وكانت فصائل "الجيش السوري الحرّ" والجيش التركي سيطرت في منتصف مارس/آذار الفائت على كامل مدينة عفرين وريفها، شمال غربي حلب، بعد انسحاب عناصر "وحدات حماية الشعب الكردية" من المدينة إلى مناطق سيطرة قوات النظام، وذلك بعد شهرين من المعارك في إطار عملية "غصن الزيتون" التي أعلنها الجيش التركي في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتعتبر منطقة عفرين مركز ثقل سكاني للأكراد السوريين، وكانت قد سيطرت عليها "الوحدات الكردية" في عام 2012 بتواطؤ من النظام السوري، وهو ما كان مصدر قلق دائم للجانب التركي الذي يخشى من قيام إقليم كردي في شمال سورية. وكثُرت في الآونة الأخيرة تجاوزات بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة السورية المسلحة بحقّ سكان عفرين الأصليين والنازحين والمهجرين إلى هذه المنطقة، وصلت إلى حدود لم يعد يطيق السكان احتمالها. ففي بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حاول عناصر من فيلق "المجد" الاستيلاء على منازل يقيم فيها مهجّرون من الغوطة الشرقية، بغية تحويلها إلى مقار عسكرية لهم، وفق ما ذكرت مصادر محلية، مشيرةً إلى أنّ معظم العائلات التي تقيم في تلك المنازل هي من سكّان مدينة عربين ممن هجروا من الغوطة الشرقية في إبريل/ نيسان الماضي.
وتشير المعلومات إلى أنّ عمليات إخراج المهجرين من المنازل التي يقيمون فيها في عفرين زادت في الآونة الأخيرة، رغم محاولات من الشرطة العسكرية وقيادات بعض فصائل "الجيش الحر" وقف هذه الانتهاكات. وجرى اشتباك الشهر الماضي بين عناصر من "جيش أحرار الشرقية" ومهجرين من أبناء الغوطة، على خلفية محاولة العناصر إخراج المهجرين من منازلهم. كذلك قام فصيل "لواء الشمال" بإخراج جميع سكان أحد أحياء مدينة عفرين على خلفية شجار بينه وبين أحد الفصائل في الحي.
وانتشرت في المنطقة عصابات تمتهن خطف أفراد من المدنيين الميسورين بقصد طلب الفدية، وقعت إحداها قبل نحو أسبوعين بيد فصيل تابع للمعارضة السورية، أشار إلى أنّ عناصر العصابة "هم من المدنيين، وكانوا يحاولون خطف أحد التجار وطلب 50 ألف دولار كفدية للإفراج عنه. وبعد المراقبة والتحقّق ألقي القبض عليهم وأحيلوا للقضاء".
من جانبها، أكّدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنّ انتهاكات عدة تجري في مدينة عفرين وريفها، موضحةً أنّ "الاعتقال بهدف الابتزاز المالي من قبل بعض الفصائل في مقدمة هذه الانتهاكات، إضافة إلى انتشار عصابات الاختطاف من أجل طلب فدية". وتابعت المصادر بالقول "هناك مصادرة للآليات والممتلكات بحجة انتماء أصحابها للوحدات الكردية، إضافة إلى إفراغ المنازل من أهلها وتأجيرها لحساب متزعّمي هذه الفصائل، وكذلك تأجير المحال التجارية، وجني المحاصيل الزراعية وخصوصاً الزيتون الذي تشتهر به عفرين، لصالح الفصيل".
وأكدت المصادر أنّه "منذ السيطرة على عفرين قبل أشهر عدة تجري عمليات اعتقال بحق مدنيين من دون تقديمهم للمحاكمة، كما تُطلب أتاوات من أصحاب المنازل بحجة الحماية". وكشفت المصادر عن أبرز تلك الفصائل التي تقوم بالانتهاكات، ومنها: "السلطان مراد"، "فرقة الحمزات"، "أحرار الشرقية"، "السلطان عثمان" و"أبو عمشة". وعن أبرز المناطق التي تحصل فيها الانتهاكات، أوضحت المصادر أنّ فصيل "أحرار الشرقية" يسيطر على منطقة أوتوستراد الفيلات في مدينة عفرين، وكذلك بلدة المحمودية، فيما يسيطر فصيل "أبو عمشة" على بلدة شيخ الحديد. أمّا "السلطان مراد"، فيسيطر على منطقة سد ميدانكي، في حين تسيطر "فرقة الحمزات" على منطقة الباسوطة، و"فيلق الرحمن" على منطقة معبطلي.
وتتميّز منطقة عفرين عن سواها من المناطق السورية، بزراعة الزيتون، التي طاولتها الانتهاكات أيضاً من قبل بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة السورية، والتي تقوم، وفق المصادر، بالسيطرة على بساتين كاملة، كان أصحابها قد اضطروا لمغادرة المنطقة نتيجة الحرب التي حدثت، والتي أجبرت آلاف المدنيين على ترك منازلهم وأراضيهم.
ورغم رسائل التطمين من قبل الفصائل المعارضة بعدم التعرّض لهم، إلا أنّ المزارعين يبدون خشية من سطوة بعض هذه الفصائل، مع بدء موسم قطاف الزيتون. وفي هذا الإطار، قال مزارع في المنطقة يدعى أبو محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ موسم الزيتون هو "شريان الحياة لأهالي عفرين"، مطالباً قادة "الجيش السوري الحر" بالتدخّل "من أجل إيقاف التعديات على مدنيين لا حول لهم ولا قوة أمام عناصر الفصائل الذين يمارسون كل أشكال الانتهاكات بحقهم". وختم أبو محمد حديثه بالقول "آن الأوان لوضع حدّ لحالة الفوضى في عفرين".
وأكّدت المصادر أنّ أهالي عفرين وريفها ما زالوا "يعانون من سرقة ممتلكاتهم ومحالهم التجارية من قبل مسلحين يتبعون لفصائل محسوبة على الجيش السوري الحر"، مضيفةً أنّ "معظم السرقات التي تم كشفها أخيراً في حي الصناعة مثلاً، تبيّن أنّ وراءها عناصر من الجبهة الشامية، فيما لا يجرؤ أحد من المدنيين على اتهام عناصر الجيش الحر، خوفاً من عمليات الانتقام". وأوضحت المصادر أنّ فصيل "أحرار الشرقية"، "يمارس انتهاكات بحقّ المهجرين من الغوطة الشرقية إلى منطقة راجو في عفرين، وهو الأمر الذي ولّد حالة استياء كبيرة بين السكان والمهجّرين".
ويأمل أهالي عفرين وسكانها أن يتحرّك "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية والمتمركز في شمال سورية، من أجل وضع حدّ للانتهاكات التي تتصاعد من قبل فصائل تتحرّك خارج الأطر العسكرية المعارضة.
وتعليقاً على ذلك، أكّد العقيد هيثم عفيسي، القيادي في "الجيش الوطني"، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ جيشه "يعمل على حسم هذه التجاوزات من خلال جهاز الشرطة العسكرية، والقضاء العسكري"، مضيفاً "هناك حزمة اعتقالات يومية لجميع المجموعات المسيئة، كما أنّ أبوابنا مفتوحة لأي شكوى لحلها مباشرة".
بدوره، قال أحد أعضاء المجلس المحلي الذي تمّ تشكيله من قبل "الائتلاف الوطني السوري" بعيد استعادة السيطرة على عفرين من "الوحدات الكردية"، إنّ "الانتهاكات كثيرة بحقّ السكان الأصليين والمهجرين"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ قادة في "الجيش السوري الحر"، "يحاولون وضع حدّ للعناصر المسيئة التي تمتهن الخطف وترهيب المدنيين". لكنه لفت إلى أنّ "هناك مجموعات من الصعب ردعها، وهو ما سبب حالة من الغضب بين الأهالي والسكان". وعن موقف القوات التركية الموجودة في المنطقة من هذه الانتهاكات، أشار إلى أنّ هذه القوات "تتدخّل أحياناً لحلّ المشاكل، ولكن الحقيقة أنّ الانتهاكات المتكررة تحتاج إلى حلّ جاد وجذري، خصوصاً من قبل فصائل الجيش السوري الحر".