عصام سلطان.. صوت متجاوز لـ"كفاية"

13 ديسمبر 2014
سلطان في قفص المحكمة خلال محاكمته (العربي الجديد)
+ الخط -

من مكاسب الثورة، أنها تضيء النفق، لكنها لا تأخذك إلى بر السلامة، بل تترك لك حرية الرؤية في التمييز ما بين الخطابات الواردة.
في الثورات تكثر الخطابات الواردة، ويكثر أيضاً المضللون وتكثر أدواتهم وشاشاتهم وتحليلاتهم وأكاذيبهم وحيلهم، ولكن يرسل الله اثنين: الشهداء والنبلاء؛ فأما الشهداء، فتصعد أرواحهم دون أن يهتموا بالقسمة، لأن الله وعدهم الشهادة، والله لا يخلف وعده، بينما النبلاء يعانون الهول من صانعي المستنقعات وأفاعي الوطنية والقَتَلة والمخبرين والتجّار.
كان عصام سلطان، بفطنته، يعرف كل هؤلاء ويفضحهم، كنت أقول لنفسي كيف أفلت هذا من الأذى والقتل والتنكيل إلى الآن، بل كيف أفلت من الشهادة.
كان متوهجاً بجانب الحق دائماً، وكان قادراً على الفرز رغم كل الطعنات التي وجهت له من الخصوم، بل أحرج نظام مبارك كاملاً بقضية أحمد شفيق، ولذا كان عصام هو أول صيد لهم بعد فض رابعة مباشرة.
بعد اعتقال عصام سلطان، أدركت أن الحقد له عين فاحصة ومدركة.
لا بد للطيّب، أي طيّب، حتى وإن كان نبيّاً، أن يفهم ذكاء الخصم، كان عصام سلطان يعرف لؤم الخصم وحيله أيضاً، وكان الخصم يعرف شكيمة عصام سلطان.
بعد الانقلاب عرف مكانه تماماً في ميدان رابعة، بلا أسئلة ولا سفسطة ولا مراجعة، مع باسم عودة وآخرين.
وفي لحظة القبض عليه، لم يكن مشتتاً، لأن فطنته حصّنته من أهوال الغدر.
في القفص، أرى عيونه أكثر ثباتاً وأكثر شجاعة من قاضٍ يتلجلج أمام الورق، ويداري عجزه أمام الأوامر بالنظارات السوداء.
أحياناً يكون لك أصحاب في السر، تختارهم لك الأقدار، وتلزمك بصداقتهم دون معرفة أو لقاء، صداقة تحتاجها أنت كمعنى، صداقة تنجيك من الزحام، صداقة شفافة لصالح الغيب.
صداقة تحس بها أن الكون على حاله وبه ما يدفعنا إلى الأمل، صداقة تضبط حال الكون دون الحاجة إلى معرفة رقم الهاتف أو عنوان الشقة أو المكتب أو المقهى المفضّل للصديق، صداقة تسند في العثرات والوحدة وانطفاء اليقين، صداقة لا تتحايل على اليقين ولا تزيّف المبدأ، حتى وإن طال صاحبها السجن بلا ذنب، فتكبر أيضاً تلك الصداقة رغماً عن السجن ورغماً عن عدم المعرفة.
هي أقرب إلى الثقة في أن الحق هو الحق، وأن المستنقع هو المستنقع وأن الذنب هو الذنب، حتى وإن آذيت فراشة.
صداقة تقول لك إن المطر من السماء فقط، وإن الله أكبر من كل الدول التي بالخريطة ومن كل الدول التي في انتظار أن تكون بالخريطة أو سوف يبتلعها المحيط.
للحق إخوة من غير دم ومن غير لقاء أيضاً. منهم عصام سلطان.

دلالات
المساهمون