عجز موازنة مصر وزيادة أسعار الوقود

22 يونيو 2018
زيادات أسعار مرهقة للمواطن المصري (فرانس برس)
+ الخط -

في ثاني أيام عطلة عيد الفطر المبارك، وبعد 3 أيام فقط من تعيين الحكومة المصرية الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي، وبعد أسبوعين من بدء الولاية الثانية للحكم، قرر عبدالفتاح السيسي رفع أسعار الوقود للمرة الثالثة في أقل من عامين، والرابعة منذ توليه الحكم منتصف 2014. وشملت الزيادات الجديدة رفع سعر بنزين أوكتان 92 نحو 35%، وسعر بنزين أوكتان 80، والسولار 50%، وبنزين أوكتان 95 نحو 17.4%، وسعر أسطوانات الطهو نحو 66.6%.

تبرر الحكومة زيادة الأسعار الأخيرة بتخفيض عجز الموازنة، وتوفير نحو 50 مليار جنيه من مخصصات الدعم في موازنة عام 2018/ 2019، وقال وزير البترول المصري، طارق الملا، أن مبلغ الدعم سينخفض من 139 مليار جنيه في الموازنة السابقة إلى 89 مليار في الموازنة الحالية، وهو هدف متفائل، فشلت في تحقيقه بعد ثلاث زيادات سابقة.

تداعيات القرار

مثل سابقاتها، سيكون للزيادات الجديدة تأثير كبير في معاناة المصريين، سيما أن الحكومة قد زادت أسعار السولار وبنزين أوكتان 80، وهي المحروقات التي يستهلكها المصريون بكثافة، بنسبة 50%، ما يزيد أسعار السلع الغذائية، والبضائع، والمواصلات، والخدمات، مدعومة بزيادة تعريفة النقل، وتكاليف الزراعة والصناعة.
كما تؤدي زيادة سعر اسطوانات غاز الطهو المنزلي بنسبة 66.6% إلى معاناة الفقراء في القرى والكفور والنجوع، والتي تصل معدلات الفقر فيها قبل ارتفاع الأسعار الأخيرة إلى 60% في محافظات الوجه البحري، و80% في محافظات الوجه القبلي، وجميعها ما تزال محرومة من الغاز الطبيعي الرخيص نسبيًا.

وسوف يتحمل المصريون الفقراء، أكثر من الأغنياء، تداعيات زيادة الأسعار، لأن الزيادات الكبيرة كانت من نصيب اسطوانات غاز الطهو المنزلي، والسولار، والبنزين الأقل جودة، عكس الزيادات في الغاز المستخدم في أغراض الصناعة والصناعات كثيفة استهلاك الوقود، والبنزين أوكتان 95، الذي يستخدمه أصحاب السيارات الفارهة.

رفع أسعار الوقود سوف يزيد أيضًا من تكاليف المعيشة، ويقلل الطلب على السلع، ما يزيد من حالة الركود المزمنة، وتوقف الاستثمار التوسعي والأجنبي، والاستغناء عن جزء من العمالة القديمة، وتراجع معدلات تشغيل عمالة جديدة، فتتفاقم مشكلة البطالة والجرائم المرتبطة بها.

بدائل متاحة

هناك بدائل عدة لعلاج عجز الموازنة العامة للدولة من أبرزها:

1 - الحكومة يمكن أن توفر 600 مليار جنيه، هي تكلفة فاتورة الفساد الحكومي في عام واحد فقط هو 2015، بسعر 8.8 جنيهات للدولار، ليس فيها الفساد في مؤسسة الرئاسة ولا الجيش ولا الشرطة ولا القضاء، وفق تصريح رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، والذي أقاله السيسي بسبب الإعلان عنها، ثم سجنه لاحقًا، ما يعني أن تكلفة زيادة أسعار الوقود الأخيرة لا تمثل سوى 8.3% من بند فساد الحكومة في عام واحد فقط. وجاء في تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2016 "يبقى الفساد مستشرياً في مصر في ظل غياب أي إرادة سياسية حقيقية وجادة لمكافحته".

2 - ترشيد القروض المليارية، بالدولار وبالجنيه المصري، والتي وصلت إلى 4 تريليونات جنيه نهاية 2017، اقترض السيسي منها 2.3 تريليون جنيه خلال 4 سنوات فقط، ما يعني أنه اقترض خلال فترة حكمة أكثر من قروض مصر في 50 سنة ذهبت في مشاريع وهمية، تكلفت 2 تريليون جنيه، وفق تصريح السيسي. ورغم ذلك لم يكن لها عائد حقيقي وسريع حتى يشعر به المواطن.

من بين هذه المشاريع، تفريعة قناة السويس، والتي تكلفت 8 مليارات دولار، والمفاعل النووي بقرض روسي قيمته 25 مليار دولار، وشبكة الطرق التي تنفذها القوات المسلحة، ولا تصمد أمام الأمطار. ولم يكن لهذه المشاريع أي دور في تشغيل الشباب أو وزيادة الانتاج المحلي الذي يخفض أسعار السلع الغذائية والخدمات، وتقليل فاتورة الاستيراد.

وكان من الأولى توفير فوائد خدمة الدين على هذه القروض، والتي وصلت في 2018 إلى 437 مليار جنيه، وأقساط الديون والتي وصلت إلى 265 مليار جنيه، وكان يمكن أن تغطي هذه الفوائد كل تكاليف دعم بند العدالة الاجتماعية في الموازنة، لو توافرت سياسات اقتصادية رشيدة، لا تنقصها الشفافية، وتخضع للرقابة والمحاسبة.
3 - توقف الحكومة عن دعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، كالأسمنت والحديد والصلب والألمنيوم والزجاج والسيراميك، والتي تستحوذ على 25% من دعم الطاقة، بقيمة 74.5 مليار جنيه، وتحقق قلة من أصحاب هذه المصانع المقربين من النظام، أرباحاً خيالية عبر تصدير منتجاتهم وبيعها بالأسعار العالمية.

وبالرغم من انخفاض طاقة تشغيل الأيدي العاملة، وحصولهم على حافز التصدير، وتحقيق أرباح تتضاعف عن نظيراتها من المصانع في كل دول العالم، تستمر الحكومة في دعم هذا القطاع، وقام الجيش ببناء مصنع العريش للأسمنت بمحافظة شمال سيناء بطاقة 3.2 مليون طن/عام حتى ينعم القادة بدعم الطاقة وحافز التصدير.

4 - تحصيل الحكومة 300 مليار جنيه، عبارة عن مستحقات لوزارة الزراعة، لدى رجال أعمال ورتب عسكرية وقضاة، استولوا على أراضٍ زراعية على جانبي طريق القاهرة اسكندرية الصحراوي بسعر 200 جنيه للفدان، أعلن عنها السيسي في لقاء رؤساء الصحف في 2014، وحولوها إلى منتجعات سياحية وسكنية، بديل عقلي لخفض الموازنة قبل رفع أسعار الوقود على الفقراء.

5 - تحصيل الحكومة 100 مليار جنيه، عبارة عن متأخرات ضريبية على رجال أعمال، تعهدوا بدفعها في عهد د. محمد مرسي، وتصالح السيسي معهم وأعفاهم من سدادها لأنهم ساعدوه في انقلاب يوليو، بديل آخر تفرط فيه الحكومة.

6 - تحصيل الحكومة 40 مليار جنيه، عبارة عن فروق أسعار الأراضي التي بيعت في عهد مبارك للمستثمرين ورجال الأعمال المقربين من السيسي بعد انقلاب يوليو، بديل إضافي لسد عجز الموازنة.
7 - تطبيق الحكومة الحد الأقصى للأجور يوفر مبلغ 20 مليار جنيه، ولكن النظام يرفض حتى لا يُضار الداعمون للنظام من ضباط الجيش والداخلية والقضاة، كما أن فرض الحكومة ضرائب تصاعدية على كبار المستثمرين، كما ينص الدستور، وبعيدًا عن أجور الموظفين الفقراء، يوفر للموازنة مبلغ 20 مليار جنيه إضافية، ما يعني توفير 80% من الزيادة في أسعار المحروقات من هذين البندين فقط.

كل هذه المليارات محسوبة بقيمة الدولار في بداية تولي السيسي الحكم، أي 8.88 جنيهات للدولار، وهي تساوي 8.5 تريليونات جنيه، بسعر 18 جنيهاً للدولار. هذا المبلغ يكفي لسداد فاتورة الدعم، ويكفي لتغطية النفقات الاستثمارية اللازمة لتشغيل ملايين الشباب في قطاع الصناعة، ودعم المزارعين لسد الفجوة الغذائية في قطاع الزراعة.

فشلت سياسة رفع أسعار الوقود ثلاث مرات في تخفيض عجز الموازنة، لأن تعويم الجنيه أمام الدولار كمطلب من مطالب صندوق النقد الدولي، أدى إلى تضاعف الدعم المخصص للوقود في موازنة 2016/2017، وارتفع من 50 مليار إلى 100 مليار جنيه، ثم 139 ملياراً في الموازنة السابقة.

وسوف يزيد العجز في الموازنات اللاحقة، سيما أن الحكومة حددت سعر برميل النفط في موازنة 2018/2019 عند 67 دولاراً، ولكن الأسعار قاربت من 80 دولاراً للبرميل، مع توقع ارتفاع السعر العالمي مجدداً، ووضعت الدولار عند سعر 17.25 جنيهاً، ولكنه يقترب من 18 جنيهاً في البنوك الرسمية، ما يثبت فشل سياسة رفع أسعار الوقود كبديل سهل لتخفيض العجز في الموازنة.

ختامًا، سوف تفشل الحكومة في تخفيض عجز الموازنة العامة من خلال زيادة سعر السولار والبنزين واسطوانة البوتاجاز، وما لم تطبق حلولًا جوهرية لدعم الاستقرار، وزيادة الاستثمار وفرص العمل والإنتاج، وإصلاح منظومة الأجور، ومحاربة الفساد، ووقف سياسة القروض غير المسؤولة، وتجميد المشاريع الوهمية، سوف يتفاقم عجز الموازنة، وترتفع الأسعار، وتخرج الأمور، كل الأمور عن السيطرة.
المساهمون