عام من الاستبداد في مصر
مر عام 2014 على مصر كأحد أسوأ الأعوام، وإذا جاز لنا أن نطلق على 2013 عام المجازر والقتل، فلنا أن نصف 2014 بأنه عام (القهر والاستبداد)، امتلأت فيه السجون المصرية بالطلاب والطالبات والنشطاء السياسيين ونواب الشعب المنتخبين، مع استمرار حبس الرئيس الشرعي.
عام تنوعت فيه أدوات الاستبداد، من أداة القضاء التي حققت أرقاماً قياسية في معدلات أحكام الإعدام في العالم، فقد تم الحكم على 1464 مواطناً، ومعظمهم من تيار سياسي واحد، وتجمعهم مقاومة الانقلاب، بخلاف أحكام الحبس والسجن بالجملة للآلاف، وكذلك الحبس الاحتياطي للطلاب الذين بلغ عددهم، وفقاً لتصريحات لوزير التعليم العالي لجريدة الفجر، 3284 طالبًا وطالبة في ديسمبر/كانون الأول، وقد بلغ عدد المقبوض عليهم (الموقوفون) حتى مايو/أيار نحو 41 ألفا، وفق إحصائيات وتوثيق (ويكي ثورة).
ومن أدوات الاستبداد، أيضاً، رؤساء الجامعات المعينون من سلطة الانقلاب، بعد التعديل التشريعي الذي ألغى انتخابهم في يونيو/حزيران 2014، وأصبحت سلطة تعيينهم وعزلهم بيد قائد الانقلاب، فكانت النتيجة فصل الطلاب، سمة من سمات هذا العام، بسبب إبداء الرأي والتظاهر السلمي بالجامعة. ومن أدوات القهر والاستبداد كانت الشرطة التي استخدمت أساليب للتعذيب داخل السجون، نتج عنها مقتل 83 حالة في النصف الثاني من العام، وفقاً للمرصد المصري للحقوق والحريات، بخلاف إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وقتل العشرات خلال العام.
ولم تكن أداة التشريع بعيدة لبسط السلطة وتطويع الشعب الثائر، سواء بالقوانين التي تكرس الفساد، مثل قانون تحصين العقود الحكومية ضد الطعن، والذي صدر في إبريل/نيسان، أو إعطاء الجيش الولاية القضائية على أجزاء كبيرة من الأماكن العامة في أكتوبر/تشرين الأول، أو قرارات الإحالة إلى المحاكم العسكرية للمدنيين، ولم تسلم الجمعيات الأهلية من القيود والقهر، فصدر لها قانون في سبتمبر/أيلول الماضي.
قابلت هذا القهر والاستبداد والقتل حالة من التنازلات الخارجية، غير المسبوقة وبأثمان زهيدة، فبعد أن اتضح للعالم أن حيازة المنقلب ليست هادئة، فلا تنشئ حقاً، وإن اعترف بها الآخرون في ظل استمرار المظاهرات الرافضة، وغير المعترفة بشرعيته، فقد استغل الخارج حاجة النظام للشرعية، ولو كانت بتصريحات أو زيارات او استقبالات، للحصول على أكبر قدر من المنافع والمصالح، مع وجود استعداد كامل لبيع مقدرات مصر في مقابل ذلك. لذا، رأينا إثيوبيا تستمر في بناء سد النهضة بلا ضجيج، وتحصل قبرص واليونان على حصص مصر من الغاز، ولتتنازل مصر عن حدودها المائية لصالح اليونان، ولتقدم مصر هدية مجانية للعدو الصهيوني، بتهجير سكان رفح المصرية.
ونتجت عن حالة القهر والاستبداد حالة من الفشل، جسدها تراجع مصر في مؤشر الدول الفاشلة، والصادر عن مؤسسة صندوق السلام (FFP) عام 2014 إلى المرتبة 31 من أصل 178 دولة، في مقابل ترتيب 34 عام 2013.
وكان طبيعياً بعد كل ما سبق أن تتراجع مصر في حرية الصحافة، بعد قمع كل صوت وغلق أي قناة معارضين، وأن تزيد حالات الانتحار لدى الشباب الذي وصل إلى حالة اليأس. وعلى الرغم من ذلك، كانت هناك جوانب مشرقة، تمثلت في استمرار الحالة الثورية طوال العام، ووضوح الرؤية، فعلى الرغم من أن إسقاط النظام كانت دعوة متأخرة غير ناضجة، عندما هتف بها الشعب أول مرة عام 2011، فكان رحيل رأس النظام كافياً من وجهة نظر بعضهم، لذا رأينا بعض الثوار يقفون ضد الرئيس مرسي، عندما اقترب من أحد أعمدة النظام، وهو النائب العام، والذي تمسك به العسكر، ولم يستجب لأي مليونية تطالب بعزله، في حين كان يستجيب لمطالب معظم المليونيات، كما رأينا "الإخوان المسلمين" يتجنبون مواجهة العسكر، ظناً منهم أن إجراء انتخابات برلمانية، أو رئاسية، سيكون كفيلاً ببناء دولة جديدة، وأن هذا الرهان سيقي مصر دماءً كثيرة، وكان رهاناً خاسراً، أما، الآن، فقد أصبح مطلب إسقاط النظام واضحاً بيناً، يكمن في وجدان معظم المصريين، بل من المحتمل أن يكون كابوساً يؤرق الانقلابيين أنفسهم، وقد اتضحت، الآن، أبعاد هذا المطلب بصورة متعمقة، لا تختزل في التخلص من شخص أو استبداله بدمية أخرى، تظهر في مسرح العرائس، تحركها منظومة الفساد، وهذا ما يبشر بنجاح الثورة المصرية، لأن الأهداف الواضحة غالباً ما تتحقق، إذا بذلت التضحيات من أجلها، وقوي التمسك بها.