مع تواتر الأخبار بصورة متكررة عن وصول مجموعات من الشباب السودانيين إلى مواقع القتال في سورية أو العراق أو ليبيا، وانخراط العديد منهم في العمليات الانتحارية والقتالية التي يقودها داعش والتنظيمات المتطرفة الأخرى، خلال السنوات الأخيرة المنصرمة؛ كتب خريج جامعة أم درمان الإسلامية، نزار الرفاعي، مستعرضاً حادثة روان؛ الطبيبة السودانية صاحبة الاثنين وعشرين ربيعاً التي ماتت في صفوف داعش في شهر يوليو/ تموز الجاري، مقدماً مقاربة بينها وبين الطبيب السوداني المسيحي، لويس عبده، الذي أمضي حياته في علاج الأطفال بأسعار رمزية زهيدة، كانت عادة ما تكون بلا مقابل، يوم الأحد من كل أسبوع.
وأبان الرفاعي في مقاله، أن باعث المقاربة حديث أحدهم والتذكير بالموت عقب صلاة المغرب، هذا التذكير المتكرر والذي لا يكاد يخلو منه مسجد يومياً أصبح هو السمة الطاغية على حياة الناس؛ حتى أصبحنا نبحث عن الموت الذي يحملنا إلى الجنة، وتركهم مئات الأبواب التي يمكن أن تحملهم لنفس الجنة عبر أبواب الحياة.
أصبح داعش عامل جذب واستقطاب العشرات من الطلاب والشباب السودانيين، من داخل وخارج السودان، حتى أنه أفلح في استقطاب نجليْ قيادي يساري معروف مقيم بلندن، توفي أحدهما، العام الماضي، في سورية، فيما يحج عشرات الطلاب من حاملي الجوازات الأجنبية وأبناء الأسر الثرية، إلى مناطق القتال ضمن صفوف داعش، الأمر الذي جعل عدداً من قادة الرأي وكتاب الصحف، يحذرون من تنامي مد التطرف وسط شباب السودان، وتبنيهم الخيارات العنيفة والتي تأتي العمليات الانتحارية على رأسها، والأمثلة كثيرة لشباب سودانيين أقدموا على تنفيذ عمليات انتحارية في ليبيا أو سورية.
ويعزو الرفاعي أسباب الظاهرة إلى أن السواد الأعظم من أمة الإسلام، يجهل قيمة الحياة ويعلي من قداسة الموت، وهو مفهوم خاطئ صنعته الدعوة الخاطئة التي يتصدرها الجهل لطائفة رجال الدين التي تفتقد ثقافة الحياة وقيمها والغرض الحقيقي لمعاني الاستخلاف الإلهي؛ فلا يعقل أن الله خلقنا لنمضي حياتنا في اختيار طريقة نموت بها أو طريقة نقتل بها الآخرين، لأن الاستخلاف هو استخلاف إعمار وليس استخلاف فناء وعدم.
بدورها، تشير الصحافية، مشاعر رمضان، إلى أن جيل الشباب الجديد الذي أضحى يتبنى التطرف خياراً في الحياة، يعاني من مشكلات في إثبات الذات، وهو جيل مرتبك في فهمه لدوره في المجتمع.
وتضيف، أن هذا الدور عملية مركبة من العلم والعمل والهوايات والطموحات والإرادة، وتؤكد أن عدم تحقيق أو إشباع هذا الدور يقود إلى التطرف، وتقول، إن هنالك جرعة تربوية معينة في هذه المرحلة العمرية، يفتقدها هؤلاء الشباب، وتصر على أن الدور الرئيس للشباب لكبح جماح تنامي التطرف وشيوع الفكر الانتحاري وسط الشباب، هو تقديم النماذج الملهمة، ومقاومة كبت الشخصية الذي يسود في كثير من الأسر بسبب الروح الأبوية المتبعة في التربية، مؤكدة أن المدخل التربوي هو الأبرز لمعالجة هذه الظاهرة.
وتضيف مشاعر، أن هنالك أدواراً أخرى ملقاة على عاتق المجتمع ككل، وعليه في هذا المضمار الاستفادة من أدوات التكنلوجيا الجديدة لصناعة المستقبل وسط هؤلاء الشباب، وذلك عبر تجسير الهوة بين الأجيال المختلفة وتقديم نماذج محلية مشرقة لشباب قدموا طروحات أفادت المجتمع، والاهتمام بالثقافات المحلية، التي تتشبع بالأفكار الوسطية المستنيرة.
بيد أنها أشارت إلى أدوار مفتقدة، ولا سيما على المستوى السياسي، وتقول، إن الأدوار متكاملة؛ إذ إن هنالك دوراً للدولة لا يزال مفتقداً، وهو الجانب المتعلق بكبت الحريات العامة وتضييع الحقوق وانعدام التنمية وبرامج الشباب، وتضيف، أن التلفزيون القومي السوداني أصاب القضية في مقتل، من خلال تبنيه برامج حربية وجهادية، ويرسل رسائل عن الموت والاستشهاد، الأمر الذي يعزز من الميول العدمية وسط الأجيال التي نشأت في كنف حكم الإنقاذ.
ويؤكد الباحث، محمد الفاتح يوسف همة، أن أساس الأزمة هو الفراغ الذي حدث وسط الشباب، من النواحي الفكرية والثقافية والاجتماعية، ويقول، إن الواقع السوداني كان جديراً بخلق منظومة شباب منفتح ومتسامح ومتقبل للآخر، حيث كانت تساهم العملية التربوية بالمدارس في تنشئة الفرد بصورة منفتحة، من خلال ازدهار الأنشطة اللامنهجية والجمعيات الأدبية والمكتبات بالمدارس.
وعلى مستوى المجتمع، كان هنالك نشاط لأندية القراءة، والأندية الثقافية ودور السينما، ويشير همة إلى أن جميع هذه الأدوار تمت محاربتها وتصفيتها تحت مظلة الحكم الذي أتى إلى السودان في 1989، شأنه وجميع أنظمة الحكم في المجتمعات العربية الإسلامية.
ويجزم همة، أن لجم جماح التطرف وسط الشباب، يكمن في استعادة هذه الأدوار، لأن بعودتها تتم صناعة وصياغة وعي الأجيال الجديدة، لا أن يتم تجهيلها، ويضيف أنه من الضروري الحديث عن إصلاح النظام التعليمي وكفالة حرية البحث العلمي والمناقشات الحرة، وفتح المجال واسعاً أمام طاقات الشباب لتناول المسكوت عنه وإجابة أسئلتهم حول العرق والجنس والدين والعولمة وكافة القضايا التي يطرحون، لأن هذا هو السبيل الوحيد لخلق أجيال واعية وضد التطرف والاستقطاعات العنصرية والدينية والاجتماعية، وبذا تكون أولى لبنات الإصلاح السياسي قد شيِّدت.