عبدالله السلالي رفض التخلّي عن أطفال البيضاء النازحين

08 ديسمبر 2014
يشعر بالراحة بمجرد أن يبتسم طفل مريض (همدان العليي)
+ الخط -

أمام "تخاذل" الدولة والمنظمات الدولية الإنسانية، لم يكن أمام الممرّض، عبدالله السلالي، (35 عاماً) إلا أن يبادر ومجموعة من الأصدقاء، إلى تخفيف معاناة أطفال ونساء وشيوخ القرى المتضررة من الحرب الدائرة بين أنصار الله (الحوثيين) وعناصر تنظيم القاعدة والقبائل في مناطق مختلفة من محافظة البيضاء، وسط اليمن، منذ ما يزيد عن شهرين.

تبدو على وجه السلالي، الذي يعمل في أحد المراكز الصحية، آثار التعب بعد يوم طويل من التنقل بين قرية القاهرة والحمة السوداء، وقد لجأت إليهما بعض الأسر هرباً من الصواريخ والقذائف والقصف بالطائرات من دون طيار. على دراجته النارية، يضع صندوقاً يحتوي على أدوية ومستلزمات أولية لمعالجة المرضى. أما ظلال الأشجار، فتتحول إلى مراكز بديلة عن المستشفيات وغيرها من المراكز الصحية، للعلاج.

ينتمي السلالي إلى مديرية الشرية في البيضاء، ويعمل ممرضاً في وحدة الهجر الصحية في مديرية الشرية آل غنيم. حين علم بأوضاع الأسر النازحة في المناطق التابعة لقبيلة قيفة، قصد أصدقاءه ليجمع ما تيسّر من المال، من أجل شراء أدوية ومستلزمات طبية لإنقاذ الأطفال والنساء الذين يعانون من أمراض مختلفة، بسبب عدم توفر الغذاء، وانعدام النظافة.
تخرج السلالي عام 1999 من المعهد العالي للعلوم الصحية. يتقاضى نحو 52 ألف ريال يمني (250 دولاراً أميركيّاً) شهريّاً. لذلك، لم يستطع شراء الأدوية والمستلزمات الطبية بمفرده. ساعده أصدقاؤه وزملاؤه. جمعوا بعض المال، نحو ألف ريال (5 دولارات) من كل فرد، بالإضافة إلى مبلغ حصلوا عليه من جمعية خيرية في المنطقة.

خلال فترة قصيرة، نجح السلالي في مساعدة أكثر من 175 شخصاً (أطفال ونساء وشيوخ) كانوا يعانون من مشاكل صحية مختلفة، مثل الالتهابات الرئوية والتنفسية بسبب البرد، والتهابات الأذن الوسطى، ومشاكل الكلى والروماتيزم، بالإضافة إلى مداواة الجرحى الذين أصيبوا خلال المعارك. عادة ما يستخدم المضادات الحيوية والمهدئات والفيتامينات والعقاقير الخاصة بالسعال وغيرها.

بحرقة وألم، يتحدث السلالي عن وضع الأطفال الذين يُعانون من سوء حاد في التغذية، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. يقول: "اجتمعت حول هؤلاء الأطفال مصائب أربع: الخوف والجوع والبرد والمرض". يسأل: "ماذا لو كانوا أطفالي؟ من المعيب أن أبقى متفرجاً، علماً أنني لا أستطيع المساعدة إلا من خلال إمكانياتي الضعيفة".

الوصول إلى الأسر النازحة خطر. بالإضافة إلى وعورة الطريق، عادة ما تشكك الأطراف المتحاربة بنواياه. كل طرف يعتبره جاسوساً لمصلحة الطرف الآخر. أيضاً، قد تصطاده إحدى الرصاصات أو القذائف العشوائية وهو يتنقل بدراجته. وفي محاولته طمأنة الأسر، يحرص السلالي على أخذ ورقة رسمية من مدير المستشفى المركزي، علي جرعون، تفيد بأنه يقوم بمهمة إنسانية تتمثل "بمداواة المرضى والمصابين من الأسر النازحة، من خلال الأدوية وغيرها من العلاجات".

من جهته، يقول جرعون: "أتى إلي السلالي وهو مفعم بالحماس. لا يريد إلا مساعدة النساء والأطفال الذين لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية، ويحتاجون لخدمات طبية". لم يكن منه إلا أن بارك حماسته هذه لخدمة مواطنيه، مؤكداً أنه أعطاه ورقة "تساعده على التنقل بحرية وتقديم الخدمات الصحية للناس".

بمجرد وصوله إلى هذه القرى، يعمل السلالي بداية على إطلاع المشايخ على سبب زيارته منطقتهم، كي يسمحوا له بمباشرة نشاطه. يجمع الحجارة ليمدّد الجرحى أو المرضى عليها. يجلس تحت فيء الأشجار، ويبدأ العمل. يشعر بالراحة بمجرد أن يبتسم طفل كان يعاني من الحمى، وقد نال منه البرد، بعدما يعطيه دواء يساعده على تجاوز المرض. لكن ابتسامته لا تدوم طويلاً. ما يلبث أن يشعر بالأسى مجدداً حين يتذكر أن هناك مئات الأطفال الذين يحتاجون إلى مساعدة، علماً أن الإمكانيات محدودة.

تجدر الإشارة إلى أنه كان يعيش في قرية خُبزة أكثر من 250 أسرة نزحت بالكامل، ولم يبق فيها سوى أسرة واحدة تتكون من أم وطفلها. توزّع أهالي القرية في أكثر من 20 قرية، فيما قصدت نحو 20 أسرة الكهوف في الجبال. يقول السلالي إن "إنسانيتنا تجعلنا ملزمين بمساعدة هؤلاء الناس، في ظل التخاذل الحكومي والدولي". ويناشد المعنيين والحقوقيين بالتدخل، قائلاً: "قابلت أكثر من 75 يتيماً، قتل آباؤهم في هذه الحرب، وهم بحاجة إلى الأكل والشرب والمأوى والملبس، فهلّا تقوموا بواجبكم؟".
المساهمون