علي شريعتي بعيون التنوير الشيعي

03 نوفمبر 2014

علي شريعتي (1933-1977)

+ الخط -

في مواقع التواصل الاجتماعي، يكثر تناقل مقولاتٍ مقتبسة من كتب المفكر الإيراني، علي شريعتي، وهو أحد أبرز المفكرين، الذين دعوا إلى حالة ثورية في إيران ضد نظام الشاه، وما يلفت النظر أن مجموعة ممن ينتمون إلى ما يسمى "التنوير الشيعي" تروج مقولاته النقدية للطقوس المُمَارسَة في عاشوراء عند الشيعة. هذه المجموعة أفراد متفرقون، يوجدون في السعودية ولبنان بشكل رئيسي، ويقدمون نقداً في الحالة الشيعية، يختلط فيه السياسي بالفقهي والتراثي والعقائدي، ولا توجد منظومة فكرية محددة يستندون إليها، وتسمية "التنوير الشيعي" تطلق عليهم من أشخاص يحتفون بطرحهم، أو يطلقونها هم على أنفسهم في إطار تبجيل ذواتهم وأفكارهم. وفي الحالتين، ليس هناك ما يشي بوجود حالة نقدية جدية، تستند على أسس معرفية، مع العلم بأن الحديث هنا لا يتعلق بمثقفين نقديين، يطرحون إنتاجهم حول عدد من المسائل، وإنما بمن يهوون الأحاديث المرسلة في المقالات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويعتبرونها طرحاً تنويرياً.

أهم ملاحظة على معظم أصحاب هذا الاتجاه أنهم لا يخرجون من الثنائيات الطائفية، على الرغم من حديثهم المتكرر عن رفض الطائفية، والتأكيد على التعايش والتسامح، إذ ما زالوا ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم جزءاً من تكتل اجتماعي سياسي، له ارتباطات تشابه العشيرة. وبالتالي، هم لا يفكرون خارج الصندوق الطائفي، لكنهم يتنافسون مع من ينتقدونهم داخل الطائفة، من حركيين شيعة، أو من السلفيين التقليديين داخل الطائفة، على صياغة الخطاب العام للطائفة، وأحقية تمثيلها، وهنا تظهر النزعات الطائفية، عند من يقدمون أنفسهم علمانيين وليبراليين، بما يعني أنهم لا يستوعبون كيف تتشكل الحالة الطائفية، ولا يدركون أن محاربتها لا تكون فقط عبر الدعوة لوقف خطاب الكراهية المذهبي.

يشير استشهاد هؤلاء التنويريين بعلي شريعتي ومصطلحاته إلى أزمة لديهم في فهم اتساق مصطلحاته مع طرحهم. شريعتي أحد أبرز المفكرين الذين نظَّروا لحالة حركية شيعية، تقوم على إعادة قراءة التاريخ الشيعي بشكل ثوري، على الرغم من أن هذا التاريخ لم يكن كله كذلك، وتقديم الهوية الشيعية "الأصيلة" بوصفها هوية ثائرة على الظلم والاستبداد، والقول إن تحريف هذه الهوية تم على يد الصفويين، ليصبح الشيعة مستكينين ومنشغلين بحالة طقوسية بكائية غير ثورية، وقد نحت شريعتي من هذه الفكرة مصطلحي التشيع العلوي والتشيع الصفوي، إذ يحيل الأول إلى القراءة الثورية لإرث أهل البيت، والصفوي إلى الحالة الطقوسية المستكينة.

أراد شريعتي استنهاض الشيعة في إيران، فقام بنقد تشيع الدولة الصفوية من وجهين: الأول أنه مشبع بحالة شعوبية فارسية، وأن العمل جرى على إقحام روايات تعلي من شأن الفرس ضمن الإرث الشيعي. أما الثاني فهو جعل الطقوس الحسينية في عاشوراء غاية بذاتها، ونزع أية حالة ثورية منها، وتحويلها إلى فلكلور، واستخدامها في التعبئة ضد (العثمانيين السنة)، واستيراد طقوس من أوروبا الشرقية، واختراع أخرى، لضمان انغماس الشيعة في الحالة الطقوسية، دون إدراك قيمة الحرية والعدالة في ثورة الإمام الحسين.

نقد شريعتي طال الطقوس من ناحية إغراقها في الغيبيات، وهو ما يستخدمه اليوم التنويريون الشيعة في نقدهم الطقوس، لكن شريعتي لم يكن يهتم بهذا الأمر إلا ضمن صورة أكبر، هي صورة الطقوس المشجعة على الاستكانة والاكتفاء بالبكاء، وعدم العمل بالقيم الثورية، فشريعتي كان منظراً لحالة حركية، ينتقدها معظم "التنويرين الشيعة" اليوم، ترفع شعارات الإخاء مع أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، وتعمل في إطار إسلامي عام، وترى في المذهب هويتها السياسية، وتناهض الاستبداد والظلم والاستعمار.

تشيع المؤسسة الحاكمة في إيران، فيه كثير من أفكار شريعتي حول التشيع العلوي، وهو كان من أبرز منظري الثورة الإسلامية في إيران، على الرغم من وفاته قبل سنتين من انتصارها، لكنه لم يطرح نموذجاً محدداً للدولة، بل اهتم باستنهاض الناس وتثويرهم. وصف التشيع الحاكم في إيران باستخدام مصطلح شريعتي عن التشيع الصفوي غير دقيق، فهو تشيع رافض للشعوبية والقومية الفارسية، والقوميون الفرس يناهضونه، كما أنه يرى في الطقوس محفزاً ثورياً، ويحييها بشكل مسيّس، لا بشكل فولكلوري تقليدي. ولذلك، يبدو اتهام الحكم الإيراني بالصفوية متهافتاً، وينم عن عدم فهم أدبيات هذا الحكم، كما أنه لا يلحظ أن المشاركة الإيرانية في تأجيج الطائفية، داخل منطقتنا العربية، سببه تسييس الهوية الشيعية، على الرغم من رفع شعارات الإخاء الإسلامي.

هذه المجموعة التنويرية في غالبها تنقد مجتمعاتها، وتركز على الطقوس العاشورائية وغياب العقلانية عنها، فيما تعفي السلطة من مسؤولية الإشكالات الطائفية، ولا تتخذ موقفاً من الأنظمة الاستبدادية، بل تراعيها عادةً، وتبرىء ساحتها. لذلك، يبدو استخدام علي شريعتي في خطابها النقدي مضحكاً، إذ يناقض طرح هؤلاء طرح شريعتي الحركي الثوري، مما يدل على غياب الوعي بجوهر تنظير شريعتي، وهو ما يجعل بعضهم يستشهد به ضد تسييس التشيع، فيما هو أحد آبائه الروحيين!

لم يعش شريعتي ليرى كيف حصل الاقتتال الطائفي، بين الحركيين الشيعة والسنة، على الرغم من أحاديث الأخوة الإسلامية، ويشاهد ما فعله تسييس المذاهب في المنطقة، لنعرف إن كان سيراجع بعض طروحاته.

9BB38423-91E7-4D4C-B7CA-3FB5C668E3C7
بدر الإبراهيم

كاتب سعودي. صدر له كتاب "حديث الممانعة والحرية"، و"الحراك الشيعي في السعودية .. تسييس المذهب ومذهبة السياسة".