رغم مضي قرابة ثلاث سنوات على تحرير مدن شمالي وغربي العراق من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، ما زال أهالي بلدة سنجار يجهلون مصير الآلاف من أبنائهم المفقودين، وفي ظل التجاهل الحكومي لمعاناتهم، لجأ بعضهم إلى البحث العشوائي داخل مواقع المقابر الجماعية.
وتضم بلدة سنجار (80 كلم شمال غرب الموصل) نحو 100 مقبرة جماعية، واستقبلت أخيرا دفعات جديدة من سكانها النازحين وفق برنامج تدعمه الأمم المتحدة، وأغلبهم من الأيزيديين، ولم تقم الحكومة العراقية بفتح أي من تلك المقابر حتى الآن رغم مناشدات الأهالي، مؤكدة أن الأسباب تتعلق بتوفير أجهزة كشف الحمض النووي للتعرف على هوية الضحايا.
وقال مسؤول محلي في البلدة إنهم قدموا طلبات كثيرة إلى الحكومة المركزية في بغداد لفتح المقابر، لأن هناك عوائل تريد معرفة مصير أبنائها، لكن لم تتخذ الحكومة أية خطوات تجاه ذلك، مبينا لـ"العربي الجديد" أن "مماطلة الحكومة في هذا الملف الإنساني زادت من معاناة ذوي الضحايا الذين يجهلون مصير أبنائهم المفقودين منذ احتلال البلدة على يد تنظيم داعش، في صيف العام 2014".
وأكد المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "بعض الأهالي توجهوا إلى المقابر للبحث عن أي دليل فيها حول مصير المفقودين، مثل الملابس أو الأوراق الثبوتية، ويجري البحث بشكل عشوائي، في حين يتواصل الصمت الحكومي، وحاليا ندعو المنظمات الدولية والأمم المتحدة إلى التدخل من أجل إنهاء هذا الملف الإنساني".
وقال قائممقام بلدة سنجار محمد خليل، لـ"العربي الجديد"، إن "البلدة تضم أكثر من 95 مقبرة جماعية للأيزيديين، وهناك نحو 3 آلاف أيزيدي مفقود منذ 2014، وطالبنا الحكومة بإجراء مسح جغرافي لإنهاء معاناة ذوي القتلى والمفقودين، لكن الحكومة لم تتحمل مسؤوليتها".
وأضاف خليل: "لا نعرف بالتحديد أسباب عدم اتخاذ إجراءات لفتح المقابر، ربما هناك أسباب سياسية وأمنية واقتصادية تحول دون ذلك. الدستور ينص على أن تتحمل الحكومة مسؤولية تعويض الأهالي الذين تتعرض مناطقهم لعمليات عسكرية، لكن الحكومة تجاهلت كل ذلك، فلا تعويض، ولا حتى فتح للمقابر الجماعية".
وأوضح أن "نبش المواقع التي تضم قبورا جماعية قد يكون تصرفا فرديا من قبل الأهالي، لكننا نناشدهم بعدم اللجوء إلى هذه الطريقة، فيجب أن تكون هناك جهات رسمية ولجان خاصة تفتح تلك القبور وتحدد هويات الضحايا، ونحمل الحكومة ومؤسسة الشهداء مسؤولية هذا الملف".
من جهتها، حذرت مؤسسة الشهداء التابعة للحكومة ذوي الضحايا من اللجوء إلى نبش المقابر، وقال رئيس المؤسسة كاظم عويد إنها "الجهة الوحيدة المعنية بالتنقيب داخل المقابر الجماعية، كون الملاكات المتخصصة في المؤسسة لديها الخبرة في الحفاظ على معالم الرفات، وحفظ الأدوات التي يتم العثور عليها".
ودعا عويد أهالي سنجار الذين عادوا إلى مناطقهم إلى "ضرورة إبلاغ دائرة شؤون المقابر الجماعية في حال العثور على أي مقبرة، وتجنب النبش العشوائي الذي يخفي معالم الرفات، ليتسنى للملاكات المختصة بالمؤسسة فتحها وتوثيقها فنيا وقانونيا، والحيلولة دون ضياع الحقوق"، مشيرا إلى أن "المؤسسة تجري التنسيق مع البرلمان والجهات الحكومية من أجل تنفيذ مطالباتها، وتتعاون مع لجنة الشهداء والسجناء السياسيين في البرلمان من أجل تفعيل جميع النصوص القانونية لإيصال جميع الحقوق المادية والمعنوية إلى أصحابها".
وقال الناشط حاتم كرمو، وهو من أهالي سنجار، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة لا تعامل ذوي المختطفين على أنهم من ضحايا الإرهاب، وحتى الآن لم تدفع لهم أية مبالغ تعويضية أو رواتب، أو حتى إعانات، ومع اليأس من العثور على المفقودين أحياء، يسعى كثيرون إلى طي هذه الصفحة، وتقديم طلب استصدار شهادات وفاة، أملا بالحصول على ما يعينهم في إعادة إعمار منازلهم المدمرة، أو تدبير حياتهم اليومية، والحكومة تتحمل بالدرجة الأولى مسؤولية قيام البعض بنبش القبور، وهي تصرفات محدودة حتى الآن".