يقول الرئيس الأول لدائرة المحاسبات التونسية عبد اللطيف الخراط إن جميع المؤسسات العمومية بما فيها رئاسة الجمهورية، تخضع للرقابة المالية لدائرة المحاسبات التونسية، ويشير في مقابلة لـ "العربي الجديد" إلى أن هذه الرقابة تحد من الفساد في البلاد، وهنا نص المقابلة:
*ماهي دائرة المحاسبات وما هي مجالات عملها؟
دائرة المحاسبات هيئة قضائية، تم إنشاؤها بمقتضى دستور 1 يونيو/ حزيران 1959، وكانت تشكل مع المحكمة الإدارية ما يسمى بـ "مجلس الدولة"، إلا أن هذا الدستور لم يوضح في ذلك الوقت المهام والدور الموكول للدائرة ليأتي قانون 1968 ويبين المهام الموكولة لها. حيث ينص بصريح العبارة "إن دائرة المحاسبات تنظر في حسابات وتصرف الدولة من خلال الوزارات ومصالحها الخارجية الموجودة في مختلف جهات البلاد، إلى جانب المؤسسات العمومية الإدارية مثل الكليات والمعاهد والمستشفيات، وغير الإدارية والمنشآت العمومية والجماعات المحلية من ولايات وبلديات وحتى الهيئات الخاصة، إذا انتفعت بأموال عمومية بأي شكل من الأشكال. فهي مكلفة بتقييم نتائج الإعانة أو المنح الاقتصادية التي تقدمها الدولة والجماعات المحلية للهيئات الخاصة".
كما أن دائرة المحاسبات تمتد لتشمل مجالين، الأول قضائي يخول للدائرة إصدار أحكام في إطار البتّ في حسابات المحاسبين العموميين المكلفين الخاصة بتأدية ومراقبة موارد ونفقات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية. أما المجال الثاني فهو رقابي ينتهي بإصدار تقرير حول أوجه مختلفة من التصرفات العمومية في مجالات عديدة.
أما دستور 2014، فسدّ الثغرات التي كانت موجودة في الإطار القانوني للدائرة، حيث غير تسميتها إلى "محكمة المحاسبات" ومنحها صلاحية مراقبة حسن التصرف في المال العام.
*هل تتمتع دائرة المحاسبات باستقلالية القرار؟
لا يمكن لأحد أن يملي على الدائرة ما تفعله سواء قبل الثورة أو بعدها، فهي تقرر وتحدد المؤسسات التي ستخضع للرقابة وطريقة عملها، استناداً إلى معايير مهنية دون أي ضغط خارجي، إلا أن منع نشر تقاريرها السنوية قبل الثورة يعتبر الأمر الوحيد الذي يكبلها ويحجب قيمة أعمالها ويبتر استقلاليتها، ولكن بعد دستور 2014 تبدل هذا الواقع وبدأنا بنشر التقارير للعموم.
*هل هناك تفاعل إيجابي من مؤسسات الدولة تجاه تقاريركم؟
نعم، هناك تفاعل إيجابي نلمسه خاصة من خلال بعض محاولات الإصلاح التي تعلن عنها بعض المؤسسات. ولكن في بعض الأوقات لا يؤخذ بكل الملاحظات والتوصيات التي تتضمنها تقارير دائرة المحاسبات والتي كان ينبغي الأخذ بها لتحسين التصرف العمومي. وتعتبر أعمال دائرة المحاسبات جزءا من الحل لإصلاح الإنفاق العمومي، ولكن لا ينبغي القول إن الرقابة هي الحلّ الوحيد لإصلاح الأوضاع.
إن رقابة دائرة المحاسبات لها بعد وقائي بالأساس، ولكن في حال ثبوت مخالفة القانون والتجاوزات، فإننا نتخذ القرار برفع الأمر إلى دائرة الزجر المالي لمقاضاة المخالفين، وفي حال ثبت أن لهذه الأخطاء صبغة جزائية كالاستيلاء على المال العام من أجل المصلحة الخاصة، فإننا نحيل الموضوع إلى المحاكم العدلية.
كذلك، نتطلع نحو اعتماد تقاريرنا من قبل مجلس نواب الشعب في مساءلة المعنيين في التجاوزات ومخالفة القوانين، وفي مساءلة الحكومة عموماً.
*ما هي موازنة الدائرة ومن يراقب أداءها؟
تضم الدائرة 150 قاضياً و200 معاون دعم، من كتبة وأعوان وموظفين، وتخضع دائرة المحاسبات إلى رقابة داخلية، حيث تحتكم في مختلف أعمالها إلى القانون والمعايير الدولية. وكما أشرنا إلى أن التقارير أصبحت متاحة للعموم، كما أن الدائرة تجري مع كل تقرير ندوة صحفية للإجابة على جميع التساؤلات، وتوضيح كل تفاصيل التقرير.
*طالبتم بإخضاع مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى رقابة دائرة المحاسبات، فهل حصل ذلك؟
كل المؤسسات العامة وفقاً للقانون تحت رقابة دائرة المحاسبات. ونحن نحرص أن نعتمد على كافة المعايير الموضوعية في اختيار المجالات والمواضيع والمؤسسات التي ستخضع للرقابة في سنة قضائية ما، ومن بينها ألا تكون المؤسسة خاضعة في الوقت عينه إلى عملية رقابية من جهة أخرى. وهو ما حصل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية حيث كانت محل رقابة شاملة من هيئة الرقابة العامة المالية، وبالتالي تم تأجيل إخضاع مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى رقابة دائرتنا إلى وقت لاحق.
اقــرأ أيضاً
*هل تدخل مؤسسات المصادرة ضمن أعمال دائرة المحاسبات باعتبارها أصبحت مؤسسات عامة؟
يشمل التقرير الثلاثون لدائرة المحاسبات لهذا العام موضوع المؤسسات المصادرة التي أخضعت إلى الرقابة المالية من قبل إحدى الدوائر المختصة للدائرة، وسنقوم بتقديم كل التفاصيل في تقرير هذا العام، الذي سيصدر قبل نهاية 2016.
*رغم كثرة هيئات الرقابة في تونس إلا أن حجم الفساد مستمر في الارتفاع، كما أن حجم الدين أيضاً في ارتفاع، كيف تفسرون ذلك؟
ارتفع حجم الدين إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوزنا 50% من الناتج، صحيح أن هذا الرقم لا يعتبر مخيفاً مقارنة مع أغلب الدول التي تعيش الظروف التي نعيشها، إلا أن النسق التصاعدي للدين العام، يجب التحكم به من خلال أجهزة رقابية أكثر نجاعة. أما بالنسبة إلى ارتفاع حجم الفساد رغم وجود الهيئات الرقابية، فإن ذلك يؤكد أن هذه الهيئات ومنها دائرة المحاسبات، بحاجة إلى تدعيمها، حتى يصبح هناك تناسب بين حجم الأشغال المطلوبة منها وحجم الوسائل المتاحة لها، وبالتالي من الضروري دعمها على مستوى الموارد البشرية والمالية من خلال ترسيخ مبدأ الاستقلالية المالية لها وعدم إخضاعها إلى السلطة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الحكومة ووزارة المالية التي تحدد لها مستوى مواردها. مع العلم أن موارد الدائرة لا تتعدى 11.5 مليون دينار، وهي مخصصة لأجور القضاة والأعوان بالإضافة إلى وجود نحو مليون و300 ألف دينار لتغطية النفقات العادية. فهذه الموازنة لا تكفل حجم ونسق الأعمال المطلوبة.
*هل تكفي الرقابة وحدها لمقاومة الفساد أم أن الأمر يرتبط بالإرادة السياسية؟
من المؤكد أن الرقابة المالية وحدها غير كافية للحدّ من الفساد ومقاومته، بل يتطلب أيضاً إرادة سياسية قوية للأخذ بتوصيات وتقارير الهيئات الرقابية ومختلف مكونات المجتمع المدني، ومن الضروري أن يكون للبرلمان دوره في مساءلة الحكومة والسلطة القضائية، حتى تتضافر كل الجهود لمقاومته، ومنع استفحاله في مؤسسات الدولة.
*هل تتعامل دائرة المحاسبات مع مؤسسات دولية، وكيف تحمي نفسها من التدخل الخارجي في قراراتها؟
إن دائرة المحاسبات منفتحة على جميع الأطراف الداخلية منها والخارجية. لدينا علاقات تعاون كثيرة مع الأجهزة الرقابية في البلدان الشقيقة والصديقة على غرار الجهاز الكندي، ومحكمة المحاسبات الفرنسية من خلال إحداث مشروع توأمة مع أجهزة رقابية عليا تابعة للاتحاد الأوروبي، كذلك مع الجهاز الإنجليزي.
في المقابل قدمنا خبرتنا للعديد من الأجهزة الرقابية كما حصل مع الأجهزة في مناطق عدة، منها " ساحل العاج" و"السينغال". وتظل معركتنا اليومية المحافظة على الاستقلالية والمالية وخفض تبعيتنا للسلطة التنفيذية، بما يمكننا من أداء دورنا على الوجه المطلوب خدمة للمواطن والصالح العام.
بطاقة:
دائرة المحاسبات هيئة قضائية، تم إنشاؤها بمقتضى دستور 1 يونيو/ حزيران 1959، وكانت تشكل مع المحكمة الإدارية ما يسمى بـ "مجلس الدولة"، إلا أن هذا الدستور لم يوضح في ذلك الوقت المهام والدور الموكول للدائرة ليأتي قانون 1968 ويبين المهام الموكولة لها. حيث ينص بصريح العبارة "إن دائرة المحاسبات تنظر في حسابات وتصرف الدولة من خلال الوزارات ومصالحها الخارجية الموجودة في مختلف جهات البلاد، إلى جانب المؤسسات العمومية الإدارية مثل الكليات والمعاهد والمستشفيات، وغير الإدارية والمنشآت العمومية والجماعات المحلية من ولايات وبلديات وحتى الهيئات الخاصة، إذا انتفعت بأموال عمومية بأي شكل من الأشكال. فهي مكلفة بتقييم نتائج الإعانة أو المنح الاقتصادية التي تقدمها الدولة والجماعات المحلية للهيئات الخاصة".
كما أن دائرة المحاسبات تمتد لتشمل مجالين، الأول قضائي يخول للدائرة إصدار أحكام في إطار البتّ في حسابات المحاسبين العموميين المكلفين الخاصة بتأدية ومراقبة موارد ونفقات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية. أما المجال الثاني فهو رقابي ينتهي بإصدار تقرير حول أوجه مختلفة من التصرفات العمومية في مجالات عديدة.
أما دستور 2014، فسدّ الثغرات التي كانت موجودة في الإطار القانوني للدائرة، حيث غير تسميتها إلى "محكمة المحاسبات" ومنحها صلاحية مراقبة حسن التصرف في المال العام.
*هل تتمتع دائرة المحاسبات باستقلالية القرار؟
لا يمكن لأحد أن يملي على الدائرة ما تفعله سواء قبل الثورة أو بعدها، فهي تقرر وتحدد المؤسسات التي ستخضع للرقابة وطريقة عملها، استناداً إلى معايير مهنية دون أي ضغط خارجي، إلا أن منع نشر تقاريرها السنوية قبل الثورة يعتبر الأمر الوحيد الذي يكبلها ويحجب قيمة أعمالها ويبتر استقلاليتها، ولكن بعد دستور 2014 تبدل هذا الواقع وبدأنا بنشر التقارير للعموم.
*هل هناك تفاعل إيجابي من مؤسسات الدولة تجاه تقاريركم؟
نعم، هناك تفاعل إيجابي نلمسه خاصة من خلال بعض محاولات الإصلاح التي تعلن عنها بعض المؤسسات. ولكن في بعض الأوقات لا يؤخذ بكل الملاحظات والتوصيات التي تتضمنها تقارير دائرة المحاسبات والتي كان ينبغي الأخذ بها لتحسين التصرف العمومي. وتعتبر أعمال دائرة المحاسبات جزءا من الحل لإصلاح الإنفاق العمومي، ولكن لا ينبغي القول إن الرقابة هي الحلّ الوحيد لإصلاح الأوضاع.
إن رقابة دائرة المحاسبات لها بعد وقائي بالأساس، ولكن في حال ثبوت مخالفة القانون والتجاوزات، فإننا نتخذ القرار برفع الأمر إلى دائرة الزجر المالي لمقاضاة المخالفين، وفي حال ثبت أن لهذه الأخطاء صبغة جزائية كالاستيلاء على المال العام من أجل المصلحة الخاصة، فإننا نحيل الموضوع إلى المحاكم العدلية.
كذلك، نتطلع نحو اعتماد تقاريرنا من قبل مجلس نواب الشعب في مساءلة المعنيين في التجاوزات ومخالفة القوانين، وفي مساءلة الحكومة عموماً.
*ما هي موازنة الدائرة ومن يراقب أداءها؟
تضم الدائرة 150 قاضياً و200 معاون دعم، من كتبة وأعوان وموظفين، وتخضع دائرة المحاسبات إلى رقابة داخلية، حيث تحتكم في مختلف أعمالها إلى القانون والمعايير الدولية. وكما أشرنا إلى أن التقارير أصبحت متاحة للعموم، كما أن الدائرة تجري مع كل تقرير ندوة صحفية للإجابة على جميع التساؤلات، وتوضيح كل تفاصيل التقرير.
*طالبتم بإخضاع مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى رقابة دائرة المحاسبات، فهل حصل ذلك؟
كل المؤسسات العامة وفقاً للقانون تحت رقابة دائرة المحاسبات. ونحن نحرص أن نعتمد على كافة المعايير الموضوعية في اختيار المجالات والمواضيع والمؤسسات التي ستخضع للرقابة في سنة قضائية ما، ومن بينها ألا تكون المؤسسة خاضعة في الوقت عينه إلى عملية رقابية من جهة أخرى. وهو ما حصل مع مؤسسة رئاسة الجمهورية حيث كانت محل رقابة شاملة من هيئة الرقابة العامة المالية، وبالتالي تم تأجيل إخضاع مؤسسة رئاسة الجمهورية إلى رقابة دائرتنا إلى وقت لاحق.
*هل تدخل مؤسسات المصادرة ضمن أعمال دائرة المحاسبات باعتبارها أصبحت مؤسسات عامة؟
يشمل التقرير الثلاثون لدائرة المحاسبات لهذا العام موضوع المؤسسات المصادرة التي أخضعت إلى الرقابة المالية من قبل إحدى الدوائر المختصة للدائرة، وسنقوم بتقديم كل التفاصيل في تقرير هذا العام، الذي سيصدر قبل نهاية 2016.
*رغم كثرة هيئات الرقابة في تونس إلا أن حجم الفساد مستمر في الارتفاع، كما أن حجم الدين أيضاً في ارتفاع، كيف تفسرون ذلك؟
ارتفع حجم الدين إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوزنا 50% من الناتج، صحيح أن هذا الرقم لا يعتبر مخيفاً مقارنة مع أغلب الدول التي تعيش الظروف التي نعيشها، إلا أن النسق التصاعدي للدين العام، يجب التحكم به من خلال أجهزة رقابية أكثر نجاعة. أما بالنسبة إلى ارتفاع حجم الفساد رغم وجود الهيئات الرقابية، فإن ذلك يؤكد أن هذه الهيئات ومنها دائرة المحاسبات، بحاجة إلى تدعيمها، حتى يصبح هناك تناسب بين حجم الأشغال المطلوبة منها وحجم الوسائل المتاحة لها، وبالتالي من الضروري دعمها على مستوى الموارد البشرية والمالية من خلال ترسيخ مبدأ الاستقلالية المالية لها وعدم إخضاعها إلى السلطة التنفيذية المتمثلة في رئاسة الحكومة ووزارة المالية التي تحدد لها مستوى مواردها. مع العلم أن موارد الدائرة لا تتعدى 11.5 مليون دينار، وهي مخصصة لأجور القضاة والأعوان بالإضافة إلى وجود نحو مليون و300 ألف دينار لتغطية النفقات العادية. فهذه الموازنة لا تكفل حجم ونسق الأعمال المطلوبة.
*هل تكفي الرقابة وحدها لمقاومة الفساد أم أن الأمر يرتبط بالإرادة السياسية؟
من المؤكد أن الرقابة المالية وحدها غير كافية للحدّ من الفساد ومقاومته، بل يتطلب أيضاً إرادة سياسية قوية للأخذ بتوصيات وتقارير الهيئات الرقابية ومختلف مكونات المجتمع المدني، ومن الضروري أن يكون للبرلمان دوره في مساءلة الحكومة والسلطة القضائية، حتى تتضافر كل الجهود لمقاومته، ومنع استفحاله في مؤسسات الدولة.
*هل تتعامل دائرة المحاسبات مع مؤسسات دولية، وكيف تحمي نفسها من التدخل الخارجي في قراراتها؟
إن دائرة المحاسبات منفتحة على جميع الأطراف الداخلية منها والخارجية. لدينا علاقات تعاون كثيرة مع الأجهزة الرقابية في البلدان الشقيقة والصديقة على غرار الجهاز الكندي، ومحكمة المحاسبات الفرنسية من خلال إحداث مشروع توأمة مع أجهزة رقابية عليا تابعة للاتحاد الأوروبي، كذلك مع الجهاز الإنجليزي.
في المقابل قدمنا خبرتنا للعديد من الأجهزة الرقابية كما حصل مع الأجهزة في مناطق عدة، منها " ساحل العاج" و"السينغال". وتظل معركتنا اليومية المحافظة على الاستقلالية والمالية وخفض تبعيتنا للسلطة التنفيذية، بما يمكننا من أداء دورنا على الوجه المطلوب خدمة للمواطن والصالح العام.
بطاقة:
عبد اللطيف الخرّاط، متحصّل على الأستاذيّة في القانون من كليّة الحقوق والعلوم السياسيّة، وديبلوم المرحلة العليا للإدارة بتونس، وعلى ديبلوم المؤسّسة الكنديّة للرقابة الشاملة