع رشاوى أثناء التشغيل لممارسة أعمالهم.

هشاشة الاقتصاد

اتجه الاقتصاد المصري بشكل كبير نحو الخدمات والتجارة، وترك الأنشطة الإنتاجية في الاقتصاد الحقيقي، واعتماد الاقتصاد بدرجة كبير على المصادر الريعيّة، مما قلل من قدرة الاقتصاد على استيعاب المدخرات بالمجتمع المصري، بشكل بعيد عن آلية الفائدة، التي كانت في الغالب تقل عن معدلات التضخم.

مخاطر

لا يجب أن ينظر للمخاطر التي يؤدي إليها اتساع دور القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المصري، على ضياع جزء من الضرائب ورسوم كان من الواجب أن تدخل إلى خزينة الدولة، ولكن هناك جوانب أخرى هي أكثر ضرراً منها، إضعاف خطط التنمية، ضعف المنافسة للمنتجات المحلية، ضياع حقوق العمال، لذلك نجد أن هناك رغبة كبيرة لدى الشباب في مصر في الهجرة للعمل بالخارج، من أجل الحصول على أجر مناسب، يصلح لأن يبدأ الشاب حياته الاجتماعية بشكل مناسب، لأجل الحصول على وحدة سكنية، وأن يتوفر لديه بعض المدخرات التي تساعده على استمرار حياته بشكل مناسب إذا ما قرر العودة لمصر.
لذا، فالقطاع غير الرسمي في مصر، يعد سبباً ونتيجة للأداء الاقتصادي المتراجع في مصر، فلولا ضعف الاقتصاد بشكل خاص، والدولة بشكل عام، لما نشط القطاع غير الرسمي.
كما يمكننا القول إنه لولا ممارسات القطاع غير الرسمي، لما صار الوضع الاقتصادي في مصر بهذه الصورة، التي تصل لأن يكون الاستهلاك (الحكومي والعائلي) مكوناً أساسياً لهيكل الناتج المحلي بنسبة 85%.
وبخلاف العمالة غير الرسمية تعاني مصر ارتفاعاً في معدلات البطالة تصل إلى 14.2% وفق بيانات رسمية وهي نسبة تعادل نحو 3.8 مليون شخص يقول البنك الدولي إن 75% منهم شباب بين 16 و 29 عاماً.
المساهمون