يعيش سوق العقارات والإنشاءات في قطاع غزة ركودا كبيرا، على الرغم من حركة البناء النشطة التي شهدها العامين الماضيين، حيث توقفت حركة البناء في التجمعات السكنية والتجارية على حدٍ سواء.
ولم تدفع حالة الركود، مالكي المشروعات العقارية إلى تقديم تسهيلات أكبر للمشترين، سواء عبر زيادة فترات التقسيط أو غيرها من التسهيلات، وذلك في ظل تراجع السيولة النقدية وسيطرة القلق من عدم قدرة المشترين على السداد في ظل الخصومات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على رواتب الموظفين، والتي تصل إلى 50%، فضلا عن تردي الظروف الاقتصادية في القطاع المحاصر إسرائيليا منذ عام 2006.
وفي الفترة الأخيرة أوقف العديد من مالكي العقارات عمليات البناء عند حد معين نظراً لعدم توفر السيولة النقدية لديهم وقلة البيع والخشية من الركود المتصاعد في ظل العقوبات والإجراءات التي يفرضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس على القطاع والتي أثرت بالسلب على الحركة التجارية.
ويقدر خبراء ومختصون في الاقتصاد إجمالي الأموال التي حُرمت منها الأسواق في غزة منذ فرض الرئيس محمود عباس عقوباته في إبريل/نيسان 2017 بأكثر من 300 مليون دولار أميركي بواقع شهري يصل لأكثر من 20 مليون دولار.
وأدت العقوبات المفروضة على القطاع إلى قيام البنوك العاملة بغزة بوقف أي معاملات جديدة مع الموظفين لا سيما القروض بفعل تقليص رواتبهم والخشية من عدم قدرتهم على السداد.
ويؤكد الوسيط العقاري زاهر زايده لـ"العربي الجديد" أن قطاع العقارات في غزة وصل إلى مرحلةً متقدمة من التدهور خلال السنة الأخيرة، وذلك بسبب حالة عدم الاستقرار المعيشي والأسري والأمني، التي تعصف بالقطاع وازدادت بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.
ويوضح زايدة أن الحالة الاقتصادية التي وصل إليها السكان من عدم امتلاكهم للسيولة النقدية، فضلاً عن تردد من يمتلكونها ورغبتهم بالمحافظة عليها في ظل الأوضاع الحالية، يضاف إليه تأثيرات الخصومات التي طاولت موظفي السلطة بغزة، كلها عوامل أدت لإحباط في الوسط الاستثماري.
ويشير إلى أن العام الماضي شهد ذروة كبير في تشييد البناء والتجمعات السكنية والتجارية، إلا أنه تراجع هذا العام وأضحت حركة التشييد بطيئة بفعل غياب الإقبال على شراء الشقق السكنية وميل الكثيرين إلى شرائها بنظام التقسيط طويل الأمد وهو ما يرفضه أصحاب العقارات.
ويضيف أن رفض أصحاب العقارات نظام التقسيط طويل الأمد على سنوات تصل في بعض الأحيان إلى 9 سنوات جاء بفعل الواقع الاقتصادي وعدم قدرة المالكين على السداد ما يؤدي إلى وصول الأمر نحو رفع قضايا في المحاكم من أجل الحصول على ما تبقى من ثمن هذه الشقق.
وبحسب وزارة الأشغال العامة والإسكان بغزة فإن القطاع الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني يحتاج لأكثر من 100 ألف شقة سكنية جديدة لحل أزمة الإسكان الحاصلة، في الوقت الذي لم يتم فيه الانتهاء من إعادة إعمار المنازل التي دمرت في الحرب الإسرائيلية الأخيرة عام 2014.
ويوضح أبو مدللة لـ"العربي الجديد" أن القطاع يحتاج سكانه نحو 100 ألف شقة سكنية جديدة إلا أن الإقبال متراجع بشكل واضح خصوصاً في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في السنوات الثلاث الأخيرة.
ويلفت إلى أن أسباب التراجع في قطاع العقارات وغيرها من القطاعات التجارية يعود إلى الإجراءات التي اتخذت من قبل السلطة الفلسطينية وما قامت به البنوك من وقف للقروض وتوقف القطاع الخاص عن التعامل بنظام التقسيط.
ويشير إلى أن غياب الثقة بين البنوك وبين الموظفين أدى لوقف التعاملات الجديدة لا سيما أن جزءا كبيرا منهم أحيل للتقاعد فضلاً عن الخصومات التي طاولت الرواتب، وهو ما يدفع البنوك لعدم المجازفة بطرح معاملات جديدة.
ولا يستبعد أبو مدللة حالة عدم اليقين السياسي الذي تعيشه غزة في السنوات الأخيرة التي تلت عدوان عام 2014 من أسباب وعوامل التراجع لا سيما أنه شهد تدمير 4 آلاف منزل بشكل كلي و11 ألف منزل بشكل بالغ وجزئي وهو ما يدفع بالكثيرين إلى عدم الإقبال على الشراء والاحتفاظ بأية مبالغ مالية لفترات أطول والانتظار.
ويشير إلى أن الواقع الحالي في سوق العقارات يتمثل في أن هناك نسبة عرض كبيرة أمام المواطنين في القطاع في الوقت الذي لا توجد هناك نسب إقبال على الشراء منهم بسبب الأوضاع والظروف الاقتصادية التي يعيشونها.
وبحسب التقديرات الرسمية والشعبية فإن متوسط دخل الفرد في القطاع لا يزيد عن 3 دولارات أميركية، في الوقت الذي يعتمد فيه أكثر من 80% من السكان على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المؤسسات الدولية والإغاثية.
وتعتبر رواتب الموظفين الحكوميين التابعين للسلطة الفلسطينية أو حكومة غزة السابقة التي تديرها حركة حماس مصدراً رئيسياً لتحريك القطاع التجاري، إلا أن عدم انتظامها وتقليص النسب التي يتقاضاها الموظفون أدت لتراجع كبير وكساد في الحركة الاقتصادية.
واضطر عدد من رجال الأعمال لاتخاذ خطوة الرحيل عن غزة ونقل أعمالهم واستثماراتهم إلى خارج القطاع، بعدما دفعتهم الأوضاع الاقتصادية المتردية نحو هذه الخيارات، في ظل معاناتهم من ركود تام شل حركة المشاريع التجارية داخل القطاع.
وكان القطاع الخاص قد أطلق عدة نداءات استغاثة لإنقاذ اقتصاد غزة من مزيد من التدهور، حتى إنهم اتخذوا خطوات احتجاجية على سوء الأوضاع سابقاً، تمثلت بعدة اعتصامات وإضرابات تجارية.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن نسبة البطالة بلغت خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 49.1%، ما يعادل 255 ألف شخص، لافتة إلى أن هذه النسبة تزيد في صفوف الخريجين من الفئة العمرية بين 20 و29 عاماً إلى 64%.
كان جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لكسر الحصار والنائب في المجلس التشريعي، قال لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق إنه باتت من الصعب قراءة المشهد والواقع في القطاع، مشيرا إلى أن أزمة الرواتب الأخيرة وما سبقها من أزمات أنتجت صورة غير مسبوقة، وأصبح الأمر يفوق قدرة السكان على الاحتمال.