على هامش أزمة الشعراوي

07 نوفمبر 2019
ارتبط الشعراوي طويلاً بمؤسسة الأزهر (محمد خالد/ فرانس برس)
+ الخط -
مات الشيخ محمد متولي الشعراوي قبل أكثر من عشرين سنة (1911 - 1998)، ورغم ذلك يتجدد ويتكرر الجدل حول تصريحاته وميراثه الديني والدعوي لأسباب متباينة أغلبها له علاقة برغبة السلطات في مصر في فتح مجالات نقاش هامشية تشغل الناس عن مشكلاتهم اليومية الحقيقية.

بداية، لست من "دراويش" الشيخ الشعراوي، ودراويش الشخص حسب المعنى الرائج هم تلك الفئة من الناس التي تدافع عنه بلا عقل أو تعقل، حتى إن بعضهم يعتبر كل إيجابياته أقرب إلى المعجزات، وكل سلبياته مجرد محاولات من الآخرين للانتقاص منه، متجاهلين كونه بشراً يصيب ويخطئ. في الأصل؛ يجب أن يكون الفارق واضحاً بين الانتقاد المتاح لكل الناس ضمن حرية الرأي والتعبير، وبين الاتهام العلمي الذي لا يجوز إلا لذوي الاختصاص.

من حق كل شخص أن ينتقد أسلوب الشيخ الشعراوي الدعوي، أو حتى يرفضه، باعتبار أنه لا يعجبه، أو لا يناسبه، فقد اعتمد الشيخ الراحل أسلوباً قريباً بالأساس من أنصاف المتعلمين وغير المتعلمين، وكان هذا اختياراً موفقاً، إذ إن المجتمع الذي كان يستهدفه بخطابه يضم الملايين من هؤلاء. لكن هذا المجتمع نفسه يضم عشرات الآلاف من المتعلمين، ومئات الآلاف ممن يظنون أنفسهم متعلمين أيضاً، وهؤلاء لا يناسب كثير منهم الأسلوب الشعبي للشعراوي، فهم يرون أنفسهم في منزلة أعلى من العامة، ومنهم من يعتبر أن هذا الأسلوب انتقاص من القدرات العلمية والثقافية المتخيلة للمجتمع.

كل هذا مقبول ومتاح، لكن الأمر مختلف تماماً عندما نتطرق إلى الاتهام المباشر الموجه إلى المحتوى العلمي، إذ علينا وقتها أن نترك المجال للمتخصصين، فليس هذا من شؤون العامة. إحدى مشاكلنا عربياً يتمثل في غياب الدراسات العلمية المتخصصة، فتجد طبيباً يتحدث كمتخصص في التاريخ، أو مهندساً يتناول نظريات الفلسفة، وكثيرين يتكلمون في الدين والسياسة والاقتصاد كأنهم متخصصون؛ رغم أن كل ما يعرفونه لا يتعدى الثقافة العامة، أو الانطباعات التي لا يمكن وفقها بناء رأي علمي.




تغيب ‏في بلادنا ثقافة المتخصص الذي يتصدى لدراسة الموضوعات، أو الشخصيات، عن طريق الاستفاضة في سرد المعلومات والمشكلات، والإيجابيات والسلبيات، بحياد وتجرد، ووفق منهج علمي، ثم يترك الحكم للقراء. ولهذا السبب يظل كثير من الموضوعات التي تشغل مجتمعاتنا بلا تأصيل واضح، وتدور المناقشات فيها عادة حول الهوامش وليس الوقائع، فتنتشر الأكاذيب والأهواء. وهذا السبب نفسه، يجعلنا نعاني من غياب حلول عملية معتمدة على مشاركة المجتمع بعد أن تم تغييبه عن قصد، مما يتيح للسلطة الحاكمة فعل ما يحلو لها.
دلالات
المساهمون