يعيش السوريون تحت حصار رهيب في الداخل والخارج، فالحواجز واستحكامات الإسمنت، ونقاط التفتيش، تقطع أوصال سورية وتمزق شوارعها وأحياءها، عدا ما تحول منها إلى ساحات قتال، يتنازعها جيش النظام والمليشيات الإسلامية المتطرفة و"المعتدلة". آلة الموت تعمل بانتظام لا تميّز بين "معارض" و"موال"، أو أغلبية صامتة.
حظ الثقافة منعدم في هذه الأجواء، إلا تلك الفعاليات التي تقام حرصاً على المظاهر، ليعتقد المراقبون في الخارج، أن الأوضاع وإن كانت ليست على ما يرام، لكنها تسمح بعروض مسرحية للكبار والأطفال، أو موسيقية لهواة الكلاسيكيات العالمية وأغاني التراث.
العرض الأكثر استحواذاً هو مسلسل القتل والدمار، الذي بلغ من تكاليفه أنه التهم الدخل القومي السوري طوال السنوات الماضية، وأتى على الجزء الأكبر من الاحتياطي النقدي، إضافة إلى ما ترتب على سورية من ديون إيرانية وروسية، وما بذله ممولو التشبيح، كلّها تصرف على أسلحة وذخائر تهدر يومياً.
يقتل سوريون إخوتهم من السوريين، وتعاني الغالبية العظمى من الغلاء والجوع، والعيش على ما تسمح به المساعدات الدولية، وكرم الدول المانحة والصديقة والمتعاطفة مع آلامهم. ولهذا حثت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية على إقامة مخيمات تؤويهم، أسوة بإخوتهم الفلسطينيين، تحميهم من حرّ الصيف وبرد الشتاء، قد تدوم إلى مدة غير محددة، ما يشير إلى أن الكارثة استوطنت في سورية.
الأمم المتحدة طالبت "المؤتمر الدولي للمانحين" لدعم الوضع الإنساني في سورية والذي عقد في الكويت مؤخراً، بتوفير نحو ثمانية مليارات دولار للحفاظ على حياة ملايين السوريين المنكوبين، النازحين في الخارج والداخل (العدد التقديري عشرة ملايين قابلة للازدياد يومياً). وهو مبلغ كبير، لكنه لا يزيد عن ما تنفقه شبكة "سكاي الرياضية" على حقوق بث مباريات الدوري الممتاز. ولقد وعد مؤتمر المانحين الشعب السوري المتضرر بتوفير مبلغ 3.8 مليارات دولار فقط.
المقارنة ليست مع حاجة النازحين، وإنما مع شبكة سكاي، لا تخلو من إجحاف صارخ، فسورية ضمنت للمتفرجين عرضاً مستمراً طوال أربع سنوات مضت، مرشحاً للبقاء لأربع سنوات أخرى، وربما إلى زمن قد يكون بلا نهاية، وهو بلا شك أطول من زمن مباريات الدوري الممتاز، ومعه المونديال، وجميع مباريات العالم السابقة واللاحقة..
بلا مقابل، وعلى مدار الساعة، مع تميّز الكارثة السورية بأن المعارك حقيقية، والضحايا حقيقيون، والمجرمين حقيقيون. بوسع المتفرجين الخيار في سباق القتل المتواصل بين مجرمي النظام ومجرمي إيران وروسيا، والمسلحين بأنواعهم المتوحشين والمتطرفين والأبرياء.
قائمة الخيارات واسعة جداً ترضي حتى أصعب الأمزجة وأردأها.
لو اتجهت جهود "المجتمع الدولي" إلى وقف إطلاق النار بالقوة في سورية، لكان أجدى، ولوفّر على السوريين آلاماً لا يشفيها مال العالم كله.