يتهم العديد من الكتاب في الغرب الاسكتلندي توماس كارلايل بأنه قد حثّ، منذ القرن التاسع عشر، في كتابه الذي اتخذ اسم "الأبطال" على عبادتهم. وقد ترجم الكتاب إلى اللغة العربية أكثر من مرة، ومنها ترجمات مختصرة اقتصرت على بضع مقالات، أو ترجمات اختصرت مقالات الكتاب كلّه.
ومن النادر أن نجد نقاشاً ما حول رسالة الكتاب في الفكر العربي. بخلاف ما يحدث في الفكر الغربي، حيث رأى كثير من الكتّاب -في القرن العشرين خاصة- أن كتاب كارلايل تنظير خطير للدكتاتوريات، والنظم الشمولية. خاصة حين طغت على القرن الماضي أسماء مثل هتلر وموسوليني وستالين وماو تسي تونغ وكاسترو إلى العشرات من الطغاة الصغار الآخرين الذين تشبهوا بهم وحاولوا تقليدهم، في بلدان العالم الثالث.
اللافت أن نلاحظ اليوم، في سورية مثلاً، الآلاف من الذين لم تعد لديهم حلول لما يمرّون به من مصاعب سوى انتظار البطل. ولا يزال بعضهم يفكّر أن الحلول الوحيدة، أو الراجحة لأزمات أي بلد إنما هي وجود الشخصية الكاريزمية التي تستطيع أن تلم الشتات من بين أفراد الشعب، وتبعث الميت. وهي نظرة تنم في الغالب عن احتقار الجماعة، أو الشعب. كما أنها تزدري الإنسان العادي. والأخطر منها أنها تلخّص الكل في الواحد البطل.
وهناك من يسجّل أو يطوّب ثورات القرن العشرين، خاصة في البلدان التي تحرّرت من الاستعمار، بأسماء الأبطال، ويجري إهمال أو إلغاء أدوار الأفراد الآخرين الذين حققوا الانتصارات. وتشهد السجالات التي تنشأ على هوامش الثورة السورية، نشاطاً في استدعاء البطل. ويتمثّل هذا الاستدعاء في شكلين، أو خطين. الأول يطارد أبطال الماضي، سواء من التاريخ الإسلامي الغابر، أو من التاريخ الحديث والمعاصر، كي يأتي بهم إلى الحاضر. والراجح أن هذا الميل يعكس الرغبة في التعويض عن إحساس ضمني بالهزيمة العسكرية والسياسية و"الأخلاقية" ربما لمشروع الثورة. والثاني يحاول أن يخطط لاستحضار البطل من المستقبل، زاعماً أنه الأمل الوحيد. واللافت هنا أن يكون أحد المقترحات مستمدا من وصفات قديمة بالية، تستنجد بالمنقذ الفريد، أو ترشّحه للقيادة. ومنها فكرة المستبد العادل التي تداولها مفكرون عرب من محمد عبده إلى توفيق الحكيم.
ولدى النقد الروائي مساهمات تؤكد حضور هذا الميل في نظرية الرواية. وتعريف البطولة الروائية، في النقد، يكاد يتتبع نظرية الأبطال. فـ"البطل في الرواية، شخصية مركزية تدور حولها شخصيات ثانوية، تضيئها وتستضاء بها، وتنتج فعلاً روائياً يعيد تعريف الشخصيات جميعاً"، وسبق للناقد الماركسي رالف فوكس أن كتب مقالة غاضبة قال فيها "إن الروائي الحديث في تخلّيه عن خلق البطل من أجل مهمّة تصوير الناس العاديين في ظروف عادية، قد تخلّى عن الحياة نفسها". وهو تنظير شديد الغرابة من ناقد ينتمي إلى نظرية تكاد تؤلّه الجماهير.
وللأمر علاقة قوية بالخلاف حول وظيفة الرواية ودورها الجمالي والمعرفي، فهل تعيد المجد للبطل بوصفه علامة تاريخية، أم تسحب البساط لتمدّه تحت أقدام صانعي التاريخ الحقيقيين؟