وبدا واضحاً أن فشل جولة المشاورات السياسية، التي كان من المقرر أن تستضيفها جنيف في السادس من سبتمبر/ أيلول الحالي، نتيجة لغياب وفد الحوثيين، شكل على ما يبدو ساعة الصفر لاستئناف المعركة بعد تأجيلها لنحو شهرين، نزولاً عند الضغوط الدولية ونتيجة لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز العام الماضي، وذلك على أمل الوصول إلى تسوية سياسية كان يفترض أن تجنّب المدينة اليمنية الحيوية معركة مُكلفة، لا تقتصر تأثيراتها على الحديدة وحدها، بل تمتد إلى مختلف المناطق الشمالية التي تعتمد على الواردات القادمة من الحديدة.
وكان ملاحظاً من مجريات التطورات الميدانية في الأيام الماضية أن المعارك استؤنفت بصورة أعنف، ما يعزز مخاطر أن تكون كلفتها مرتفعة على المدنيين وعلى الطرفين المتصارعين نتيجة للاستعدادات العسكرية الكبيرة، سواء من قبل قوات الشرعية أو من قبل الحوثيين.
وبحسب مصادر عسكرية تحدثت مع "العربي الجديد" دفع الحوثيون خلال الأيام الثلاثة الماضية بعدد كبير من عناصرهم في المعركة بعدما سحبوا بعضاً من هذه العناصر من جبهات أخرى، لمحاولة إيقاف تقدم قوات الشرعية المدعومة من التحالف المستمر منذ أيام. وكان الحوثيون قد أمضوا الأسابيع الماضية في حشد المقاتلين والأسلحة وحفر الخنادق استعداداً لـ"المعركة الحاسمة". كذلك نشروا آليات ومدافع في مناطق مختلفة.
في المقابل، أكّدت مصادر في حديث مع "العربي الجديد" أن قوات الشرعية دفعت بتعزيزات وطلبت أمس دخول كتائب جديدة من القوات الموالية للشرعية للانخراط في هذه المعركة.
وتشارك قوى مدعومة من الإمارات على وجه التحديد في معارك الحديدة، أولاها "ألوية العمالقة" التي ينخرط فيها آلاف المقاتلين الجنوبيين. كذلك تشارك "المقاومة التهامية" التي تضم عسكريين من أبناء الحديدة موالين لسلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وثالث هذه القوى هي "المقاومة الوطنية" التي يقودها طارق محمد عبد الله صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قتل على أيدي الحوثيين، حلفائه السابقين، في ديسمبر/ كانون الأول 2017. وطارق صالح لا يعترف بسلطة الرئيس هادي.
قطع طريق صنعاء ــ الحديدة
وأفادت مصادر محلية وأخرى تابعة لقوات الشرعية، أمس الأربعاء، في حديث مع "العربي الجديد"، بقطع الطريق الواصل بين صنعاء والحديدة عبر منطقة "كيلو 16" نتيجة اشتداد المعارك التي ارتفعت وتيرتها منذ وقتٍ مبكر، فجر الأربعاء. وجاء ذلك بعدما دشنت القوات اليمنية، المدعومة من التحالف، عملية جديدة للتقدم باتجاه منطقة "كيلو 10"، مدعومة بغطاء جوي مكثف من الطائرات التي قصفت العديد من الأهداف، بما فيها حواجز و"متارس" أقامها الحوثيون في محيط مناطق المعارك.
ووفقاً للمصادر، تمكنت قوات الشرعية من الوصول إلى منطقة "كيلو 10"، وسيطرت على الطريق الرئيسي في المنطقة حتى تقاطع "قوس النصر"، حيث المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، قبل أن تصل إلى منطقة "كيلو 16"، التي تعد الهدف الأبرز للعملية. بدوره، أكد قائد ألوية العمالقة عبد الرحمن صالح (أبو زرعة)، لوكالة فرانس برس، السيطرة "على كيلو 16، بعد أسبوع من المواجهات مع الحوثيين".
وأدت هذه التطورات إلى قطع طريق صنعاء - الحديدة، الذي كان حتى عصر الأربعاء لا يزال خاضعاً للحوثيين، إلا أنه بات مهدداً في كل الأحوال، وخصوصاً بعد أن وصلت القوات الحكومية بالفعل إلى جانب من الطريق منذ يومين، وانسحبت تحت ضغط القصف المدفعي من قبل الحوثيين. وأكدت مصادر محلية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن معارك كيلو 16 تقطع المدخل الرئيسي إلى الحديدة مع صنعاء، إلا أن المدينة ما تزال تتمتع بطريق ثانوي آخر وهو "طريق الشام"، الذي ما يزال آمناً للمسافرين ويخضع لسيطرة الحوثيين.
وتقول مصادر ميدانية وأخرى محلية إن القوات الحكومية، في صدارتها ما يُعرف بـ"ألوية العمالقة"، التي دشنت حملة التقدم نحو مدينة الحديدة مجدداً، تسعى للوصول إلى "دوار السفينة"، وهو مثلث - مفرق طريق "الحديدة - صنعاء" و"الحديدة -تعز"، بمنطقة "كيلو 16". ومن شأن انتزاع السيطرة على هذا الجزء المهم جنوب المدينة أن يخفف هجمات الحوثيين نحو المناطق الخارجة عن سيطرتهم جنوب المدينة وقطع العديد من خطوط الإمدادات التي يستخدمونها نحو المديريات الجنوبية التي باتت أجزاء كبيرة منها خاضعة لقوات الشرعية، وهو ما يفسر ضراوة المعارك. وفي السياق، تحدثت أنباء، لم يعلق عليها الحوثيون، عن مقتل مشرف مقاتلي الجماعة في منطقة "كيلو 16"، ويُدعى "أبو تمام"، بغارة جوية استهدفت دوار منطقة "الفرزة"، وسقط على إثرها ضحايا مدنيون من الموجودين في المكان.
كذلك تحدثت مصادر طبية أمس عن مقتل 48 شخصاً وإصابة 65 شخصاً بجراح خلال 24 ساعة من المعارك. وفيما سادت حالة من الخوف والهلع في أوساط سكان الحديدة، التي يقطنها مئات الآلاف، بما فيها الأحياء الواقعة جنوب المدينة، على نحو خاص، اضطرت أعداد غير قليلة من الأسر إلى النزوح، وبقيت أخرى تعيش على أصوات القذائف. وحتى على مستوى النزوح، فإنه يمثل مغامرة، بالنسبة إلى المناطق القريبة من المواجهات، مع احتمال تعرضها للقصف في أي لحظة، كما حصل في مناطق أخرى شهدت مواجهات مباشرة بمحيط المدينة خلال الأشهر الأخيرة.
وتمدد المواجهات يهدّد الميناء نفسه، الذي يستقبل أغلب الواردات إلى البلاد. ويسعى الحوثيون إلى استمرار بقاء الميناء تحت سيطرتهم، متذرعين باستمرار إدخال المساعدات، لكن أهمية الميناء بالنسبة إليهم تكمن في أنه يمثل مصدر دخل رئيسياً ويعتمدون على إيرادات الميناء لرفد خزينتهم المالية، بعد أن بات أغلب مصادر الثروة تحت سيطرة الشرعية والتحالف.
مخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية
من زاوية أخرى، فإن قطع مدخل الحديدة الرئيسي من جهة صنعاء، يعزز المخاوف لدى المنظمات الإغاثية والإنسانية من تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية في البلاد، نتيجة تأثر تدفق الإمدادات بالمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والوقود المتجهة من ميناء الحديدة إلى صنعاء، خصوصاً أن الميناء يمثل الشريان بالنسبة للعاصمة صنعاء ومختلف المدن والمحافظات الشمالية الخاضعة للحوثيين التي تتركز فيها الكثافة السكانية.
وقد بدأت بوادر الأزمة فعلاً، خلال اليومين الأخيرين، من خلال أزمة وقود في صنعاء ومناطق أخرى، على الرغم من تأكيد شركة النفط الخاضعة للحوثيين بوجود كميات كبيرة من المشتقات النفطية لا تدعو إلى القلق، إلا أن محطات عدة أغلقت أبوابها، وإن كان البعض يربط بين إغلاق المحطات وبين رغبتها في تحقيق أرباح مالية إضافية نتيجة التوقعات بارتفاع الأسعار في الأيام المقبلة، بما في ذلك أسعار المشتقات النفطية.