من المؤسف أنك إن بحثت عن اسم التشكيلي التونسي عبد العزيز القرجي (1928-2008) على محرك البحث "غوغل" ستجد ما لا يحصى من المقالات حوله بالفرنسية، بخلاف ما هو مكتوب عنه بالعربية، من مقالات قليلة.
ولكن ها هي تجربة القرجي تستعاد، بعد أكثر من عشرة أعوام على رحيله، في معرض يحمل عنوان "القرجي بالجمع" وإن كان اسم المعرض أيضاً مكتوب بالفرنسية Gorgi Pluriel ويقام في قصر خير الدين في مدينة تونس العتيقة بالتعاون مع "رواق القرجي" ومؤسسة "تالان".
يقابل الداخل إلى المعرض، الذي يختتم غداً، مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي توثق لحياة الفنان ومعارضه وصداقاته الفنية وأهم محطات تجربته.
أما في ما يتعلق باللوحات والرسومات والتخطيطات المعروفة فتتضمن أكثر من 300 عمل، ترافق مراحل القرجي المختلفة، وبمراحل بعض الأعمال أيضاً حيث تضم إحدى القاعات رسومات بالقلم يعود بعضها إلى عام 1953، أي أنها سبقت استقلال تونس وكانت في مرحلة متأججة سياسياً في المطالبة بإنهاء الاستعمار، لذلك فمضامين هذه الرسومات تحمل المواقف السياسية المناهضة للكولونيالية الفرنسية.
هناك الكثير من التخطيطات والرسومات، ويفوق عددها اللوحات في المعرض، ومرد ذلك إلى أن الفنان نفسه كان يعتقد بأهمية وجوهرية الرسومات في تجربته كفنان، وقد استغرق جمعها وقتاً وجهداً كبيرين، بسبب توزعها وعدم وجودها منسقة في مكان واحد.
كذلك يعرض "القرجي بالجمع" منحوتات معدنية على شكل حيوانات منقرضة وديناصورات، وتتميز بأنها تظهر هذه الكائنات منحوتة من الدخل فتظهر من داخلها وخارجها في آن.
في قاعة أخرى، ثمة لوحات تحمل تجربة مختلفة مرّ بها الفنان، وهي تصوير الحياة الشعبية في اللوحات، مستخدماً خطوط وألوان قريبة من المدرسة الساذجة في الفن.
ثمة لوحات صغيرة جمعها المعرض وأطرها، بعضها يتاح للجمهور لأول مرة، ويمكن وضعها تحت عنوان عريض هو "العمل"، وفيه تظهر أعمال مختلفة تنتمي إلى شخصيات الطبقات الكادحة، وليس بعيداً عن الصحة وصفه برسام المهن التقليدية أو الشعبية.
ثمة جدارية أيضاً مليئة بالرموز والألوان والزخارف التونسية، فكل أعمال القرجي لا تخلو من توقيع محلي يظهر هويته في تفصيل أو أكثر من العمل الفني.
نعم، لا يمكن للعين أن تخطئ التراث التونسي بمحاذاة الحياة اليومية، ولكن هوية الفنان ليست محسومة تماماً، يظهر ذلك في تعدد أنماط ومواضيع الرسم لديه؛ ذلك أنها هوية تجمع العربي والأفريقي والمتوسطي، وفوق ذلك الثقافة الأوروبية التي تشربها بإقامته فترة في باريس حيث تدرب على الرسم والخزف وكذلك النسيج الفني والنحت.