يبدو أن النظام المصري ما زال يمتلك أوراقاً يغلق بها باب العودة أمام المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، على وقع الخلاف السياسي القديم بين شفيق من جهة وبين رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأسبق، المشير حسين طنطاوي، ورئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي من جهة أخرى.
في هذا السياق، يؤكد مصدر واسع الاطلاع بوزارة الداخلية، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "شفيق ما زال موضوعاً على قوائم الترقب والوصول، على الرغم من صدور حكم من محكمة الجنايات، يوم الأربعاء، بإلغاء قرار النيابة العامة بإدراجه على هذه القوائم على ذمة اتهامه في قضية (أرض الطيارين) التي كان متهماً فيها مع علاء وجمال نجلي الرئيس المخلوع حسني مبارك وعدد من رجال الأعمال الآخرين، ارتباطاً بواقعة الحصول على قطعة أرض وتجميدها وبيعها بالمخالفة للقانون وتقسيمها بما يخالف الغرض المعتمد لها".
ويُشدّد المصدر على أن "الجهة التي ما زالت تضع شفيق على قوائم الترقب وتتسبب في منعه من العودة إلى مصر، هي النيابة العسكرية التي ما زالت تحقق في اتهامات موجهة لشفيق بإهدار المال العام خلال فترة توليه وزارة الطيران بين عامي 2002 و2011".
من جهتها، تفيد مصادر قضائية في وزارة العدل أن "قضية الكسب غير المشروع التي تم التحقيق فيها بمعرفة خبراء الوزارة لمدة عامين، قبل إحالتها للقضاء العسكري تتضمن 7 وقائع فساد. اثنتان منها فقط حققت فيهما النيابة العامة من قبل، أما الباقي فلم يتم التحقيق فيه إلا بمعرفة جهاز الكسب غير المشروع، وهي خاصة بأراضٍ وعقارات امتلكها شفيق مستفيداً من مناصبه الوزارية والعسكرية، باسمه وبأسماء بناته".
وتضيف المصادر أن "ملف القضية أحيل إلى القضاء العسكري قبل ورود جميع التقارير التي طلبها محققو جهاز الكسب من الخبراء الفنيين، المتخصصين في حساب الربح غير المشروع المتحقق عن عمليات التخصيص. ما يطرح احتمالات أن تكون هذه الإحالة قد تمت بقرار سياسي، لا لاعتبارات قانونية، لأنه من المفترض ألا يتم تحويل ملف يحقق فيه الجهاز إلى أي جهة تحقيق أو محاكمة دون استيفائه بالكامل".
وتشير المصادر إلى أن "الفترة التي شهدت إحالة الملف للقضاء العسكري اتسمت بتصاعد الشائعات من معسكر شفيق عن رغبته في خوض انتخابات الرئاسة، بعد عزل خصمه السابق الرئيس المنتخب، محمد مرسي، مما كان يهدد شعبية السيسي (الفريق أول ووزير الدفاع آنذاك)".
وتعتبر المصادر أن "هذا القرار نقل ملف عودة شفيق بالكامل من ساحة القضاء المدني إلى القضاء العسكري، الذي يأتمر بأمر وزير الدفاع، ولا يتمتع بالاستقلال الكامل بحسب التشريعات المنظمة له، إذ يتطلب تحريك الاتهامات وصدور الأحكام تصديق وزير الدفاع بنفسه.
في هذا الإطار، تقول مصادر سياسية بمجلس النواب إنه "لا توجد مؤشرات واقعية على عودة شفيق لمصر، وأن التصريحات الصادرة من مساعدي شفيق بالقاهرة ونواب وأعضاء حزبه (الحركة الوطنية) عن قرب عودته، لا تعدو كونها أمنيات، وأنها تتصادم مع حديثهم الواقعي في كواليس السياسة، الذي يؤكد أنه ما زال هناك رفض سياسي لعودته، وأنه لا توجد أي تفاهمات سياسية بهذا الشأن".
وتُرجّح المصادر في قراءتها للمشهد أن "يكون الحكم القضائي بإلغاء قرار النيابة العامة (المدنية) بترقب وصول شفيق، محاولة من النظام السياسي لإبداء حسن النوايا تجاه شفيق، على الأقل صورياً، في رسالة إيجابية من النظام إلى الدوائر السياسية بدولة الإمارات، التي تحتضن شفيق وتربطها علاقة قوية به".
وتستطرد المصادر قائلة إن "هذه الرسالة مفادها أن القضاء هو صاحب الكلمة الأخيرة في أمر شفيق، وأن السلطة الحاكمة لا تتدخل في شؤون القضاء، وأن قرارات في صالح شفيق ربما تصدر مستقبلاً من القضاء العسكري أسوة بما حدث في القضاء المدني".
وتؤكد المصادر ذاتها أن "آثار هجوم شفيق وحلفائه على السلطة العسكرية وكبار القضاة المتحالفين معها بين عامي 2012 و2014 واتهامهم بمحاباة الإخوان، وتصويره ما حدث في صورة حرمانه من حق شرعي له في رئاسة الجمهورية، ما زالت شاخصة أمام السيسي. ذلك لأن السلطة الحاكمة لا تعتبر شفيق شخصاً يمكن الوثوق به، ويدعم هذه الصورة الأقوال التي تنقل عن شفيق في القنوات السياسية السرية وهجومه المستمر على سياسات السيسي الاقتصادية والعسكرية وصولاً إلى انتقاده التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في أبريل/نيسان الماضي".
يذكر أنه وللمرة الأولى عقب أي خطوة قضائية مهمة خاصة به؛ امتنع شفيق عن الإدلاء بأي تصريحات أو تدوين أي بيان بشأن قرار محكمة الجنايات الصادر، بينما قال النائب الأسبق مصطفى الفقي، المعروف بعلاقته الجيدة بشفيق ومشاركته في حملته الانتخابية قبل 4 سنوات، إن "عودة شفيق لمصر تتطلب اتفاقات سياسية"، حسبما أدلى به في مقابلة تلفزيونية.