عروسة العبّارة

05 سبتمبر 2016
هذه المرّة، لبست أختي فستاناً أبيض (لودوفيك مارين/فرانس برس)
+ الخط -
كنّا، أختي وأنا، نفتح شبّاك غرفتنا في بيت جدّي القديم كل صباح. تسأل إحدانا الأخرى: "بدّك نلعب بيت بيوت؟" قبل أن نخرج صحوناً وملاعق من البلاستيك الزهريّة اللون وغاز الطهي وطناجر نصفّها عند الشباك ونجلس أمامه نحدّث بعضنا عن أوضاع زوجَينا وعائلتَينا وأشغالنا الكثيرة. في كلّ مرّة، تكون إحدانا "مدام وردة" والأخرى ضيفتها التي جاءت تحتسي القهوة. نقرّب فنجان "الشفّة" الزهريّ من شفتينا، نرتشف بعضاً من "الفراغ" الذي يحتويه ثم نفتعل صوتاً هو صوت احتكاك القهوة الحارّة بلسانيَنا.

هذا في الصباح. أمّا في فترة ما قبل الظهر، فترسلنا جدّتي إلى الدكان. نهرع إلى دكان "بيت زَخيا"، أو نركض نزولاً إلى دكان "بيت البابا" أو "الجعيتاني" أو محل "مارشا" للخضار والفاكهة. توصينا جدّتي أن نذكّر أصحاب الدكان أنّ الأغراض عائدة لـ"إم نديم"، حتى تضمن جودة ما يرسلونه معنا، نحن اللتان لا تميّزان باقة بقدونس قطفت للتوّ عن أخرى باتت ليلتها في المتجر. حصّتنا من الرحلة هذه مناقيش السمنة والسكّر من عند الفرّان رامز، التي بسببها ما زلنا حتى اليوم نحمّل جدّتي مسؤولية كيلوغرام أو اثنين من الوزن الزائد نلاحظهما هنا أو هناك.

كانت الرحلة إلى العبّارة، وهو اسم الحيّ الذي نمضي فيه فصل الصيف في منطقة إهدن الجبليّة، رحلة ممتعة شرط ألّا ترسلنا جدّتي أكثر من مرتين إلى الدكان. يحدث ذلك بعد أن تتذكّر أن الطبخة تنقصها رشّة كمّون، أو يلزمها صحن تبّولة يزيّنها. فالعودة من العبّارة ليست كالذهاب إليها، إذ إن بيتنا يقع في الحيّ العلوي والطريق صعودًا تتعب ركبنا الصغيرة. في الرحلة الثالثة، كانت أختي تطلب منّي ألّا أرافقها كي لا أتعب. تذهب، وأنتظرها ريثما تعود.

انتظرتها حتى تعود من العبّارة. وكنّا نكبر في كلّ شتاء، ونعود صيفاً إلى بيتنا. انتظرتها حتى تعود مع مشترياتها، وبقينا نكبر شتاءً ثم نعود صيفاً بشعر أسود طويل وقامات أطول، إلى أن رافقتها في رحلتها الدائمة هذه إلى بيت قريب يقع في حيّ العبّارة أيضاً، على بعد مسافة قصيرة كانت تكلّفنا الركض لثوانٍ إضافية لمّا كنّا صغيرتين.

هذه المرّة، لبست أختي فستاناً أبيض في رحلتها إلى العبّارة. رافقتُها ورافقَتها جدّتي والعائلة كلّها، فيما ينتظرها حبيبها في الكنيسة التي تقع في المكان الأكثر ارتفاعاً في إهدن. عروسة العبّارة انتقلت من بيت إلى آخر. لكنّها تبقى في العبّارة، وأبقى أنتظرها، أنا ضيفتها وهي "مدام وردة" التي لا تنفكّ تُزهر في قلبي.

المساهمون