عبد الكريم الزبيدي: مرشح اللحظات الأخيرة لرئاسيات تونس

14 سبتمبر 2019
اتهم الزبيدي بأنه رجل أميركا (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -
إلى آخر لحظة، كان وزير الدفاع التونسي المستقيل عبد الكريم الزبيدي (69 عاماً) متردداً بشأن تقدمه للانتخابات الرئاسية المبكرة، بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي. وكانت "العربي الجديد" أول من أكد أنه حسم أمره وسيترشح رسمياً لهذه الانتخابات، استناداً إلى مصادر مقربة منه تؤكد أنها وجدت صعوبة كبيرة في إقناعه بذلك، لعدم رغبته في المناصب، وتُلمح إلى أن الهجوم الذي شنه عليه خصومه، وطاول جزءاً من حياته الشخصية، بهدف ثنيه عن الترشح، كان أحد العوامل التي دفعته للتقدم إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة.

ويؤكد الزبيدي، على امتداد حملته الانتخابية، أنه ترشح حتى "لا تسقط تونس بين أيدي المهربين وقطاع الطرق"، وأنه على الرغم من أنه طبيب ومدني إلا أنه تعلم من تجربته مع الجيش أن الجندي لا يهرب من ساحة المعركة وإلا اعتُبر خائناً. وللزبيدي مقاربة مختلفة للعمل السياسي، إذ يقول، في إحدى المقابلات الصحافية: "إذا كان السياسي هو ذلك الذي يتقن السُباب والشتم، ويحترف تقديم الوعود الزائفة دون فعل ولا إنجاز على أرض الواقع، وإذا كانت هذه هي السياسة المقصودة فأنا لا أنتمي إليها ولا أريد أن أكون يوماً سياسياً ضمن هذا الإطار. لكننا للأسف، وطيلة 8 سنوات، لم نعرف إلا هذا النوع من السياسة".

وعلى الرغم من أنه كان قليل الكلام خلال توليه وزارة الدفاع مع حكومات مختلفة، إلا أن التونسيين يذكرون له تصريحاً نارياً خلال موكب تأبين عسكريين قتلا في انفجار لغم في القصرين في 4 أكتوبر/تشرين الأول العام 2018. ووجه الزبيدي كلامه وقتها إلى السياسيين، قائلاً إن "السياسيين الذين يدّعون أنهم منتخبون سيحاسبهم الشعب يوماً ما... وإن التجاذبات السياسية على مدى 7 سنوات تسببت في انخرامات (ثقوب) على جميع المستويات"، مشدداً على أن "الاستقرار الأمني لم يكن كافياً لحل المشاكل في البلاد".

ينحدر الزبيدي من محافظة المهدية في الساحل التونسي، وحاصل على دبلوم الدراسات والبحوث في البيولوجيا البشرية، ودبلوم الدراسات المعمّقة في الفيزيولوجيا البشرية، وشهادة الدكتوراه في الطب. وشغل مناصب علمية متعددة، قبل أن يكلف بمنصب كاتب دولة مكلف بالبحث العلمي والتكنولوجيا، ثم وزير للصحة قبل الثورة التونسية في 2011. وبعد الثورة مباشرة، تقلّد منصب وزير الدفاع واستمر فيه على الرغم من تغيّر رؤساء الحكومات، بسبب عدم انتمائه إلى أي حزب سياسي من جهة، وتشبّث المؤسسة العسكرية به من جهة أخرى. وتشير التقارير إلى أنه تقدّم باستقالته أكثر من مرة للسبسي، الذي كان يرفضها كل مرة.


وأثار تصريح الزبيدي، منذ أيام، حول ما عُرف بـ"الخميس الأسود" (تزامن دخول السبسي إلى المستشفى مع تفجيرين انتحاريين في 27 يونيو/حزيران) تعليقات عدة، إذ أكد أن الجيش كان يومها على وشك التدخل لمنع البرلمان من الانعقاد إذا نجح بعض النواب في ما وصفه بـ"الانقلاب على الشرعية". ويوضح أنه أراد أن يُطمئن التونسيين بأنه لا عودة إلى الوراء في ما يخص الانتقال الديمقراطي، والمؤسسة العسكرية من بين المؤسسات التي تحرص على المسار، وهي الضامن له، إلى جانب بقية الهياكل. ويشير إلى أنه لم يقل إلا بعض الحقيقة، وأنه عندما يتحسن الوضع، ونقطع أشواطاً على درب تركيز الديمقراطية، عندها فقط نستطيع كشف الحقيقة كاملة، وفي الانتظار أنا لا أعتذر، بل أردت إعلام الشعب بجزء من الحقيقة.

ويصر الزبيدي على أنه شخصية مستقلة عن الأحزاب، موضحاً: "المقصود باستقلاليتي عن الأحزاب أنني لم أنتم أبداً إلى حزب، على الرغم من عملي مع حكومات عدة، وفي مختلف الفترات، وهذا جانب أعتز به، لأنني لم أخدم أشخاصاً بل الدولة التي أعتبر نفسي مديناً لها. فأنا من أبناء المصعد الاجتماعي الذي كرسته مبادئ الجمهورية والمطلوب اليوم إحياؤه. وهذا من بين نقاط برنامجي للرئاسة".

وإذا كانت حياديته واستقلاليته من بين العوامل التي قد تؤهله لهذا المنصب، فإن كُثراً يعيبون عليه أنه ليس بالشخصية المرنة القادرة على إدارة مشهد تونسي سياسي بامتياز، وحزبي خصوصاً، لأن الزبيدي برأيهم ليس شخصية سياسية تدرجت في العمل الحزبي وخبرت تراكماته، بل هو شخصية علمية، تناسبت مع الجيش لأنه شخصية قاطعة. وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً كبيراً بشأن الزبيدي وعلاقاته بجهة الساحل التونسي التي ينتمي إليها، وإمكانية ارتباطه بدوائر التأثير، وصلت إلى حد اتهامه بأنه رجل أميركا وأنه على خصام مع الفرنسيين، خصوصا قدراته اللغوية والاتصالية، ولذلك جاءت حملته الانتخابية في الطرقات تحت شعار "الفعل وليس الكلام".

المساهمون