عبد الهادي شلا.. استعادة المأوى

21 نوفمبر 2015
(من أعمال المعرض)
+ الخط -

ذكرى ما يقارب 45 سنة من الحياة مع قماشة الرسم، مع أنابيب وألوان وأحبار وخطوط، مع ظلال شخوص تلقيها أضواء بيضاء ساطعة في أغلب الأحيان، استعادها معرض التشكيلي الفلسطيني عبد الهادي شلا، والذي احتضنته، مؤخّراً، "قاعة بوشهري" في الكويت.

يتولى المشاهدَ أمام هذا الفنان إحساسٌ بأنه أمام ناسك أو متمرّد أو متفرّج أو غاضب يعيد ترتيب ألوانه وخطوطه، أمام إنسان يستعيد شظاياه من هذه الزاوية أو تلك، أمام إنسان يبحث عن مأوى وملاذ في عالم تجد فيه كل الكائنات ملاذاً ومأوى إلا الفلسطيني.
حال هذا الفنان هو حال مجموعة من التشكيليين الفلسطينيين مرّت في ذاكرة الساحة التشكيلية الكويتية؛ بعضهم جاء إليها مبكّراً وعمل في مجال التربية الفنية مثل داود الجاعوني وشريف الخضرا، وبعضهم جاء ونشط مع تبلور الحركة التشكيلية في السبعينيات مثل إسماعيل شموط وتمام الأكحل ومحمد بشناق وشفيق رضوان وناجي العلي.

الكل غادر تقريباً، وأيضاً بحثاً عن مأوى، ولكن بعضهم، مثل شلا اعتاد أن يعود بين فترة وأخرى، ليقيم معرضاً أو يجدّد وعداً، أو يعلن عن مسار وجده. في معرضه الشخصي الثالث والعشرين، يختصر خلال بضع لوحات ممتدّة زمنياً عدداً من المراحل. في مرحلة أولى، يحافظ الفنان على نزعة التشخيص، ولكن بألوان مختصرة، القليل من الظلال الزرقاء والرمادية تحيط بالأجساد، والكثير من الأضواء البيضاء.

تقترب ملامح شخوصه من ملامح دمى متحركة حيناً، وصامتة في أحيان أخرى. ومع أن تموجات المقاومة الفلسطينية شكلّت عصب مجمل لوحاته آنذاك، كشأن غالبية الفنانين الفلسطينيين، إلا أن ما يستعيده اليوم هو تموّجات تجاربه مع قماشة اللوحة؛ ليشكّل مرحلة تالية، تارة بلوحات الطبيعة الصامتة، وأخرى بلوحات تخطيطية مساحاتها مختصرة أيضاً، ولينتهي أخيراً أكثر استقراراً أمام قماشة تنطبع عليها مساحات تجريدية ملوّنة، تتناوشها خطوط أو أشكال تنبئ بأن الفراغ المعبّر عنه بالتجريد لا يُحتمل، أو هو ليس بالمأوى المناسب، المأوى الجدير بالإنسان الفلسطيني.

يتردّد شلا حتى أمام آخر مساراته، كأنه غير مقتنع بملاذ من مساحات هندسية، ملوّنة وغير ملوّنة، فيعود في لوحة من عام 1996، ليرسم الفلسطينية بزيها الكنعاني، وغطاء الرأس الشبيه بقارورة مرصعة بالليرات الفضية، ويكتب تحتها بإنجليزية مقصودة "متى تأتي؟".

ببساطة مماثلة، يسجّل في لوحة أخرى بألوان مائية انتفاضة القدس عام 2000. هناك لوحات أخرى تعبّر عن قلق الفنان، عن تردّده بين الأساليب والأفكار؛ هو لم يستقر حتى بعد ما يقارب نصف قرن من التجريب، أو لم يضع لافتة يسكن إليها، تسمح لنا أن نقول مثلاً، هو انطباعي أو تجريدي أو سوريالي أو كلاسيكي حتى.

دلالات
المساهمون