عباس والتنسيق الأمني "المقدس"

14 يناير 2016
+ الخط -
أطل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على الجماهير الفلسطينية بخطاب أقل ما يقال فيه أنه تكرار ممل في المضمون والتوجهات. جدّد فيه عباس تمسكه بالسلام مع إسرائيل، ليسلك طريقا معاكسا لتطلعات الشعب الذي قرّر الانتفاضة على الواقع المرير.
عبر عباس، في حديثه، عن آمال كبيرة، لا يزال يعلقها على المجتمع الدولي؛ هو المجتمع نفسه الذي اعترف بإسرائيل منذ نشأتها، ورعى عدة مؤتمرات سلبت الفلسطينيين حقهم بدولة مستقلة على تراب الوطن؛ وعلى الرغم من ذلك، أشاد مطولا بقدرة الغرب على وهب الشعب الفلسطيني حقه المشروع.
وعلى الرغم من انسلاخ عباس عن الواقع الفلسطيني، إلا أن أكبر تناقضات خطابه كان تساؤله، باستغراب، عن الأسباب التي تدفع السلطات الإسرائيلية إلى التمسك باحتلال الضفة الغربية في مقابل انسحابها من قطاع غزة العام 2005. الصدمة التي ارتسمت على ملامح عباس أثارت استهجان الشارع الفلسطيني وسخطه، لاسيما أن الصغير قبل الكبير يعرف جيدا أن إسرائيل خرجت مرغمة من غزة، على وقع ضربات المقاومة المؤلمة والمكثفة.
وإذا استندنا إلى نظرية المقاومة حول الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، يمكن فهم الأسباب التي أعطت إسرائيل الجرأة لمواصلة استيطانها في الضفة الغربية، وسيطرتها عليها بشكل شبه كلي، ألا وهو التنسيق الأمني "المقدس" الذي تتبناه الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ومن يتابع الإعلام العبري، يتأكد من متانة هذه العلاقة، آخره ما نقلته صحيفة هآرتس العبرية قبل أيام عن مصادر أمنية، تشيد بالتحسن الملحوظ للتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، عقب فترة من "الفتور" إبان انطلاق الهبة الشعبية في القدس قبل أشهر. وذكرت الصحيفة أن تعليمات صدرت من الرئيس الفلسطيني بالعمل على تهدئة الأوضاع، ومستوى الخطاب "التحريضي"، وجرت العودة إلى سياسة اعتقال أنصار حماس في هذا الإطار، والعمل على منع المتظاهرين من الوصول إلى نقاط التماس مع القوات الإسرائيلية.
هذا الالتزام المطلق بأمن إسرائيل سبق أن قاله عباس صراحة في أحد خطاباته، إذ أكد أنه لن يسمح باندلاع انتفاضة ثالثة في عهده، وهو الذي جعل القيادة الإسرائيلية تطمئن إلى وضعها في الضفة الغربية والقدس، مستندة إلى سلطة في رام الله قررت تشكيل صمام أمان في مواجهة أي محاولاتٍ لإعادة تشكيل بنية تحتية للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية، قادرة على تحقيق توازن رعب مع إسرائيل، على غرار السيناريو الناجح لحركة حماس في قطاع غزة.
D32CC28D-4B72-4799-9C38-BB74C5C4DD1D
D32CC28D-4B72-4799-9C38-BB74C5C4DD1D
جلال قبطان (فلسطين)
جلال قبطان (فلسطين)