أحمد علاء الذي فقد والده وعمه خلال تلك الفترة (2006-2007) يروي بألم كبير مأساته التي يقول إنها لا تختلف كثيرا عن مصائب أخرى لعراقيين تركوا بلادهم مرغمين. ويتحدث لـ"العربي الجديد" عن رفض والده ترك منزله حين تلقى تهديدا بالرحيل نهاية عام 2005.
ويضيف "جلسنا صباحاً ووجدنا عند باب المنزل رسالة بداخلها رصاصة، وورقة مكتوب فيها الرحيل خلال 48 ساعة أو الموت"، موضحا أن الرسالة طلبت منا العودة إلى مسقط رأس جدنا في محافظة الأنبار (غرب العراق).
ويتابع "رفض والدي الانصياع لما ورد بالتهديد، وواصل رفضه إلى أن قتل هو وعمي عند باب منزلنا بعد ثلاثة أشهر على يد مليشيات مسلحة كانت تستقل سيارات حكومية. ذلك الواقع اضطرنا لحزم أمتعتنا وبيع منزلنا والسفر إلى لبنان"، مبينا أن قيمة المنزل نفدت بعد سنتين بسبب تكاليف السفر وغلاء المعيشة في بيروت.
ويروي علاء أنه يعمل في مطعم واقع في شارع الحمرا صباحا، قبل أن ينتقل للعمل في محل آخر لبيع الحلوى من أجل توفير جزء من متطلبات الإيجار الشهري لعائلته. ويوضح أنه يحلم بالعودة لرؤية منطقته وأقاربه وأصدقائه الذين فارقهم منذ كان طفلا. لكن هذا الحلم يصطدم بالعنف والفوضى التي تشهدها البلاد، والتي تزداد يوما بعد آخر على الرغم من تغير الحكومات.
وتشير تقديرات السلطات اللبنانية إلى أن عدد العراقيين في البلاد يبلغ نحو 40 ألف عراقي، في حين تقدر الأمم المتحدة عدد العراقيين المسجلين لديها في لبنان بنحو 18 ألفاً فقط.
وتأتي بيروت في المرتبة الرابعة بعد الأردن والإمارات ومصر بين الدول العربية التي تحتضن أكبر عدد من العراقيين، بعد تراجع أعدادهم في سورية واليمن وليبيا جراء تردي الوضع الأمني في تلك البلدان.
ويعمل غالبية العراقيين في القطاع الخاص، واحتلوا الصدارة في معدلات شراء العقارات بين أقرانهم من الدول العربية الأخرى في الأردن ومصر والإمارات التي تسمح بتملك العقارات.
أما سفيان الأعظمي الذي يبيع الشاي العراقي في محل صغير جداً بأحد الأزقة القريبة من شارع الحمرا، فيؤكد أنه كان مديراً لقسم المبيعات في إحدى دوائر وزارة التجارة العراقية. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنه رفض عام 2015 إعطاء مليشيا "الحشد الشعبي" كميات كبيرة من الرز والطحين والسكر طلبوها لتمويل معسكراتهم. ويشير إلى أن رفضه دفعهم للاتصال بأحد المدراء العامين في الوزارة، الذي دبر له قضية اختلاس كيدية تسببت بفصله من وظيفته.
ويقول "لم تكتف المليشيات بفصلي بل طالبوني بدفع فصل عشائري يبلغ 100 مليون دينار عراقي (ما يعادل 80 ألف دولار أميركي) بحجة أني شوهت سمعة بعضهم، حين قلت إني رفضت مساعدتهم على السرقة".
ويضيف "بما أنني لم أخالف القانون، ولم أعترف يوما بالأعراف العشائرية، قررت مغادرة العراق للتخلص من ضغوط المليشيات"، مبينا أنه ينتظر زوال كابوس القتل والخطف والجريمة في العراق من أجل العودة.
بدوره، يؤكد العميد المتقاعد عمران حسين أن لبنان بلد جميل، وتتوفر فيه جميع سبل الأمن والراحة، لكن متطلبات المعيشة فيها مرتفعة جدا بالنسبة للعراقيين، ويشرح لـ "العربي الجديد" أنه اضطر لتأجير منزله في حي اليرموك الراقي وسط بغداد وعمارته في منطقة الشورجة التجارية، والسفر إلى لبنان للحفاظ على حياة أسرته.
ويشير إلى أن غياب الدولة أدى إلى بروز ظاهرة السلاح المنفلت خارج إطار القانون، معرباً عن أمله بأن تشهد المرحلة المقبلة حلا للأزمة من خلال حصر السلاح بيد الدولة.
ويلفت إلى أنه يقضي أغلب وقت فراغه في شارع الحمرا الذي يتواجد فيه عدد كبير من العراقيين، سواء كانوا سياحا أم عاملين، مبينا أنه يتناول أغلب وجباته في مطعمي البغدادي وعراق الخير الواقعين في المنطقة ذاتها".