عدي مدانات.. روح عمّان الحارسة

26 نوفمبر 2014
هيلدا الحياري / الأردن
+ الخط -

قد تكون الحكاية في رواية "الآنسة أزدهار وأنا" عادية جداً ومكررة. ولا بد أن الكاتب الأردني عدي مدانات (1938) يعي ذلك. غير أن الحكاية ليست الأساسية هنا، فالرواية تكمن في التفاصيل، إذ يهمّش مدانات الحدث الرئيسي، ويجعل البطولة للتفاصيل الصغيرة في بيت ازدهار، الشخصية الأساسية في العمل، كعلاقتها بالنباتات المنزلية، أو طريقتها في إعداد فنجان قهوة، أو اللوحات التي ترسمها.

البطلة امرأة مرّ عليها الزمن وتركها من دون زوج أو رفيق. تخلّت عن فكرة الزواج من أجل حماية بيتها وعائلتها من الفقر والعوز، لتجد نفسها، بعد أن يمضي العمر، وحيدة، إذ يغيّب الموت والديها، ويتزوج أشقاؤها، وتترك مديرة المدرسة تلميذاتها بعد حصولها على التقاعد. هكذا، تسير الحياة بازدهار نحو عزلتها الخاصة، فتعيش في بيت العائلة الكائن في أحد أحياء عمان القديمة.

تبدأ القصة عندما يحمل الراوي، الذي يعمل طبيباً، رسالة شفوية لازدهار، من أحد التجار يعرض فيها شراء بيتها بثمن كبير. التاجر، الذي يخطط لهدم البيت وإقامة عمارة سكنية حديثة مكانه، قام بتكليف الطبيب بهذه المهمة بصفته مقرباً منها ومن عائلتها، لكن ازدهار سترفض العرض بطبيعة الحال.

أبطال رواية صاحب "تركت الأيام الثقيلة"، أشخاص عاديون، يخوضون مواجهة يومية مع الواقع العمّاني الرّتيب، الذي لا يتغيّر منه شيء سوى شكله، على مستواه العمراني تحديداً. ويقترب الكاتب من الحياة الخاصة للأفراد في تلك المدينة، وما يعيشونه من عزلةٍ ووحدة.

تنتصر رواية "الآنسة ازدهار وأنا" (دار الآن) للمرأة. غير أن مدانات قد بالغ أحياناً في رسم صورة المرأة كقديسة أكثر منها إنسانة؛ فهو يصف - على لسان الراوي - صفاء وجهها وعينيها بأنه "أشبه ما يكون بهالة نورانية، لا تتأتى إلا لمن امتلكت القناعة كلها، وصفو النفس، واليقين، والتعالي عن صغائر الأمور الدنيوية". ويصفها أيضاً برحابة الصدر وبالتسامي، ويخاطبها الراوي أيضاً بـ"أنت سامية بهية ووافرة المنعة وصفاء النفس". هذه الإنشائية أثّرت على مسار اللغة في الرواية وحوّلته إلى مسار خطابي وعظي، يحاول تفسير رسالة الرواية بشكل مكشوف.

كما أنّ وضع الشخصية الروائية في هذا القالب المثالي من التعالي والتسامي يأتي ليفرض رؤيته على القارئ، ويجبره على التعاطف معها. فبالرغم من أن الكاتب ينجح في كسب تعاطف القارئ، فإنّ الأفضل لو أنه تركه يطلق حكمه الخاص على مجرى الأحداث، من دون أن يلجأ إلى إكراهه على ذلك.

وإن كان ثمة ربط بين شخصية ازدهار وعمان القديمة؛ فإن الكاتب اكتفى من عمان بذكر الأسماء من دون التفاصيل، الأمر الذي تدخّل في قدرة النّص على استعادة روح المدينة القديمة، حتى بدا أن الارتباط بين الشخصية والمكان محصور في حدودها الرمزية. فازدهار بثباتها ترمز إلى ثبات عمان القديمة في وجه العمران الحديث.

المساهمون