عبد المحسن.. البقال الصغير يُعيل عائلته

07 سبتمبر 2014
"صاحب البقالة طيّب لكني أريد الخروج" (العربي الجديد)
+ الخط -

في الصباح الباكر، يستيقظ عبد المحسن البالغ من العمر عشر سنوات ويتناول كأي طفل آخر وجبة الفطور مع إخوته، لكن على عجل، قبل أن يتوجّه مع ابنَيّ عمّه محمد وعادل إلى تقاطع طريق سروس رود، الشارع الذي يفصل بين المباني الضخمة التي يسكنها أثرياء العاصمة والأحياء الطينيّة التي يعيش فيها الفقراء.

وفي حين يقصد محمد وعادل المدرسة، يدخل عبد المحسن بقالة عثمان بت، ليبدأ يومه الجديد "بلا ملل ولا تعب". فيشرع بتنظيف البقالة وكنسها، ليرتّب من ثم بعض الأغراض بحسب توجيهات صاحب البقالة.

وعبد المحسن ولد طيّب يعمل بجدّ كوالده، بحسب ما يؤكّد عثمان بت، "وأنا أشفق عليه كثيراً لأنه ابن فضل رازق الذي ساعدني كثيراً في تطوير البقالة. لكنه طفل يصعب التعامل معه. لا يفهم بسهولة ما أقول". وعلى الرغم من ذلك، هو خلوق يحسن التعامل مع الزبائن.

يحاول عثمان بت "مساعدته" ويخصّص له "راتباً جيداً بقيمة ستة آلاف روبية باكستانيّة (نحو 59 دولاراً أميركياً) على الرغم من أنه طفل، والأطفال هنا لا يتقاضون أكثر من ثلاثة آلاف روبية". وعبد المحسن يعيش مع أمه وإخوته (بنتان وصبيان) في ضواحي إسلام أباد. والعاصمة الباكستانيّة، شأنها شأن سواها من عواصم العالم، تجمع بين المتناقضات. ثراء فاحش إلى جانب فقر مدقع.

مبان ضخمة شاهقة يعيش أبناؤها برفاهية إلى جانب منازل متواضعة من الطين، يعيش أصحابها تحت وطأة ظروف معيشيّة مزرية. أما أبناء هؤلاء الأخيرين فيحلمون بالذهاب إلى المدرسة والجلوس على مقاعدها، لكن أوضاعهم الاقتصاديّة الصعبة تحول دون ذلك.

وهكذا، دفعت الحياة بعبد المحسن وكثيرين غيره إلى طريق ليس مسلكاً للطفولة. فجعلتهم "كباراً" يأخذون على عاتقهم إعالة أسرهم الفقيرة باكراً جداً.

لم تكن حال عبد المحسن كذلك منذ البداية. فعائلته، وإن لم تكن ثريّة إلا أنها كانت مكفيّة. الوالد فضل رازق كان يعمل في بقالة عثمان بت ويكسب ما يزيد على عشرة آلاف روبية في الشهر. وكان عبد المحسن وأختاه شبنم وعائشة وأخواه أسد ومعين، يتعلّمون جميعهم في مدرسة حكوميّة. وبعد انتهاء الدوام، كان عبد المحسن وأخواه يتوجهون إلى الملعب القريب ليلعبوا مع أقرانهم حتى ساعة الغروب.

لكن، قبل ثلاثة أعوام، تبدّلت الأمور. فقد أصيب الوالد بسرطان في الكبد، وتوفي على الأثر. ووقعت المصيبة. فمع فقدان شريك حياتها، فقدت فرزانة بي بي أعصابها. وبعد أشهر من وفاته، راحت تعمل خادمة في بيوت الناس.

وعلى الرغم من ذلك، لم تعد فرزانة قادرة على دفع رسوم أولادها المدرسيّة، فسارعت إلى وقفهم عن الدراسة. ومضت الأيام وفرزانة تخرج في الصباح لترجع في المساء، وتكسب ثلاثة آلاف روبية (نحو 29 دولاراً) شهرياً. وهو مبلغ غير كافٍ لسدّ احتياجات المنزل والعائلة.


وهنا، بدأ مشوار صغيرها عبد المحسن في العمل، وبدأت تتلاشى أحلامه بالعودة إلى المدرسة. فوالدته اتخذت قرارها. سيعمل في بقالة عثمان بت حيث كان يشتغل أبوه. لكن قرار فرزانة لم يكن سهلاً عليها. فهي كانت تتمنّى أن يتابع أولادها دراستهم كالأطفال الآخرين، "لكن وفاة زوجي دمرت أحلامي".

وتقول والدموع تسيل على وجهها "أعلم أن الطفولة هي وقت الدراسة واللعب وليست وقت العمل، غير أن ولدي عبد المحسن يعمل طيلة النهار كرجل كبير، بينما زملاؤه يدرسون ويلعبون". لكنها لا تجد حلاً آخر.

هي عاجزة. فمبلغ الثلاثة آلاف روبية لا يكفي سوى أجرة المنزل. أما مصاريف العائلة خلال الشهر كله، فتسدّد بما يربحه عبد المحسن. تضيف الوالدة "ليس لي أمل بعد الله إلا عمل ولدي".

ببراءة سنواته العشر، يمسح عبد الرحمن العرق عن جبينه بيده الصغيرة، ويقول "لست سعيداً في هذه البقالة. لا لأن صاحبها يتعامل معي بسوء، بل لأني لا أحب البقاء فيها طول النهار". هو يريد أن يخرج من هنا وأن يذهب إلى المدرسة لكي يدرس، وإلى الملعب ليلعب مع أصدقائه كرة القدم. لكن والدته لا تسمح له بذلك.

وتمرّ أيام عبد المحسن متكرّرة. فبعد يوم عمل طويل ومضنٍ، يعود في المساء إلى البيت ليقضي وقته مع إخوته. وتقول شبنم أخته الكبرى البالغة من العمر 15عاماً، "يا ليت الأيام الجميلة تعود". فأنا أجلس طوال النهار في المنزل مع أخوَيّ أسد ومعين اللذَين يذهبان في المساء إلى المسجد حيث يتعلمان الدين. أنا مللت من الحياة لكن ماذا أفعل؟!".

عبد المحسن، ليس وحده الذي جعلته الظروف المعيشيّة يكبر قبل آوانه. فشأنه شأن آلاف الباكستانيّين الصغار الذي يضطرون إلى العمل ويُحرمون من الجلوس على مقاعد الدراسة.

المساهمون